المحتوى الرئيسى

عبد الرحمن السليمة يكتب: الترجمة .. التاريخ والواقع والأهمية | ساسة بوست

10/07 22:02

منذ 13 دقيقه، 7 اكتوبر,2015

يقول الاديب الالماني غوته في احدي رسائله للاسكتلندي توماس كارليل: (مهما قلنا عن عدم اكتمال عمليه الترجمه فان هذا النشاط يظل علي الاقل احدي المهمات الاساسيه والاكثر جداره بالاحترام في سوق التبادل الدولي)

تعتبر اللغه الوسيله الاجتماعيه التي لا يمكن لاي عمليه ان تتم في المجتمع بدونها, وبذلك، تكون الترجمه نقلا للافكار المصاغه بلغه مجتمع ما الي لغه مجتمع اخر ، وهذا لا يعني ان الترجمه فقط نقل للكلمات والجمل من لغه الي اخري، بل تتعدي ذلك الي اعتبار كل الجوانب الثقافيه والاجتماعيه للمجتمعين اللذين نترجم بين لغتيهم.

فالمترجم يجب ان يكون ملما بثقافتي المجتمعين اللذين يترجم بين لغتيهم؛ لانه وسيط بين تلك الثقافتين, وبذلك تكون الترجمه حرفه لها مبادؤها وقواعدها الخاصه بها.

تختلف الروايات التاريخيه القائله بنشوء الترجمه, فيقول البعض بانها اول ما ظهرت عند البابليين الذين حاولوا الوصول للسماء عبر برج لم يكتمل بناؤه وكنتيجه لهذه الخطيئه كما اعتقدوا عاقبهم الرب عبر ظهور مجتمعات تتكلم بلغه تختلف عن لغتهم فظهرت الحاجه لايجاد وسيله تواصل بين هذه الاقوام مختلفه اللغات فكان نشوء الترجمه, بينما يقول اخرون: انها، اي: الترجمه اول ما ظهرت عند الاغريق لدي محاولتهم ترجمه الكتاب المقدس ( الانجيل) الي لغتهم عن اللاتينيه, بينما يقول فريق ثالث : ان الترجمه ظهرت عند الرومان وكان ذلك قبل الميلاد.

اما في المنطقه العربيه فيقال : ان اول من ترجم هم السوريون عن اليونانيه في النصف الاول من القرن الثاني الميلادي, وكانت معظم ترجماتهم انذاك حرفيه.

اما بعد الاسلام وكنتيجه للفتوحات والحروب التي خاضها المسلمون مع مجتمعات واقوام مختلفه ظهرت حاجه ملحه للترجمه؛ للتواصل مع تلك المجتمعات.

ومن اشهر المترجمين انذاك زيد بن ثابت الذي لعب دوراً مهماً في ترجمه رسائل النبي الي الملوك والسلاطين الاجانب وكذلك رسائلهم الي النبي.

واستمرت الترجمه مقتصره علي تفسير القران الكريم والقضايا الشرعيه حتي العصر العباسي، وتحديداً الخليفه المنصور الذي بني بغداد، حيث بدات الترجمه تشهد ازدهاراً متنامياً حتي عصر المامون الذي اسس مكتبه: بيت الحكمه، واحده من اعظم دور الترجمه حتي يومنا هذا كما توصف.

وكان اسحاق بن حنين من كبار المترجمين فيها, وكانت تترجم الفلسفه اليونانيه والعلوم الهنديه والادب الفارسي. وتواصلت حركه ازدهار الترجمه عند العرب بازدهار حضارتهم حتي بدات بانحطاط حضارتهم الي ان وصلت لما هي عليه الان.

تشهد الترجمه اليوم في عالمنا العربي الكثير من الفوضي والانحسار وسوء الاختيار, ولتعرف الفرق الشاسع بين ما نترجمه نحن اليوم وما يترجمه الاخرون، يكفي ان نقول وحسب احصاءات اليونسكو ان ما ترجمه العرب اجمع خلال الثلاثين عام الماضيه لا يساوي الا اقل من نصف ما ترجمته دوله مثل السويد في الفتره ذاتها، والذي لا يزيد عدد سكانها عن عشره ملايين نسمه. اذا استثنينا المشروع القومي للترجمه المصري والاماراتي مبادره كلمه.

فلا يوجد علي الساحه العربيه حركه ترجمه لها وزنها ووجودها, كذلك هذان المشروعان المذكوران انفاً تعيقهما الكثير من الحواجز في سعيهما نحو تشكيل حركه ترجمه قويه ويشوبهما الكثير من الخلل, ليس اقلها ارتباطهما بالمؤسسه الرسميه واخضاع الاعمال التي تتم ترجمتها للرقابه والاشراف والتحكم بما يتم ترجمته وفق اعتبارات سياسيه وايديولوجيه، هذا عدا اقتطاع اجزاء وفصول كامله من بعض الكتب بحجه انها لا تناسب ثقافه المجتمع وتقاليده ومعتقداته الدينيه. اما خارج هذين المشروعين فمعظم ما يتم ترجمته يقتصر علي الاعمال الادبيه من روايات واشعار وقصص ودراسات ادبيه, اما باقي فروع العلم والمعارف الاخري فلا ينالها الا اقل القليل من المجهود العربي الذي يبذل في الترجمه.

في معظم الاحيان لا يتم الوعي بدور المترجم كعامل حاسم في مسيره التطور الثقافي والعلمي للمجتمع، بل ان كثيراً ما يتم تجاهل دور المترجم ونسيانه, اغلب هذا الاخفاء لدور المترجم يكون نتيجه الجهل بماضي الترجمه ودورها القوي في تطور الحضارات وازدهارها, ان شعوب لا تولي الترجمه الاهميه الجديره بها داخل منظومه السياسه الثقافيه للمجتمع تظل بمثابه شعوب ميته وثقافات جامده خارج دائره الانتاج العلمي والمعرفي الدولي المتسارع كما يقول الاستاذ مصطفي الحسناوي.

فالترجمه من اعظم وسائل التبادل العلمي والثقافي علي المستوي العالمي, ولولاها ما قامت حضارات ولا بنيت مخابر ولا عولجت امراض ولا ظهر كل ما نحن الان فيه من نعيم ورفاهيه العلوم ؛ لانه ببساطه لا يمكن ان نقوم باي بحث او دراسه علميه دون الاعتماد علي ما توصل له الاخرون من امم وحضارات اخري وهذا حتماً يتطلب الترجمه.

وعلي الرغم من كل هذا, دائماً ما يكون المترجم بدوره المحوري في المسيره الثقافيه للمجتمع كجندي مجهول. فالقارئ لا يعرف اسم المترجم للماده التي بين يديه ولا يلتفت لخبرته في هذا المجال ناسياً دوره في بعث الروح بالنص وصياغته بالاسلوب المناسب للموضوع الذي يناقشه, وكذلك دور المترجمين في نقل افكار وثقافات المجتمعات الاخري الينا.

فمن دون الترجمه ما كان تغني الماديون بافكار ماركس وانجلز ولا تشدق الملحدون باقوال شوبنهاور ونيتشه، ولما عرف متذوقو الادب دستوفسكي وشكسبير وديكنز وكافكا, فكلنا قرانا لهؤلاء، لكن بالكاد احدنا يذكر اسم مترجم لعمل من اعمال هؤلاء، ناهيك عن امكانيه تقويم الترجمه والتعليق علي جودتها او تقدير دور المترجم في المجتمع والقيمه الفكريه لمهنته.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل