المحتوى الرئيسى

محمد إلهامي يكتب: خريطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر | ساسة بوست

10/08 05:20

منذ 2 دقيقتين، 8 اكتوبر,2015

ذكرنا في المقال السابق ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو نظام انفرد به الاسلام عن سائر المناهج الفلسفيه الاخري، وانه هو نظام حمايه المجتمع الاسلامي، الذي يقيه من شيوع عوامل التفسخ والانهيار، فهو يشبه جرس الانذار الذي ينطلق في المبني حال حدوث الخطا، وهو يكفل تماسك الامه واهتمام اعضائها بامر انفسهم وامر غيرهم. ولذلك كان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبب خيريه الامه وشرطها.

وقد فاضت اقوال العلماء في القيام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال إبن حزم: “الامر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر فرضٌ علي كُلِّ مُسلِم ان قَدِرَ بيده فبيده، وان لم يقدر بيده فبلسانه، وان لم يقدر بلسانه فبقلبه ولا بُدَّ، وذلك اضعف الايمان، فان لم يفعل فلا ايمان له”([1]).

وقد “اجمع المسلمون ـ فيما ذكر ابن عبد البر ـ ان المنكر واجب تغييره علي كل من قدر عليه، وانه اذا لم يلحقه بتغييره الا اللوم، الذي لا يتعدي الي الاذي؛ فان ذلك لا يجب ان يمنعه من تغييره، فان لم يقدر فبلسانه، فان لم يقدر فيقلبه”([2]). ويلخص ابن تيميه الامر بقوله: “الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب علي كل انسان بحسب قدرته”([3]).

وسمي الامرين بالمعروف والناهين عن المنكر: “اطِبَّاء الاديان، الذين تُشفَي بهم القلوب المريضه، وتهتدي بهم القلوب الضاله، وترشُدُ بهم القلوبُ الغاويه، وتستقيم بهم القلوبُ الزائغه، وهم اعلامُ الهدي ومصابيح الدُّجي”([4]).

وقد بلغ تعظيم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر شانًا بعيدًا الي حد ان قال بعض العلماء وهو الحصفكي الحنفي: ان “القائل لمن يامر بالمعروف: انت فضوليّ يُخشَي عليه الكفر”([5]).

ولا يسقط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حتي علي من اختار العزله عن الناس؛ ما دام قادرًا علي الامر والنهي، علي ان الاختلاط بالناس ـ لا الانعزال عنهم ـ هو سبيل النبي r وصحابته والتابعين، وقد قَسَّم عبد الرحمن بن ابي بكر الحنبلي تاركي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الي سبع طبقات ذَمَّهم جميعًا؛ هم:

من تركه ايثارًا للدنيا علي الدين، واستجابه لوسوسه الشياطين، بالخشيه من وقوع الشر او انقطاع البر؛ اذا امر بالمعروف ونهي عن المنكر. من تركه خوفًا علي ماله وذهاب جاهه وزوال حاله، فلا يتكلم رهبه من سقوط جاهه. من تركه لما للمنصوح من ايادٍ وفضائل عليه. من تركه ليحوز محبه الناس اذا راي ان محبتهم له بسكوته اكثر. من تركه ليحوز مدح الناس وثناءهم؛ مما يري انه قد يذهب بالامر والنهي. من تركه تكبرًا وعجبًا. من تركه زهدًا وانعزالاً عن الناس.

ثم قال “فهذه الطبقات كلها مذمومه، وبعضها شر من بعض”([6]).

كما لا يسقط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قلبيًّا ابدًا، بل تغيير المنكر بالقلب ـ وهي كراهته ورجاء زواله ـ هي اضعف الايمان، وانما يسقط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في حال العجز، او في زمان الفتنه الشديده، او حين ياتي اخر الزمان فتكثر الفتن([7])، او حال وجود مكروه معتبر يقوم مقام العجز؛ كخوف القتل، وهلكه المال، لا سيما ان لم يغلب علي الظن انتفاع المنصوح بهذا([8]).

وقد ثار خلاف طويل حول مدي الخوف المعتبر الذي يُسقط وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما معياره، وهو خلاف يسعي لضبط حدود الامر؛ فلا يتوسع الناس في ترك الامر والنهي بذريعه الخوف، ولا يتوسعون في الجراه؛ حتي يؤدي بهم الامر الي فتنه او فوضي او هلكه بغير انتفاع، ومن اجمع ما اطلعنا عليه في هذا الموضوع ما كتبه الامام الغزالي في احياء علوم الدين، وهذا خلاصته وضعناها في نقاط:

اذا كان انكار المنكر لا ينفع ويجلب ضررًا فلا يجب عليه الانكار، بل ربما يحرم احيانًا. اذا كان انكار المنكر يزيله ولا يجلب ضررًا فيجب عليه الانكار. اذا كان انكار المنكر لا يزيله؛ ولكنه لا يخاف مكروهًا، فيستحب الانكار لاظهار شعائر الاسلام، وتذكير الناس بامر الدين. اذا كان انكار المنكر يزيله؛ ولكنه يعود بالضرر عليه فهو مستحب، لما له من تاثير في رفع المنكر، او في كسر جاه الفاسق، او في تقويه قلوب اهل الدين.

اذا غلب عليه الظن ان يصيبه مكروه، او انه لا تفيد حسبته؛ فالظن الغالب في هذه الابواب في معني العلم:

ان كان غالب ظنه انه لا يفيد (في ازاله المنكر)؛ ولكن يحتمل ان يفيد، وهو مع ذلك لا يتوقع مكروهًا فالاظهر انه واجب؛ اذ عموم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تقتضي الوجوب بكل حال، ونحن انما نستثني عنه بطريق التخصيص. وان كان غالب ظنه انه يصاب بمكروه لم يجب (عليه ازاله المنكر)، وان غلب (علي ظنه) انه لا يصاب وَجَبَ (انكار المنكر). ومجرد التجويز لا يُسْقِط الوجوب، فالاصل (في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) الوجوب بحكم العمومات، وانما يسقط بمكروه، والمكروه هو الذي يظن او يعلم حتي يكون متوقعًا.

فان قيل: فالتوقع للمكروه يختلف بالجبن والجراه. قلنا: التعويل علي اعتدال الطبع وسلامه العقل والمزاج، وعلي الجبان والجريء دفع الجبن والتهور عنهما بالعلم وبالاجتهاد في اكتساب الشجاعه والاتزان. فان قيل: فالمكروه المتوقع ما حده؟ فان الانسان قد يكره كلمه وقد يكره ضربه وقد يكره، وما من شخص يؤمر بالمعروف الا يتوقع منه نوع من الاذي. قلنا: مطالب الخلق في الدنيا ترجع الي اربعه امور: العلم والصحه والمال والجاه، ويكره في هذه الاربعه امران: زوال ما هو حاصل موجود، وامتناع ما هو منتظر مفقود. فاما امتناع ما هو منتظر مفقود، وهذا ينبغي الا يكون مُرَخِّصًا في ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. واما زوال ما هو حاصل موجود: فالعلم لا سبيل الي سلبه وهذا من شرف العلم، واما الصحه (التي تذهب بالضرب المؤلم او القطع او القتل)، والثروه (التي تذهب بنهب البيت او هلاك المال الكثير)، والجاه (الذي يذهب بالاهانه والتعيير الشديد)، فلا يجب الانكار في هذه الاحوال؛ وان كان يُستحب له ذلك؛ اذ لا باس ان يفدي دينه بدنياه.

ولو تُرِكَت الحسبه بلوم لائم او باغتياب فاسق او شتمه وتعنيفه او سقوط المنزله عن قلبه وقلب امثاله لم يكن للحسبه وجوب اصلاً؛ اذ لا تنفك الحسبه عنه، وقد دلت العمومات علي تاكد وجوب الحسبه، وعظم الخطر في السكوت عنها، فلا يقابله الا ما عظم في الدين خطره والمال والنفس والمروءه قد ظهر في الشرع خطرها، فاما مزايا الجاه والحشمه ودرجات التجمل وطلب ثناء الخلق فكل ذلك لا خطر له([9]).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل