المحتوى الرئيسى

الملك فيصل لاعبًا أساسيًا وقائدًا للتحرك العربي في ملحمة أكتوبر73

10/06 12:47

لم تكن حرب اكتوبر 1973 م انتصارًا لمصر وحدها، وانما كانت انتصارًا للعرب جميعًا، ووقوف الاشقاء العرب الي جانب مصر، ومن الدول المحوريه في المنطقه والتي لعبت دورًا كبيرًا في انتصار اكتوبر كانت السعوديه، فبمجرد ان عَلِم الملك فيصل بساعه الصفر وبدات الحرب اضحي شريكًا اساسيًا في المعركه، ما بين دعم لوجستي ودعم معنوي، حتي كان الانتصار.

قرر الملك فيصل –رحمه الله- استخدام احد اهم الاسلحه في هذه المعركه، وهو سلاح البترول وذلك في الـ17 من اكتوبر، حيث دعا لاجتماع لمجموعه "الاوبك"، وزراء البترول العرب، في الكويت واتخذوا قرارًا بتخفيض الانتاج الكلي العربي بنسبه 5% علي الفور، وتخفيض 5% من الانتاج كل شهر وحتي انسحاب اسرائيل الي خطوط ما قبل يونيو 1976م، وقررت سته من الدول البتروليه من الاوبك رفع سعر بترولها بنسبه 70%، بالاضافه الي حظر تصدير البترول كليًه الي الدول التي يثبت تاييدها لاسرائيل متضمنه الولايات المتحده الامريكيه.

بالاضافه الي استخدام سلاح البترول، لوّحت السعوديه بتهديدات دبلوماسيه حلو مستقبل العلاقات السعوديه-الامريكيه وذلك حينما استدعي الملك فيصل بن عبد العزيز السفير الامريكي في السعوديه –انذاك- وابلغه رساله شديده اللهجه لتوجيهها للرئيس الامريكي مفادها: انه اذا استمرت الولايات المتحده علي نفس النهج في مساندتها لاسرائيل، فان مستقبل العلاقات السعوديه-الامريكيه سيتم اعاده النظر فيه، ثانيًا ستقوم السعوديه بتخفيض انتاجها بنسبه 10% وليس فقط 5% كما قرر وزراء البترول العرب، ثالثًا لمّح الملك فيصل –رحمه الله- الي احتمال وقف شحن البترول السعودي الي الولايات المتحده الامريكيه في حال لم يتم التوصل الي نتائج حاسمه وملموسه للحرب المشتعله.

وقد اعتبر هنري كيسنجر، وزير خارجيه الولايات المتحده، ان القرارات الصادره من الملك فيصل ماسه بكرامه وهيبه الولايات المتحده كقائده للعالم، فقد اثاره ان العرب اعطوا انفسهم الحق في استخدام البترول كسلاح، ورغبتهم في السيطره علي الغرب، كما ان هذه المره الاولي في التاريخ ان يعطي منتجي البترول لانفسهم حق تحديد سعر البترول.

وجاء الرد من الولايات المتحده الامريكيه في 20 أكتوبر، حيث اعلنت انها ستدعم اسرائيل بمبلغ 2 مليار و100 مليون دولار كشحنات اسلحه جديده، وجاء الرد العرب مزلزلًا حيث اعلنت الدول العربية في اليوم نفسه حظر تصدير تمامًا الي الولايات المتحده الامريكيه.

وفي رد حاسم للملك فيصل بن عبد العزيز، وبعد اعلان قرار حظر تصدير النفط الي الولايات المتحده، اعلن ان الحظر لن يرفع حتي تنسحب اسرائيل من كل الاراضي العربيه التي تم احتلالها في 1967م.

استكمالًا للدور العربي في ملحمه اكتوبر، وصدرت الاوامر للقوات السعوديه المسلحه والحرس الوطني، للمشاركه في معركه تحرير الارض العربيه وامتزج الدم السعودي مع الدماء العربيه في مصر وسوريا دفاعًا عن الشرف والكرامه من اجل استرداد الارض وتحرير المقدسات الاسلاميه، وتفقد الامير سلطان بن عبدالعزيز ارض المعركه في احد الخنادق علي الجبهه المصريه.

كان ذلك قرارًا سعوديًّا شهيرًا يتفق وحجم المملكه وثقلها علي الصعيد العربي والاسلامي والدولي، كان موقفًا لا يباري وتحديًا حضاريَّا وتاريخيًّا لا يُنسي، وقبل كل شيء وبعده كان موقفًا اسلاميًّا مهمًّا، فجاء النصر من عند الله في حرب رمضان المبارك التي عبرت عن التضامن العربي والاسلامي بشكل كبير كان نواته الالتحام السعودي المصري.

ومع ظهور اثار ازمه النفط في الولايات المتحده ولدي حلفائها واضحه في الطوابير عند محطات التزود بالوقود، اسرع هنري كيسنجر وزير الخارجيه الامريكيه لزياره الرياض في 8 نوفمبر 1973م، علَّه يحصل علي وعد باستئناف تصدير النفط، وطوال نحو اربع ساعات قضاها في مباحثات مع الملك فيصل اولا ثم مع عمر السقاف وزير الشؤون الخارجيه السعوديه لم يسمع الا عبارات قويه وسياسه واضحه مفادها ان تنسحب اسرائيل من الاراضي المحتله ويعود بعدها تصدير النفط.

سلسله من المفاوضات الشاقه بين الملك فيصل والوزير الذي يسعي جاهدًا لاقناعه برفع حظر النفط بينما يتمسك العاهل السعودي بان تعلن الولايات المتحده في الحال ان اسرائيل يجب ان تنسحب من الاراضي التي احتلتها، وان تتعهد الولايات المتحده بانها ستتخلي عن تاييد اسرائيل اذا لم تنفذ هذه الخطوات، وقإل ألملك فيصل لكيسنجر: "انا متاكد بان اسرائيل ستنسحب في اللحظه نفسها التي تعلنون فيها انكم لن تحموها، ولن تدافعوا عنها، ولن تدللوها. ولن يكون هناك سلام واستقرار اذا لم تنسحب اسرائيل من الاراضي المحتله، وان تتعهد الولايات المتحده بانها ستتخلي عن تاييد اسرائيل اذا لم تنفذ هذه الخطوات. نحن نري ان اسرائيل عبء علي الاميركيين. انها تكلفكم كثيرًا."

ومن جانبه، حاول كيسنجر اقناع الملك فيصل بان الولايات المتحده قد بذلت جهودًا مضنيًه بعد حرب اكتوبر 1973م وعددها قائلا: "اوقفنا اطلاق النار، رغم ان الاسرائيليين كانوا يريدون استمرار القتال وانقذنا الجيش المصري الثالث، واكدنا وقف اطلاق النار"، كما كشف كسينجر للملك عن قرار سري امريكي وهو ايقاف ارسال الاسلحه الي اسرائيل اعتبارًا من منتصف نوفمبر 1973م.

وحاول كيسنجر جاهدًا ان يوضح للملك الوضع الداخلي للولايات المتحده المعقد وسيطره اليهود علي الكثير من مراكز القرار فيه في ضوء جماعات الضغط الداخليه، وقال "ان كثيرًا من الامريكيين في مواقع مهمه في الحكومه وفي الكونغرس يرون ان مصالح الولايات المتحده ومصالح اسرائيل متطابقه، ستواجه جهودنا مشكلات في امريكا اذا استمر حظر تصدير النفط، واذا اضطررنا لبيع بنزين السيارات ببطاقات، واذا اضطررنا لتخفيض بيع غاز التدفئه للمنازل، والشتاء علي الابواب، سيؤدي هذا الي ثلاثه اشياء: ستقل قوه الرئيس نيكسون لان اعداءه سيحملونه المسؤوليه، وستستغل قوي معينه الموضوع لزياده غضب الامريكيين علي العرب، وستزيد المشكله تعقيدًا لان هذه القوي تتمتع بنفوذ كبير في الصحف والتليفزيونات."

وجاء رد الملك واضحًا: "اقدر توضيحاتكم المعقوله، لكني في الوقت نفسه، امل ان تقدروا موقفنا، ما كان قرار وقف تصدير النفط قرارًا فرديًا من جانبنا، ولكنه كان قرارًا عربيًا جماعيًا. نحن جزء من العائله العربيه، اريد منكم الالتزام بانسحاب اسرائيل، لاذهب الي اخواني العرب، واقول لهم ذلك، واريد بالاضافه الي ذلك شيئين، اولاً: السرعه. ثانيًا: اعلان موقفكم علنًّا".

وبعد ما ادرك كيسنجر انه لن يحصل علي اي مما جاء من اجله قال في نهايه اللقاء: "افضل ان يضع جلالتكم في الاعتبار، بعد مغادرتي هذا المكان، ان الضغوط ستعرقل جهودنا، اذا لم تجعلها مستحيله، وامل ان يقدر جلالتكم الجهود التي قمنا بها حتي الان اوقفنا اطلاق النار، وانقذنا الجيش المصري الثالث، واكدنا وقف اطلاق النار، وسنوقف ارسال الاسلحه الي اسرائيل."

وفي ديسمبر 1973م استمر الملك فيصل يبذل جهوده ويرسل رسائله للاداره الامريكيه سواء وزير الخارجيه او الرئيس الامريكي وذلك لحثهما علي القيام بدورهما والضغط علي اسرائيل للانسحاب من الاراضي العربيه التي احتلتها في 5 يونيو 1967م.

وعند تهديد الدول الغربية باستخدام القوه للسيطره علي منابع البترول، قال الملك فيصل: "ماذا يخيفنا؟ هل نخشي الموت؟ وهل هناك موت افضل واكرم من ان يموت الانسان مجاهدًا في سبيل الله؟ اسال الله سبحانه ان يكتب لي الموت شهيدًا في سبيل الله."

واكمل قائلًا: لقد عاش ابائي واجدادي مئات السنين علي ثمار النخيل، ونحن مستعدون ان نعود للخيام ونعيش مثلهم، ونستغني عن البترول."

في الوقت الذي كان مؤيدو اسرائيل يتحدثون ان العرب " يقدرون علي ان يشربوا نفطهم، او يسبحون فيه. نحن لا نحتاج له" كانت هذه سياسه الملك فيصل، وقال ابا ايبان وزير خارجيه اسرائيل لاعضاء من الكونجرس ان حظر تصدير النفط لا يعني اي شيء. وان الامريكيين لا يحتاجون للنفط السعودي، وان السعوديين ثلاثه اسابيع من وقف تصدير النفط، سيعودون فقراء. ودعا بعض الامريكيين لمنع القمح عن السعوديين لانهم قطعوا عن الولايات المتحده النفط.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل