المحتوى الرئيسى

الأسوأ والمفاجئ فى المشهد الفلسطينى

10/06 01:01

في المشهد الفلسطيني اشارات مستجده تستحق الرصد والانتباه، خصوصا ونحن نحيي اليوم ذكري حرب ٦ اكتوبر التي كانت اسرائيل فيها عدوا.

حين رفع العلم الفلسطيني علي مبني الامم المتحدة ومكاتبها بنيويورك في الاسبوع الماضي. كانت اسرائيل قد فتحت باب «الرحمه» الذي اغلقه صلاح الدين قبل ٨٠٠ سنه لصد الغزاه القادمين من الشرق، وذلك تمهيدا لاقامه كنيس لليهود داخل باحه المسجد الأقصي ضمن مشروعهم لاقتسام المكان مع المسلمين. الحدث الاول الذي رفرف بمقتضاه العلم الفلسطيني في سماء نيويورك كان محل حفاوه كثيرين. اذ ابرزته جريده «الاهرام» وجعلته عنوانا رئيسيا لصفحتها الاولي (عدد الاول من اكتوبر)، ونقلت عن الرئيس الفلسطيني الذي حضر المناسبه مع الأمين العام للأمم المتحدة قوله انه يوم «فخر واعتزاز». اما الحدث الثاني علي خطورته فلم يات علي ذكره احد، باستثناء الصدي المتوقع بين الفلسطينيين في الارض المحتله وبيانات الشجب التقليديه التي صدرت عن بعض العواصم العربيه. واذ استوقفتني المفارقه، فانني وجدت ان رفع العلم الفلسطيني علي مباني الامم المتحده خطوه جديره بالحفاوه حقا، لكنها تظل انجازا ادبيا وسياسيا يقدر في تلك الحدود. بالمقابل وجدت فتح باب الرحمة بعد اغلاقه طوال ثمانيه قرون انجازا اسرائيليا لم يجرؤ احد من القاده الصهاينه علي الاقدام عليه منذ احتلال القدس في عام ١٩٦٧. ووجدت ان المقابله والتزامن بين الحدثين لها دلالتها العميقه التي تصور حقيقه العلاقه بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ذلك ان اسرائيل ظلت طول الوقت معنيه بالارض. وتركت الحريه للفلسطينيين والعرب ان يتحركوا في الفضاء كما يشاءون، لذلك قلت في التعليق علي المشهد ان الاسرائيليين اكلوا الارض والفلسطينيين والعرب اكلوا الهواء. عبر عن ذلك ابومازن في الاسبوع الماضي امام الامم المتحده، حين ذكَّر الجميع باتفاقيه اوسلو التي نصت علي مرحله انتقاليه مدتها خمس سنوات. بعدها يتمتع الفلسطينيون بالاستقلال التام في «دولتهم». ولكن اسرائيل التي تعهدت بذلك منذ ٢٢ عاما تركت الفلسطينيين ياكلون الهواء. وتمددت علي الارض حين زادت من الاستيطان بنسبه ٢٠٪، وظلت تتحدث عن مفاوضات السلام في حين لم تتوقف عن ابتلاع الارض وتمعن في تهويد القدس. وها هي تحاول الانقضاض علي المسجد الاقصي بكل جراه وصفاقه.

لم تكن تلك المفارقه الوحيده. لان صدي الهجمه الشرسه علي المسجد الاقصي في الوقت الحاضر لا تكاد تقارن باصداء احراق جزء من المسجد القبلي في شهر اغسطس عام ١٩٦٩. وهي الجريمه التي اثارت غضب العالم الاسلامي انذاك، واستدعت عقد القمه الاسلاميه التي قررت اقامه منظمه المؤتمر الاسلامي التي كان الدفاع عن القدس احد اهم اهدافها. ذلك اننا بعد مضي ٥٠ عاما علي الحريق الاول لم نجد اثرا لغضب الدول الاسلاميه، باستثناء بيانات الشجب والاستنكار ومطالبه المجتمع الدولي بان يتحمل مسئوليته ازاء الهجمه الاسرائيليه علي ابرز مقدسات المسلمين بعد الكعبه، وهي المطالبات التي كانت بمثابه اشهار ضمني للافلاس واعلان عن تخلي تلك الدول عن مسئوليتها السياسيه والدينيه والتاريخيه. وكان مثيرا للدهشه والخجل ان يسود السكون ارجاء العالم العربي والاسلامي. (ماليزيا خرجت منها مظاهره ومظاهرات الضفه الغربيه منعت وقمعت). وهو ما يحتاج الي دراسه تحلل الفرق في الهمه والغيره والمسئوليه بين عالم ستينيات القرن الماضي بانظمته وشعوبه وبين عالم العشريه الثانيه من الالفيه الجديده. اذ رغم اننا لم نفعل الكثير انذاك ــ حين وقع الحريق الاول ــ الا ان الحدث كان له دويه والتحرك كان عند حده الادني. اما في الوقت الراهن فان الصدي كان دون الحد الاقصي بكثير. ذلك رغم ان الهجمه اكتسبت طابعا اكثر جراه واشد خطرا، سواء بسبب الرعايه الحكوميه للعدوان علي الاقصي (كان احد الوزراء بين المقتحمين) او بسبب انكشاف الاهداف المتمثله في الاقتسام الزماني والمكاني برمزيته الكبري في الضمير العربي والاسلامي اضافه الي رمزيته للقضيه الفلسطينيه. واذ بدا ذلك استهتارا وازدراء بمشاعر المليار مسلم، فانه كان بمثابه الغاء لنصوص اتفاقيه السلام التي وقعت بين الاردن واسرائيل عام ١٩٩٤ وبمقتضاها خضعت المقدسات الاسلاميه في القدس لاشراف المملكه الاردنيه.

اننا لم نلمس اجراء دبلوماسيا ذا قيمه عبر عن غضب الدول العربيه التي ارتبطت بعلاقات رسميه مع اسرائيل، او تلك التي تعاونت معها بصوره وثيقه وغير رسميه. وبدا مدهشا ايضا انه في الوقت الذي لا يكف الخطاب السياسي والاعلامي العربي عن التنديد بالارهاب وقرع طبول الحرب ضده، فان جرائم اسرائيل التي تستهدف المسجد الاقصي والتي تلاحق الفلسطينيين بالارض المحتله طول الوقت لم تصنف ضمن ارهاب المرحله. وظل «حق الاقصي» مهدورا ومنسيا.

لم يكن ذلك اسوا ما في الامر، لان شواهد الاسوا لاحت تباعا في العالم العربي في تزامن صادم مع الهجمه الاسرائيليه الشرسه علي المسجد الاقصي. من ذلك مثلا اننا فوجئنا بان قناه «الجزيره» بثت يوم ٢١/٩ حوارا مع السيد اياد مدني الامين العام لمنظمه التعاون الاسلامي (الاسم الجديد لمنظمه المؤتمر الاسلامي)، دعا فيه ضمنا الي تطبيع العلاقات مع اسرائيل. وجاءت دعوته ضمن مطالبته المسلمين بشد الرحال الي المسجد الاقصي، لدعم صمود المقدسيين تحت الاحتلال. وذلك بحجه انعاش اوضاعهم الاقتصاديه وتنشيط حركه السياحه في المدينه. وفات علي امين منظمه التعاون ان شد الرحال الذي يدعو اليه لن يتم الا من خلال طرق ابواب السفارات الاسرائيليه والمرور بالمعابر والبوابات الاسرائيليه، في حين ان اغلب دول المنظمه (٥٧ دوله) ليست لها علاقات دبلوماسيه مع اسرائيل، وفاته ايضا ان مخططات اقتحام الاقصي وانتهاك حرمته تتسارع هذه الايام، بعدما قطعت اسرائيل شوطا في التقسيم الزماني للاقصي بين المسلمين والاسرائيليين (الاقتحامات تستمر يوميا تحت حراسه الشرطه ليقيم الاسرائيليون صلواتهم التوراتيه بين السابعه والحاديه عشره صباحا). كما ان اجراءات التقسيم المكاني قادمه في الطريق. وهي ملابسات كانت تفرض علي امين منظمه التعاون ان يدعو لانقاذ الاقصي من الهجمه التي تستهدفه وليس الي شد الرحال اليه وتنشيط السياحه في المدينه.

كان غريبا ان تصدر الدعوه عن امين منظمه التعاون التي انشئت بناء علي اقتراح للملك فيصل رحمه الله. الا ان الذي لا يقل غرابه عن ذلك ان تتناقل التقارير الصحفيه اخبارا ومعلومات عن لقاءات بين مسئولين سعوديين سابقين وبين سياسيين ومسئولين اسرائيليين، الامر الذي سوغ للمدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري جولد ان يدعي بان «المملكه العربيه السعوديه حليف لاسرائيل». هذا التصريح الاول من نوعه في تاريخ الدبلوماسيه الاسرائيليه صدر علي لسان الرجل اثناء مؤتمر نظمته في واشنطن اللجنه المركزيه ليهود امريكا، ونشرته صحيفه «معاريف» في ٣٠ يوليو الماضي. ومشهوره قصه الصوره التي جمعت بين دوري جولد والسيد انور عشقي وهو لواء سابق في الجيش السعودي ويدير الان مركزا للابحاث، ويتردد انه احد مستشاري الحكومه، وكان الاثنان يشاركان في ندوه اقيمت بواشنطن حول الاتفاق النووي مع ايران.

لفت الانتباه في هذا السياق موقع «يديعوت احرنوت» الاخباري الذي ذكر ان لقاء تم في نيويورك يوم ٣٠ سبتمبر الماضي بين الامير السعودي تركي الفيصل مدير المخابرات والسفير الاسبق في واشنطن ولندن، وبين يائير لبيد زعيم حزب «هناك مستقبل» الاسرائيلي، المعروف بمعارضته لحق العوده ولتقسيم القدس. وذكر الموقع ان الاثنين بحثا في تنظيم مؤتمر سلام اسرائيلي عربي. وقد نشرت جريده السفير في عدد اول اكتوبر تقريرا عن اللقاء. نقل عن السياسي الاسرائيلي قوله انه جزء من ترتيبات تجري في واشنطن وان الامير تركي الفيصل لم يصل مثلا لنفسه، اذ ليس في السعوديه شيء من ذلك القبيل.

في هذه الاجواء نشرت صحيفه «معاريف» في ٢٨ سبتمبر الماضي مقاله للجنرال افي بنياهو المتحدث الاسبق باسم الجيش الاسرائيلي طرح فيها فكره شاذه ومستهجنه. اذ تحدث عن ضروره مواجهه الخطر الذي تمثله حركه المقاطعه الدوليه لاسرائيل، وقال ان انجح وسيله لاجهاض تلك الحركه وافشال مساعيها هي ان يستعان في ذلك بالتحالف الاستراتيجي بين اسرائيل والوضع القائم في مصر واستخدام نفوذها في تحقيق ذلك الهدف. اذ اعتبر ان الرئيس السيسي الذي وصفه بانه «هديه الشعب المصري» هو الوحيد القادر علي انقاذ اسرائيل من المقاطعه الدوليه. (كانت العباره عنوان الصفحه الاولي الرئيسي لصحفيه «جيروزاليم بوست» التي صدرت في اول شهر اكتوبر الحالي).

ازاء تعدد شواهد الحيره والاحباط برز في الافق ضوء يخفف من وطاتها اذا ما حولنا النظر من الفضاء السياسي والاعلامي الي الواقع المصري. تمثل الضوء في نتائج استطلاع الراي العام الذي اجراه المركز المصري لبحوث الراي العام (بصيره) يوم الاربعاء ٢٣/٩. وكان المركز قد استطلع عينات المصريين باسئله حول اقرب الاصدقاء واعدي الاعداء. وجاءت النتائج بحصيله خلاصتها ان اقرب الدول العربيه الصديقه لمصر هي السعوديه اولا وبعدها الامارات والكويت. اما الاقرب من بين الدول غير العربيه فكانت الصين وبعدها روسيا بفارق بسيط. ولفت النظر ان اثيوبيا التي تبني سد النهضه الذي يقلق مصر، اعتبرت بين الاصدقاء.

قائمه اعداء مصر اكتسبت اهميه خاصه لسبب جوهري هو ان اسرائيل احتلت المركز الاول بجداره، اذ حصدت ٨٨ نقطه. اما الولايات المتحده التي جاءت في المرتبه الثانيه فكانت نسبه عدائها اقل، اذ حصلت علي ٣٧ نقطه وبعدهما ايران (٣٦ نقطه) ثم تركيا (٣٤ نقطه) وقطر (٣١ نقطه).

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل