المحتوى الرئيسى

يلماز غوني .. مخرج خلف القضبان

09/28 17:28

اسطنبول ـ «سينماتوغراف»: يوسف شيخو

ذات يوم كان ثمه فيلم للمخرج التركي عاطف يلماز يجب البدء في تصويره؛ وتخلف بطله عن الحضور في موعده الاول للتصوير، وهو ما اثار غضب يلماز في وقتها، حيث التفت الي مساعده قائلاً: «ساؤدب هذا الممثل الذي يعتقد نفسه شيئاً.. ستقوم انت بدور بالبطوله». اعتقد الجميع انه يمزح. لكنه كان جاداً، وعهد الي مساعده بدور البطوله. وكانت المفاجاه ان الجمهور احب الفيلم، لتنهال علي الممثل الشاب رسائل الاعجاب والعروض. كان يلماز غوني هو ذاك الشاب، المتخرج حديثاً من كليه الحقوق والاقتصاد، ولم يكن، في حينها، معروفاً كمناضل (كردي – يساري)، وهي الامور التي فتحت له ابواب السجون لاحقاً، بالرغم من وصوله الي قمه النجوميه في بلاده، وذاع سيطه في عواصم السينما العالميه.

يعد غوني واحداً من بين اكثر الاسماء الادبيه والفنيه ملاحقه واعتقالاً من قبل السلطات الرسميه، حيث امضي في السجن حوالي 11 عاماً، خلال فترات متفرقه. لكن لم يمنعه ذلك من متابعه عمله، ان كان في الكتابه القصصيه والروائيه، او في النشاط السينمائي. ولعب اكثر من مئه دور خلال اقل من عقدين، وحقق طوال مساره كمخرج نحو ٢٢ فيلماً، (اخرج ثلاثه منها وهو في السجن)، نال معها نحو 17 جائزه، من بينها السعفه الذهبيه من مهرجان «كان» السينمائي عن فيلمه «الطريق» (YOL). كذلك نشر مئات القصص القصيره وله اربع روايات، من بينها «الاعناق المنحنيه» او «ماتوا ورؤوسهم منحنيه»، التي حازت علي جائزه «اورهان كمال» في العام 1970، وهي ارفع جائزه ادبيه في تركيا. كما نشرت له روايه «صالبا»، التي رشّحت لقائمه الفوز بجائزه «نوبل» للادب.

وجد غوني الشاب نفسه مناضلاَ في صفوف «الجناح الاكثر تطرفاً في الحزب الشيوعي التركي». وفي حينها ازداد ارتباطه بالكاتب المعروف يشار كمال، وهو من غلاه المناضلين اليساريين. وهنا تفيد الاشاره الي ان غوني لم يكن راضياً عن معظم الافلام التي كان يمثل فيها، معتبراً اياها «تستلب الشعب اكثر واكثر وتعطيه وعياً مزيفاً»، فيما كان يخوض نضالاً سياسياً عنيفاً في بلد يحظر فيه اي انتماء يساري، كما بدات هويته الكرديه تبرز الي العلن، من دون ان يتمكن من التعبير عنها بشكل مباشر في اي من ادواره العديده.

اصبح غوني خلال فتره قياسيه واحداً من السينمائيين الاكثر حضوراً في السينما الاوروبيه، وذلك بفضل افلام تقول الحكايه انه ادار اخراج الافضل من بينها وهو في السجن، حيث كان مساعده زكي اوكتان او صديقه شريف غوران، ينفذان الخطوات الاخراجيه التي يرسمها هو لسيناريوات كتبها بنفسه وهو قابع في زنزانته. اذ كان اوكتان وغوران يعدان الممثلين ومواقع التصوير، وهو في الداخل يحدد الحركات والعلاقات والحوارات وموقع الكاميرا. وتكررت هذه التجربه مرات عده. اذ ادار فيلمي «الامل» و «القطيع» من السجن، كما اخرج فيلمه «الطريق» من سجن (توب تاشه)، بالتعاون مع شريف غوران. وكانت جميع افلامه تحقق نجاحات في شباك التذاكر. في حين كتب روايه «ماتوا ورؤوسهم انحني» عن الفلاحين الفقراء في جنوب تركيا، وهو في السجن. واللافت ان اصدقاء غوني كانوا يهربون افلامه الي خارج البلاد لتعرض في المهرجانات وتثير ضجه من حول مخرجها الذي تحول الي “اسطوره حيه”، وصار واحداً من السينمائيين المرموقين في العالم.

حين استدعي غوني الي الخدمه العسكري في العام 1968، وخدم في «سريه الجزاء»، لم يمنح رتبه ضابط، بالرغم من حصوله علي الشهاده الثانويّه التي كانت تخوّله لتلك الرتبه (اتم دراسه الثانويه في ثانويه البنين بولايه اضنه العام 1956). وذلك بسبب وجود احكام بالسجن بحقه. ذاك السجن الذي سيساق اليه مرتين اخريين؛ ففي اذار العام 1972 سيسجن بتهمه «التحريض ومساعده الفوضوييّن»، ويحكم بسجنه سبعه اعوام من الاشغال الشاقه. ولكن سيطلق سراحه في عام 1974 لصدور عفو عام. ولم يمض علي اطلاق سراحه سوي مائه وعشرين يوماً، حتي سجن للمره الثالثه في ايلول 1974، بعد تلفيق تهمه قتل قاضي يميني خلال عمليه سطو مسلح، وحكم بالسجن لمده تسعه عشر عاماً. ورغم انّ القاتل الحقيقيّ اعترف بجريمته، مع «عشرات الشهود، الا انّ المحكمه اصرّت علي تلفيق التهمه لغوني»، ويقال ان ذلك جري «بضغوط من شخصيّات لها وزنها الماليّ والاعلاميّ والقومي في البلاد».

في عام 1981، هرب من السجن خلال «اجازه مراقبه»، ومن تركيا الي اليونان، ثم استقر في فرنسا. وفي حينها، جردته الحكومه التركيه من الجنسيه، وحكمت عليه المحاكم التركيه باكثر من 22 سنه سجن بتهم سياسيه. ويقول يلماز غوني انه هرب من السجن بتسهيل من السلطات التي ارادت ان يفر من البلاد الي المنفي، في فرنسا، حيث خطف سعفه «كان» عن «الطريق» في العام 1982، ومن ثم انجز فيلمه الاخير «الجدار  ـ Duvar» في العام 1983، الذي يتحدث عن واقع السجون التركيه عبر خلاله عن المواقع المزري هناك عبر تصوير اعمال شغب جرت في احد السجون.

توفي يلماز غوني في ايلول 1984، ودفن جثمانه في مقبره «بير لاشيز» بباريس. ولعلّ من المفيد ايراد المقارنه التي يجريها البعض بين غوني، ومعاصره السينمائي والشاعر الايطالي بيير باولو بازوليني، من حيث اوجه التشابه في السيره الذاتيه. حيث ناضلا كناشطين يساريين في ظل سلطات عسكريه فاشيه. كما عانا من ذاك الموقف الايديولوجي العام ضدهما، غوني في اعتباره كرديا، وبازوليني في كونه مثلياً. اعتمد الفنانان اسلوب الواقعيه الايطاليه وركزا علي الفئات المضطهده والفقيره في الارياف. وتوفيا في سن مبكره (غوني 47 عاماً – بازوليني 53 عاماً)، وهما في اوج الشهره.

– ابراهيم العريس، السينما والتاريخ العالم، سلسله الفن السابع، وزاره الثقافه السوريه 2008.

– نيويورك تايمز، وفاه المخرج السينمائي التركي يلماز غوني، 1984.

– بينديتون دافيد، يلماز غوني: من «ملك قبيح» لشاعر يائس، ارشيف جامعه هارفرد.

– عارف حمزه، العرب اللندنيه، «الكردي يلماز غوني..الفن وحده رسولا لقضايا الشعوب»، 2014.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل