المحتوى الرئيسى

سامي نجم يكتب: ثرثرة افتراضية | ساسة بوست

09/28 14:33

منذ 5 دقائق، 28 سبتمبر,2015

قرات كتابا عن فلسفة الدين، كان يحلل رؤيه الاديان الكبري ـ من حيث عدد المؤمنين بها ـ للاله، وجاءت ترجمه المؤلف لكلمه الرب او الاله خاطئه تماما؛ كان يترجمها الي اسم الآلة الحق ـ جل وعلا ـ فقد كان يقول : (الله).

هو خطا شائع ـ عامه ـ بين المترجمين المسلمين، وفيهم من لا يعرف عن الاسلام غير شواطئه، بل بعض الكتاب بالعربيه اذا اراد ان يتحدث عن الاله او الرب في بعض ديانات البشر ذكر ذلك الاله المزعوم باسم الله، انهم يظنون كلمة الله مشترك لفظي كالاله يجتمع تحته كل تصورات وخزعبلات البشر التي افرزتها اوهامهم عن الاله.

ربما اراد بعضهم ان يلبس علي المسلمين تصورهم لكلمه الله – جل في علاه – وربما تعامل بعضهم مع الكلمه كاسم الجنس الذي يطلق علي كثير كالانسان والشجره ونحوهما، لا باس؛ فالحمد لله اني قارئ يقظ يدرك تماما ان الكتاب اخطر صديق!

ان لم يكن اخطر عدو: فهو يجمع ثرثره المؤلف واوهامه بجانب بعض علومه ومعارفه مع كثير من مزاجه الشخصي وتقلب احواله خلال ايام او شهور، وربما اعوام تسويده سطور وصفحات الكتاب، ومن ثم يخرجه لنا في صوره قشيبه جزله، ليروج بعدها ان الكتاب خير صديق، وافضل جليس وانيس.

ولا ادري من اين جاءوا بالتفرقه بين ثرثره رجل كهل ممل في مقهي كئيب عن خلاصه فكره وخبراته وبين سطور نفس الرجل التي جمعها سفرا، فان كان ثمه فارق فلابد انه يكمن في ان الاستماع لثرثرته يتطلب كوبا من الشاي معه في ذلك المقهي، بينما قراءه متفتقات فكره تتطلب ثمن عشره اكواب من الشاي علي الاقل.

وحتي هؤلاء الكهول الذين قضوا، ولم يعد من الممكن مجالستهم ومشاركتهم مائده الشاي تلك، فلابد انهم ثرثروا مع بعض افراد الجيل الاصغر، ومن ثم ثرثر هؤلاء الي من خلفهم حتي وصلتنا تلك الثرثره، فان الانسان كائن مثرثر، وثرثرته ذات طبيعه تراكميه.

ومع ذلك فان ثمه فارق اخر، الا وهو ان ثرثره الكهل تاتي عفويه غير منمّقه، ولا تحوي كثيرا من الاكاذيب والخبث، الا بالقدر الذي تسعفه فيه قريحته اللحظيه، بينما تاتي سطوره السوداء كعسل القصب اللزج، طعمها حلو، وفائدتها كبيره، ولكنها قد تخفي كثيرا مما لو اطلع عليه القارئ لمَجَّها مجًّا وبصقها بصقا.

كما ان ثرثرتهم تلك تاتي محمله بعاطفتهم اللحظيه ومزاجهم الاني، اذ ما ذنبي ان اقرا كتاب احدهم، وقد حمل بعض سطوره عاطفه نقمته علي المجتمع بعد يوم من معامله المرتشين او سفله الناس،

وحمل سطورا ثانيه عاطفه رحمته بالناس وقد اسدي احدهم اليه معروفا، وثالثه محمله حسدا، ورابعه انتقاما، وخامسه نزقا وشهوه، وهو في كل مره يفزع الي قلمه ليكمل كتابه، حتي يفرغ من تدوين ما اراده فيزياء او شعرا او فلسفه او رياضيات، ليخرج في النهايه سفرا نفسيا (سيكولوجيا)، تكفيني ثرثرته في حاله واحده فقط، ان خيرا فخيرا، والا انهيت كوب الشاي علي عجل وتعللت وانصرفت، ولم ابك اسفا علي ثمن السفر الذي اشتريته به ولم اقراه.

انا قطعا في ثرثرتي هذه ـ والمقال في ظني مجرد ثرثره، لا يرقي ان يكون عسلا يمكن دس السم فيه، ولا ينخدع به غير الساذج الغر ـ اذكر فقط ثرثره وسطور الكهول دون الشباب؛ اذ لا تعدو كلمات اولئك غير طنطنه لا تحمل خبره!

فقط ثوره اليقين الكاذب في معرفه تلقوها من مجله ـ (ما تزوقيني يا ماما) ـ صفراء في اصدارها الاليكتروني او المتلفز، او ربما اصدارها البطولي الناتج عن معركه الجدل البيزنطي السامر بين الاقران والندماء في جلسات استراحه لعبه محطه اللعب (بلاي استيشن) او لعبه ورق التخمين (استميشن).

او ربما في حلقه ذات دخان ازرق او ابيض يتخذ بعضهم فيه مقعد الاشتراكي ذي السيجاره النفاذه الرائحه والطويله طول الجلسه الحمقاء، والثاني مقعد الاسلامي ذي الحوقله والبسمله والتشدق والتفيهق، وثالث نفعي، ورابع ليبرالي، و اي اي اي، ليفرغ الجميع وقد بذروا في اجسادهم مرض ارتفاع ضغط الدم في شباب العشرين والثلاثين، ومؤهلات السكته القلبيه والدماغيه، وما شابه.

دعني الان ارجع من ثرثرتي تلك الي ثرثرتي الاولي عن الكتاب الذي قرات، وقد كتبه مؤلف سابق لكتاب عن الالحاد، فهو من هؤلاء الكتاب الذين خفشوا في ظلام عصر النسبيه والعدميه، لا يعرف يقينا غير الشك، ولا علما سوي اللا ادريه ما لم يكن المعلوم شيئا يحشو به مصيرَه ( ج: مُصران، امْصره، ومَصارين) او يظهر له اثره في حواسه الخمس.

انه يحلل قضيه الاله في الاسلام، المسيحيه، اليهوديه، الهندوكيه، البوذيه، متخذا وهما عدميا سبيله الي استخراج نتائج سفره العظيم: انه العدم ذلك الاله هو العدم، والانسان المتدين يهفو الي العدم، والفناء الصوفي بعض تلك العاطفه الجانحه الي العدم، والاديان الخمسه تتحدث ـ فيما يزعم المؤلف ـ عن فكره ان اللا وجود هو الوجود، بدرجات متفاوته طبعا  ـ وبحسب قوله ـ والاسلام اقل هذه الاديان التي برزت فيها تلك الحقيقه اللا وجوديه، وهو ما يعني ان عبد الموجود اكتشف فجاه انه عبد اللا موجود، او عبد العدم.

الانسان باحث ـ بحسب رؤيه المؤلف ـ عن العدم، منطلق اليه، وربما كنّا نحن العدم وهو الوجود، او بعباره صوفيه: ما في الجبه غير الله، فهو الوجود ونحن انعكاسه، او نحن الوجود من منظور والعدم من منظور ثان، وهو الوجود من منظور والعدم من منظور ثان، المهم ان الكاتب يتحدث عن فلسفه الظلمه والليل، والسرمديه السالبه.

وبغض النظر عن كل ما حواه السفر من كتب عن سالبيه الاله لكل ما نراه حولنا.

وبغض النظر عن مقتضي ذلك، اي: سلبه لكل جميل وحق وخير بجانب سلبه كل قبيح وباطل وشر، وبعيدا ايضا عن محتوي الكتاب الذي يجعل تصور انسان ذلك العصر، وهو المادي الغارق في عباده الدنيا وتقديس ما ظنه تطورا علميا كفل له ربوبيته وربما الوهيته علي كل ما في الارض، وربما العالم.

فبغض النظر عن توجيه تصور ذلك الانسان عن الاله الي انه نظير الموت والفناء والظلمه، تلك الصوره القاتمه التي لن يرضي بها غير دراويش المستبدين او المستفرغين كل ملذات الحياه والمشرفين علي الانتحار او اليائسين من تحصيل شيء من هذه الحياه المنتظرين خراب المعبد فوق رؤوسهم ورؤوس من يحسدونهم من المترفين، بعض النظر عن كل هذا، فان رساله خطيره تبثها سطور ذلك السفر!

انه يتحدث عن وجود الوهي معاكس للوجود الكوني، وهو ينسب ذلك الي الدين نفسه، ينسب الي الاديان الخمسه دعاوي الفلسفه في جانبها الميتافيزيقي عن وجودات ترانسندنتاليه مفارقه، ليس فقط، بل معاكسه للوجود الكوني؛ فان كان وجودنا موجبا كان وجوده سالبا، والعكس، ان كنّا وجودا كان عدما، وان كنّا عدما كان وجودا، ولكنا وجودًا بلا شك، هكذا سيقول ذلك الانسان المادي، الذي سيقرا هذا السفر كما يقرا القران وروايات الجيب وغيرها علي سبيل التثقف، وكل باطل لم تجد له تصنيفا في علوم الافاقين يمكنك ان تنسبه الي الثقافه، فان كنّا وجودا، فلا ريب ان الاله .. !

ان الكاتب يكذب علي الاديان، بل الاسلام خاصه ـ لن اجر للدفاع عن اديان غيره، فاما انها اديان بقي لها من يدافع عنها، واما انها اديان هجرها اصحابها الي دين (الليبرال) المتنور العظيم، مقدسين حريه السب العلني لكل دين يري الانسان عبدا لخالقه ـ وذلك حيث ينسب الكاتب للاسلام انه او بتصور عدمي عن الاله، تصور ظلماني، وذلك مخالف تماما لما ادركه المليارات من البشر الذين اعتنقوا الاسلام علي مر الزمان والذين فهموا ان الاله الحق الواحد وهو الله له مطلق صفات الكمال، فهو النور الكامل وما في الكون نور ناقص.

الله قدره كامله وما سواه ذو قدره ناقصه، علم كامل، اراده كامله، حي حياه كامله، سميع بصير متكلم، وهو مع ذلك فوق عرشه الذي خلقه وجعله محيطا بالسماوات والارض، احد قيوم اول اخر ليس كمثله شيء، وهو بعد له الاسماء الحسني الذي سمي بها نفسه عز وعلا.

نعم، اقول هذا ولا يخيفني ان اتهمتموني بالتجسيم، فلست مجسما ولا ماديا؛ اذ لا اعرف ما هو الجسم الذي تتحدثون عنه!

والا، فليخبرني احدهم وبعلمهم المزعوم عن تعريف محدد للماده والجسم، اهي الاسطقسات الاربع: الماء والتراب والنار والهواء، ام العناصر، او الذرات، او الـ(ما دون الذري)، ام الضوء حتي؟ وما الضوء هذا؟ وما ستجيبون به علي اهو الحقيقه ام مبلغ ما انتهت اليه تجاربكم يا من تؤمنون بالحس والمشاهده؟

ان ذلك المؤلف يكذب علي الاسلام، ويحاول ترويضه ليكون عونا لمخدوم البشريه اليوم والههم العلماني.

وذلك المترجم الذي لم يخجل من ترجمه كلمه الاله او الرب الي الاسم الاعظم ـ ان احسنت الظن به ـ جاهل بالاسلام، مع علمي بان ناقل الكفر ليس بكافر، ولكن ليست كل القضايا يمكن التزام الحياديه فيها، لاسيما والحياديه في العقيده اسمها في الاسلام نفاق، ووصفها مرض في القلب، وترجمه كتاب كذاك وطباعتها ضمن مشروع الدوله باموال المسلمين، وبيعه بسعر التكلفه تقريبا، مع غياب دراسه علميه رصينه مرفقه به تعد خيانه لعقيدة المسلمين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل