المحتوى الرئيسى

كيف انهار العالم فوق رأس فولكس فاجن؟! - ساسة بوست

10/03 15:08

منذ 1 دقيقه، 3 اكتوبر,2015

يمكنني ان اؤكد لك التالي؛ (تويوتا) هي التجسيد المثالي لمفهوم الامبراطوريه الصناعيه، 338,875 عاملًا وموظفًا في مختلف انحاء العالم، في المركز الثامن علي قائمه فوربس لاغني العلامات التجارية العالميه بقيمه تبلغ (239) مليار دولار، في يوليو من العام 2012 اعلنت المجموعه عن انتاج سيارتها رقم (200 مليون) وهو رقم بالغ الضخامه لا تعلنه شركات السيارات كل يوم، لقد انفقت (تويوتا) عشرات الاعوام من العمل الدؤوب حتي تصل اليه، قبلها باربعه اعوام في 2008 تعدت (تويوتا) المجموعه الاسطوريه الامريكيه (جنرال موتورز) لتصبح الشركه الاكبر لانتاج السيارات علي سطح الأرض في انجاز شديد الاهميه، لقد هزمت الشركهُ اليابانيه العملاقَ الامريكي السابق واستفادت من مروره بازمته الماليه الشهيره وازاحته من علي قمه العالم اخيرًا حينها، وظل اللقب معها حتي جاءت زلازل اليابان والتسونامي في 2011 ليعيد (جنرال موتورز) للقمه، عام واحد فقط ثم استردتها (تويوتا) مره اخري بسهوله، من الذي يمكن ان يوقف كيانًا كهذا؟!

حسنًا، الاجابه لدي مجموعه اخري في بلد ثالث، لدي فولكس فاجن في المانيا.

في نفس العام (2012) الذي استمرت فيه سيطره العملاق الياباني قررت مجموعه (فولكس فاجن) الالمانيه ان هدف السنوات القادمات هو ازاحه (تويوتا) من علي العرش، وحددت زمنًا تقديريًا للوصول للهدف هو عام (2018)، فولكس التي تمتلك سياره من كل اربع سيارات في اوروبا بالكامل، في الثامن والعشرين من يوليو لعامنا الحالي تناقل العالم الخبر المدهش، لقد فعلتها (فولكس فاجن) وازاحت العملاق الياباني للمره الاولي تاريخيًا واحتلت قمه عالم السيارات بمبيعات بلغت 5,04 مليون سياره في النصف الاول من 2015 بين (يناير/ يونيو) مقابل 5.02 مليون سياره في نفس الفتره لـ(تويوتا)، هدف تحقق في ثلاث سنوات فقط لتختصر المجموعه الالمانيه نصف المده المحدده لتخطي (تويوتا) بالكامل، وعلي الرغم من ان الارقام غير ثابته ولها ظروفها الخاصه مثل (تزايد مبيعات الصين واوروبا الغربيه) وفي نفس الوقت مهدده باخطار التاخر في تسليم حصص الصين مع امكانيه تفوق (تويوتا) اخر العام، علي الرغم من كل ذلك الا ان (مارتن فينتركورن) رئيس مجلس الاداره التنفيذي لم تكن لديه مشكله مع الاستمتاع بهذا الانجاز حاليًا ثم مناقشه التفاصيل فيما بعد وهو حق اصيل لاي شخص في مكانه، لكن العالم ليس بهذا العطف بكل تاكيد، بعد قليل سيعاني مارتن ومعه فولكس فاجن كلها من ابشع كوابيسهم التجاريه!

بالرغم من شيوع ان فضيحه العملاق الالماني كانت علي يد وكاله حمايه البيئه الامريكيه ذائعه الصيت والمعروفه اختصارًا بـ (EPA) – احدي اكبر منظمات البيئه العالميه نفوذًا – فان الفضل هذه المره لا يرجع الي سيفها الشهير وانما الي مجموعه صغيره من الباحثين وطلبه الجامعه يراسهم شخص يدعي (دان كاردر)، الشخص الذي سيصبح حديث العالم في يوم وليله، والذي يشغل منصب المدير المؤقت لمركز ابحاث الوقود البديل والانبعاثات والمحركات المعروف اختصارًا بـ (CAFEE) التابع لجامعه غرب فرجينيا، هذه المجموعه قامت باجراء اختبارات دقيقه علي سيارتين من سيارات فولكس فاجن العامله بمحركات الديزل الخفيف لقياس انبعاثات الغاز ووجدت ان احداهما يصدر منها انبعاثات اوكسيد نيتروجين “احد اكثر الغازات السته الملوثه للهواء” بمعدل يقترب من 20 ضعفًا والاخري تصدر انبعاثات تقدر بـ 35 ضعفًا تقريبًا.

بدا كل شيء قبل ثمانيه عشر شهرًا حيث قرر المجلس الدولي للنقل النظيف (ICCT) اطلاق طلب تنافسي بين مراكز الابحاث لاجراء دراسه دقيقه علي انبعاثات الغازات الملوثه للبيئه من مركبات الديزل العاديه في اسواق الولايات المتحده وقياسها، بعد منافسه سريعه استقر اختيار الـ (ICCT) علي مركز ابحاث الوقود (CAFEE) ليقوم بها، يقول “دان” ان سوق الولايات المتحده محدود بالنسبه لمركبات الديزل الخفيفه وليس هناك علامات تجاريه كثيره، لذلك عندما تم الاختيار العشوائي انحصر بين ثلاث شركات هم (مرسيدس/ BMW/ فولكس فاجن) لاجراء الدراسه عليهم، ثم اصبحت المجموعه الالمانيه هي الوحيده التي فشلت في الاختبار.

ما حدث ان الشركه استخدمت برنامجًا يدعي (Defeat Devices) او “هزيمه الاجهزه”، ما يقوم به هذا البرنامج هو تحديد ان كانت السياره في وضع الاختبار ام تسير علي الطريق بالفعل بناءً علي مدخلات معينه، مثل وضعيه عجله القياده وسرعه السياره ومعدل دوران المحرك واشاره نظام تحديد الاقمار الصناعيه لثبات وسكون السياره وغيرها، وعندما يلتقط هذه المدخلات يدخل السياره في وضع الاختبار الذي يعطي انبعاثات غازات طبيعيه وقانونيه، لكن علي الطريق تقوم السيارات بانتاج 10: 40 ضعفَ ما تنتجه في وضع الاختبار هذا، البرنامج الذي اكتشفه فريق الـ(CAFEE) بعد ان اختبروا السيارتين في حالتين، في المختبر ثم علي ثلاثه طرق بطول الساحل الامريكي الشرقي في ظروف شديده الاختلاف ليقارنوا النتائج فيما بعد ويجدوها مختلفه تمام الاختلاف، بعد ذلك كانت البيانات الناتجه بمثابه اشارات ساطعه فتحت اعين مجلس موارد هواء كاليفورنيا (CARB) ووكاله حمايه البيئه (EPA) ليبدؤوا – بحسب “دان” – تحقيقاتهم الخاصه التي استغرقت ثمانيه عشر شهرًا (من اوائل 2014 وحتي سبتمبر من العام الحالي) ليستطيعوا في النهايه اجبار المجموعه الالمانيه علي الاعتراف بالتلاعب بالمعايير البيئيه والغش التجاري بادله شديده الصلابه.

عندما وجه “ستيف كاناني” مراسل برنامج شبكه الـ ABC الشهير (Late Line) سؤاله الي “دان” عن توقعه الشخصي بان بيانات فريقه حين تسليمها ستفضي الي هذه الفضيحه العالميه؛ اجاب بسرعه (قطعًا لا) معللًا الامر بان زياده الانبعاثات ليست المره الاولي التي يرونها اثناء اختبار شامل، يكمل “دان” بان ما يحدث هو التواصل مع الشركه المصنعه التي تقوم في المعتاد بمراجعه دقيقه بالتنسيق مع وكاله حمايه البيئه وتسحب وديًا السيارات التي بها عيب تصنيع لتعديلها مع مراجعه دقيقه لكل شيء قبل اغلاق الامر بعد اصلاحه، وهو السيناريو التقليدي الذي لم يحدث هنا لضخامه ما فعلته فولكس فاجن.

(2) كيف انهار العالم بالنسبه للعملاق الالماني؟!

بدايه، في العالم احد عشر مليون سياره وقود نظيف تحمل علامه فولكس فاجن التجاريه او تحت عباءتها، وجميعها تعمل بالديزل الخفيف ومتلاعب بها، هذا الرقم معناه كم ضخم من تكاليف سحب السيارات من الاسواق وتعديلها ومن ثم اطلاقها مره اخري، ومعناه ايضًا مبالغ تعويض عاليه في الدعاوي المدنيه التي ستقام علي الشركه، كل ذلك بجانب مشكله الشركه الرئيسيه مع عقوبات وكاله حمايه البيئه المنتظره عليها، حيث يقدر وجود 482 الف سياره للعملاق الالماني في الولايات المتحده مع غرامات تقديريه قد تصل الي سبعه وثلاثين الف دولار ونصف لكل سياره وهو ما معناه غرامه اجماليه قدرها ثمانيه عشر مليار دولار، رقم علي يمينه الكثير من الاصفار.

في البدء كانت الامور محدوده بالولايات المتحده فقط، لكن مع اتساع حجم التغطيه الاعلاميه وتحول الامر من (مشكله امريكيه) الي (فضيحه عالميه) اصبحت الامور في غايه الصعوبه علي الشركه الام. تصريحات متواليه من وزير النقل الالماني “الكسندر دوبرنيت” الذي قالت انجيلا ميركل انه علي اتصال وثيق بالمجموعه ومن ثم اجري لقاءً عاجلًا مع الرئيس التنفيذي (مارتن فينتركورن) قبل عشره ايام من الان، انجيلا (المستشاره الالمانيه) التي خرجت بنفسها لتطالب فولكس فاجن بتوضيحات سريعه وشفافيه كامله لشرح كل شيء، ثم امرت حكومه كوريا الجنوبيه باجراء اختبارات علي سيارات المجموعه فيها بالتزامن مع مطالبه وزير الاقتصاد الالماني (سيجمار جابرييل) بنفس ما طلبته ميركل مع تخوفات شديده من تاثير ما حدث علي سمعه الصناعه الالمانيه العالميه، خصوصًا ان قطاع صناعة السيارات الالماني من الاكبر علي مستوي العالم حيث ترتبط وظيفه من كل سبع وظائف في المانيا بالقطاع بشكل او باخر، ومبيعاته السنويه تقدر بـ430 مليار دولار ممثلًا 14% من الناتج المحلي الاجمالي لالمانيا، وانضمت فرنسا وايطاليا الي قائمه الغاضبين الذين فتحوا تحقيقات محليه واسعه علي الشركه صاحبه النصيب الاكبر في السوق الاوروبيه مع مطالبات باطلاق تحقيق اوروبي شامل، وهو الامر الذي علقت عليه المفوضيه الاوروبيه بانه (سابق لاوانه)!

بعد ذلك وكتداعٍ طبيعي اتت مرحله خسائر الاسهم، افتتاحيه صباح الاثنين الحادي والعشرين من سبتمبر حملت عاصفه من الخساره تقدر بـ16 ونصف مليار دولار من اسهم فولكس في البورصه الالمانيه، الخساره هنا لم تمس المجموعه فقط وانما طالت قطر وتحديدًا (صندوق الثروه السيادي القطري) والذي خسر – بحسب تقرير لبلومبيرج – 5.9 مليار دولار في انهيار اسهم المجموعه في البورصه، والخساره هنا لانه يمتلك 17% من اسهم فولكس فاجن العاديه اضافه الي 13% من الاسهم المميزه، ثم اعلنت المجموعه لمساهميها وحاملي الاسهم سحب سلفه مقدارها 6.5 مليار يورو لمواجهه تكاليف معالجه الاضرار الناتجه عما حدث علي ان ترد في توزيع الارباح السنوي بعد تدارك الامور.

ما اكده “دان” مدير مركز الوقود البديل باعلي صحيح، فولكس كانت تعلم بالفعل ووصلتها البيانات وطلبات الفحص والتحقيق من وكاله حمايه البيئه في مايو من العام الماضي اي قبل سته عشر شهرًا، لكن المجموعه حينها اكتفت بردود روتينيه مع سحب بعض السيارات لفحصها، وعندما اندلعت الازمه تاسف الرئيس التنفيذي (فينتركورن) كثيرًا لكنه اصر علي عدم الاستقاله، وهو ما تغير تمامًا بعد ثمانيه واربعين ساعه فقط من الخسائر والضربات المتواليه علي راس المجموعه التي يراسها.

عندما تتزايد الضغوط علي المجموعات الصناعيه العملاقه فان الاسلوب الامثل لتجنب الضربات المتتاليه هو استباق الاحداث واستعمال تكتيك مبادر، به من التضحيه الكثير، اسلوب تنصح به اي شركه استشاريه لتحجيم المخاطر وهو ما فعلته فولكس بالفعل بعدما بدات مطارق التحقيقات الحكوميه في العديد من الدول في ضرب الجدران القانونيه لها، حيث خرجت في بيان لها – صرح به فينتركورن بنفسه – لتعترف انها وضعت البرمجيات الخبيثه في احد عشر مليون سياره لتكون هي بنفسها مصدر الرقم الذي ذكرناه باعلي، ثم اعلنت تشكيل مجموعه خاصه ستقود تحقيقًا داخليًا صارمًا لتعرف من المسئول عما حدث، عمليه طالت بالفعل رؤوسًا في الشركه في مقدمتهم فينتركورن بنفسه، الذي اجبر علي الاستقاله والاعتراف بالخطا علانيه وتحمل مسئوليته بعدما كان يتوقع ان يصوت لصالحه في اجتماع مجلس الاداره القادم للبقاء في منصب المدير التنفيذي حتي عام 2018، منصب هو احد اقوي المناصب التنفيذيه في اوروبا وياتي بمرتب سنوي وبدلات ولاء وعمولات تقدر اجماليها بـ16 مليون يورو، ثم فتح المدعي العام الالماني تحقيقًا جنائيًا معه لتكتمل بوتقه مشكلاته التي لا يبدو انه سيخرج منها عن قريب.

بعد ذلك اتي الدور علي المدير التنفيذي لمجموعه فولكس في امريكا الشماليه (مايكل هورن)، الخطوه الاولي له كانت وقوفه علي مسرح مستودع كبير في ساحه البحريه بـ (بروكلين) في احتفال من المفترض له ان يكون لاعلان وعرض الجيل الجديد من سياره باسات 2016، لكنه تحول بشكل ما لبيان بلا تفاصيل واعتذار علني وتوضيح لما حدث من قبل (مايكل) الذي اعتذر ثم قال نصًا انهم (اخفقوا وفشلوا تمامًا وخدعوا وكاله الحمايه البيئيه الامريكيه وتلاعبوا وغشوا وكانوا غير امناء معها)، لكن ذلك لم يكن كافيًا لانقاذ راس (مايكل) الذي تمت اقالته بالفعل لتكون الهزه الاعنف في تاريخ المجموعه الاداري، هزه وعدت بها اللجنه الفرعيه المنبثقه عن مجلس الاداره والتي اسندت لها مهمه تغيير الخط التنفيذي والاداري للعملاق الالماني.

بعد ذلك تم تعيين (ماتياس مولر) رئيس بورش “احدي علامات فولكس فاجن” في منصب مدير المجموعه التنفيذي بدلًا من فينتركورن، ماتياس الذي كان من المخطط له قبل هذه اللحظه باشهر ان يقود المجموعه بدلًا من فينتركورن في اطار صراع داخلي قاده رئيس المجموعه السابق (فيردناند بيش)، والذي تمتلك عائلته الحصه الاكبر من اسهم فولكس، لكن فيردناند خسر معركته امام فينتركورن الذي حظي بثقه المجلس حينها قبل ان تحدث الكارثه، لتعطي مولر وبيش ما يرغبان به منذ البدايه، اما مجموعه امريكا الشماليه فقد تم تعيين رئيس سكودا السابق – احدي علامات فولكس ايضًا –  (وينفريد فالاند) مديرًا تنفيذيًا لها.

ما يثير الاهتمام ان هذه التعيينات تبدو من بعيد للناظر غير المدقق تغييرات شامله قامت بها الشركه الام لهيكله الوضع الاداري المهترئ، لكن التدقيق يكشف ان ما حدث هو عباره عن لعبه كراسي موسيقيه لا اكثر، فبورش وسكودا متورطتان في نفس الفضيحه، وعلي حد تعبير دي لورنزو – احد محللي الـKBB – فان مولر بالذات هو جزء اساسي من الهيكل الاداري للمجموعه وبداخلها من زمن طويل، وتساءل لورنزو ان كان مجلس اداره فولكس يستمع للانتقادات حيث يزعم انهم لا ياخذون التغييرات الهيكليه علي محمل الجد.

لا تبدو الامور سهله علي قطاع السيارات باكمله، فابسط ما حدث هو ان كل السيارات التي تعمل بالديزل وضعت تحت المجهر بلا اي استثناءات، علامات تجاريه عملاقه مثل (مرسيدس/ BMW/ كرايسلر/ لاند روفر/ GM) كلها تخضع الان لتحقيقات وفحوصات دقيقه من قبل وكاله حمايه البيئه الامريكيه للتاكد من ان مركباتها العامله بالديزل لا تصدر انبعاثات اعلي من الحد القانوني المسموح به، فضلًا عن ان مرسيدس بنز فقدت 5% من قيمه علامتها التجاريه مع اولي ساعات الاعلان عما حدث.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل