المحتوى الرئيسى

مستقبل اتفاق سلام جنوب السودان

09/29 16:42

لم تمض سوي ساعات قليله، بعد توقيع رئيس جنوب السودان سلفا كير علي اتفاق السلام في جوبا يوم 27 اغسطس الماضي، حتي اتهم زعيم المتمردين رياك مشار قوات الحكومه بخرق وقف إطلاق النار. كان كير قد وقع علي اتفاق السلام بعد ان هدد المجتمع الدولي بفرض عقوبات علي حكومته اذا لم تنضم للاتفاق. لكن كير اثار عند توقيعه علي الاتفاق، بحضور بعض قادة دول المنطقه، العديد من التحفظات علي وثيقه اتفاق السلام وقد جاءت تحفظاته- حسب موقع فورن بولسي- في 12 صفحه وشملت بنوداً كثيره.

البدايه غير مشجعه؛ خصوصاً وان لجنوب السودان تاريخاً طويلاً من نقض اتفاقيات المصالحه وحيث فشل، قبل الاتفاق الاخير، ما لا يقل عن 7 اتفاق وقف نار منذ ان اندلعت الحرب الأهلية الحاليه في 15 ديسمبر 2013.

الحرب الاهليه: دمار وخيبه امل

في15 ديسمبر 2013 اتهم الرئيس سلفا كير، الذي ينتمي لقبيله الدينكا اكبر قبائل البلاد، نائبه السابق رياك مشار، المنتمي للنوير القبيله الثانيه من ناحيه العدد، بالتخطيط لتنفيذ انقلاب لتنطلق في نفس اليوم اول شراره لحرب أهليه مدمره. في ذلك اليوم الاول حاول الدينكا في الحرس الرئاسي تجريد زملائهم النوير من اسلحتهم، وقاموا لاحقاً بقتل العديد من المنتمين لهذه القبيله في العاصمه جوبا بمن في ذلك الاطفال والنساء. رد النوير بالمثل في مناطق اخري. راح ضحيه للاقتال بين الفريقين المتحاربين، خلال 20 شهراً، عشرات الالاف من القتلي وشُرد من ديارهم اكثر من 2 مليون شخص لجا بعضهم الي الدول المجاوره. بسبب الحرب الاهليه يتهدد الجوع ملايين الاشخاص الان كما انتشرت بسببها الحرب الكثير من الامراض الخطيره مثل الكوليرا وسوء التغذيه. شملت الفظائع التي ارتكبها الطرفان بجانب القتل، التعذيب، والاغتصاب، ونهب الممتلكات، وحرق المنازل وتشريد السكان. اصابت الحرب الاهليه شعب جنوب السودان واصدقاءه بخيبه امل كبيره؛ حيث كان يتوقع ان تنهي الدوله الوليده الغنيه بالنفط معاناه الجنوبيين التي دامت لخمسه عقود.

تعود الجذور السياسيه للصراع الحالي في جنوب السودان الي مرحله الحرب الاهليه ( 1983- 2005) عندما انفصل مشار، مع شخصيات قياديه اخري من الحركة الشعبية لتحرير السودان في 1991 بسبب الخلاف مع جون قرنق قائد الحركه التارخي علي طريقه ادراته لها، وشكل ما عُرف باسم مجموعه الناصر. مع ان قيادات تنتمي لمجموعات عرقيه اخري خرجت من الحركه مع مشار لكن قبيله مشار ( النوير) كانت تشكل العمود الفقري للتنظيم الذي تم تشكيله عقب الانفصال. خاض المنشقون معارك عديده ضد الحركه الشعبيه لتحرير السودان ودار قتال عنيف؛ علي وجه الخصوص بين الدينكا والنوير وقد اُتهمت مليشيات تعرف باسم الجيش الابيض وتتبع للاخيره بارتكاب مجزره ضد الدينكا في بلده بور راح ضحيتها 2.000 شخصاً.

في 1997 عقد مشار اتفاق سلام مع الحكومه في الشمال لكنه انفصل عنها وعاد مره اخري للحركه الشعبيه في 2002 ويقال ان ذلك تم بوساطه امريكيه واوربيه في اطار ترتيب البيت الجنوبي تمهيداً لمفاوضات السلام مع الحكومه. تقلد مشار بعد عودته للحركه الشعبيه منصباً قيادياً كبيراً وصار بعد موت جون قرنق في يوليو 2005 الرجل الثاني فيها وفي حكومه الجنوب الاقليميه ثم نائب للرئيس بعد الاستقلال. لكن الرجل الذي قرر في يوم من الايام منافسه جون قرنق علي قياده الحركه الشعبيه، بكل ما عرف عن الاخير من كاريزما ومهارات عاليه وجماهيريه طاغيه وسط الجنوبيين، ما كان ليرضي بقياده سلفا كير الاقل قدرات وديناميكيه. وصل الصراع بين الرجلين الي ذروته باقاله كير لنائبه مشار من منصبه في يوليو 2013.

لم تتبن الحركه الشعبيه استراتيجيه واضحه بالنسبه لمستقبل الجنوب ابان نضالها ضد الحكومه المركزيه في الشمال لذا لم تسع لخلق هويه مشتركه للجنوبيين ولم تتبن برنامج للتغيير الاجتماعي وتدرب كوادرها عليه ( مما كان سيخلق لديهم شعوراً بالمسوؤليه تجاه مواطنيهم) بل استثمرت في مظالم الهويه والسلطه في السودان ككل او كان هذا علي الاقل هو موضوع دعايتها وخطابها السياسي. بموت جون قرنق انعدم تماماً اي احتمال للوحده بين الجنوب والشمال، لكن التجربه اثبتت لاحقاً ان الذي مات مع قرنق لم يكن خيار الوحده فقط انما ايضاً فرصه تمتين تماسك التحالف القبلي الفضفاض الذي بناه الرجل ابان قتاله ضد الشمال بما في ذلك الوضع الداخلي في الحركه الشعبيه وجيشها الشعبي.

مثلت الحرب الاهليه تحدياً للمجتمع الدولي، وللولايات المتحده اكثر من غيرها كونها دعمت استقلال جنوب السودان بشده و يعتبر الحزبان الجمهوري والديمقراطي ( تم التوصل لاتفاقية السلام الشامل في 2005 بتدخل مباشر من اداره بوش والاستقلال في 9 يوليو 2011 بدعم كبير من اداره اوباما) ميلاد هذا البلد احد اهم انجازاتهما في افريقيا.

بذل ت دول الاقليم والمجتمع الدولي الكثير من الجهود لايقاف الحرب وتحقيق السلام. تبنت منظمه الايقاد التي تضم 8 من دول شرق افريقيا بما فيها جنوب السودان، الوساطه بين الطرفين وعندما تعثرت هذه الوساطه تم دعمها باطراف اخري؛ من افريقيا تم ضم الجزائر، تشاد، نيجيريا، جنوب أفريقيا ورواند وعلي المستوي العالمي ضُمت دول الترويكا ( الولايات المتحده، بريطانيا والنرويج)، الصين، الامم المتحده والاتحاد الاوربي. رمت الولايات المتحده بثقلها خلف جهود الوساطه واجتمع الرئيس اوباما ابان زيارته لاديس اببا في يوليو الماضي برئيسي كينيا ويوغندا، وورئيس وزراء اثيوبيا ووزير خارجيه السودان للضغط علي طرفي الصراع من اجل التوصل لاتفاق سلام بحلول يوم 17 اغسطس.

بينما وقع رياك مشار زعيم المتمردين وباقان اموم الامين العام القديم - الجديد للحركه الشعبيه ( ممثلاً لمجموعه العشره الذين اعتقلوا في بدايه الاحداث في ديسمبر 2013 واطلق سراحهم لاحقا، اُعيد باقان الي منصبه كامين عام للحركه في يوينو) في اديس يوم 17 اغسطس الذي حدده الوسطاء كموعد اخير للتوصل الي اتفاق، وقع كير في جوبا بعد ذلك بعشره ايام مع ابداء الكثير من التحفظات.

حسب اتفاق السلام سيستعيد زعيم المتمردين مشار منصبه كنائب للرئيس وسيعطي فصيله 15% من السلطه في 7 من الولايات التي كانت الحكومه تسيطر عليها بنسبه 100% والولايات هي: واراب، البحيرات، غرب بحر العزال، شمال بحر الغزال وولايات الاستوائيه الثلاث. ويعطي الاتفاق 40% من السلطه في الولايات الثلاث المتبقيه وهي اعالي النيل، والوحده وجونقلي للمعارضه المسلحه بينما خُصصت 46% للحكومه وقسمت الـ 14% الباقيه مناصفه بين مجموعه المعتقلين السابقين والاحزاب المعارضه الاخري. واُعطيت سلطه تعيين حاكمي ولايتي اعالي النيل والوحده ( يوجد بهما النفط) للمعارضه المسلحه. اما علي المستوي القومي فسيكون 53% من السلطه للحكومه بينما ستنال المعارضه المسلحه 33% والنسبه المتبقيه البالغه 14% تقسم مناصفه بين مجموعه المعتقلين السياسيين والاحزاب المعارضه الاخري. تضمنت الوساطه ايضاً اعطاء المعارضه مقاعد اضافيه في البرلمان القومي. ووفقاً للاتفاق ستكون العاصمه جوبا منزوعه السلاح وتحت المسؤوليه الامنيه لقوات من دول الايقاد وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الموجوده اصلاً في جنوب السودان. ستستمر الفتره الانتقاليه لــ 30 شهراً تعقبها انتخابات عامه.

بالنظر الي تاريخ الصراع في هذا البلد وطبيعه تكوينه الاثني وضعف مؤسساته الوطنيه وانتشار الفساد فيه ووقوعه في اقليم مضطرب، يتوقع ان يواجه الاتفاق مصاعباً عديده. اول المؤشرات علي تلك المصاعب انشقاق جنرالين عن مشار واعلانهما رفضهما الاتفاق. وقد يكون الاخطر من ذلك، التحفظات التي ابداها سلفا كير وهي غالباً ما جاءت تحت ضغوط جنرلاته ورجال المليشيا من قبيلته الذين جاءوا من منطقته في بحر الغزال للقتال بجانبه.

من المهم ان يستمر الوسطاء في مراقبه التزام الطرفين بتطبيق الاتفاق وان يستمروا في التلويح بالعقوبات لمنع خرقه من اي طرف، فكما يتضح من تجربه التوصل الي اتفاق السلام، لعب التلويح بالعقوبات الدور الحاسم في اقناع الاطراف علي التوقيع اكثر مما فعل الشعور بالمسؤوليه تجاه شعب جنوب السودان. علي المجتمع الدولي الاضطلاع بمهام اخري بجانب مراقبه الالتزام بالاتفاق اذا اراد ضمان تحقيق السلام والاستقرار في هذا البلد. يجب ان يتبني المجتمع الدولي عمليه اعاده اعمار واسعه تشتمل علي مشاريع تنميه واسعه بما يخفف من التوترات الاجتماعيه ويوفر فرص عمل للشباب، وان يسهم في تطوير قطاع التعليم والتدريب، وفي بناء المؤسسات الضروريه لايه دوله حديثه بما في ذلك مؤسسات الرقابه الحكوميه والشعبيه ومنظمات حقوق الانسان.

ومن المهم فك الارتباط بين جنوب السودان وصراعات دول المنطقه. لا تكفي فقط مراقبه سلوك الجيران لا بد ايضاً من ضمان عدم تدخل جنوب السودان في شؤونهم وحل ايه مشاكل معهم بالطرق السلميه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل