المحتوى الرئيسى

المدينة العتيقة بالقيروان التونسية.. تاريخ يشكو مخاطر العصر

09/28 00:20

المدينه التي تحوي معالم تاريخيه واسلاميه تشكو من مياه الصرف الصحي، ما جعلها تتهاوي وتتصدع، الي جانب اهمال المساكن وهجرها من قبل اصحابها، وتغيير البعض الاخر لشكلها وهندستها المعماريه

قالوا عنها انها "دره" التراث السياحي في تونس، ورمز حضارته الاسلاميه، ووصفوها بـ"ملهمه" الفنانين، لسحرها الخاص الذي تُجسده مساجدها التاريخيه وقبابها، وازقتها الملتويه، انها المدينة العتيقة، بمحافظه القيروان التونسيه، التي تصارع اليوم عده مخاطر، من اجل الحفاظ علي سحرها هذا.

المدينه العتيقه تتميز بتراثها الاسلامي، ومعالمها التاريخيه التي صنفتها "اليونسكو" عام 1988 ضمن التراث العالمي، وفي مقدمتها، جامع عقبة بن نافع (احد اقدم المساجد شمالي افريقيا)، ومقام الصحابي ابي زمعه البلوي، بالاضافه الي العديد من المعالم التي تسطر امجاد الحضاره العربيه الاسلاميه، من قبيل فُسقيه الاغالبه (سلاله عربيه حكمت تونس وشرق الجزائر، وغرب ليبيا في الفتره ما بين 800م و909م)، ومقام سيدي عبيد الفرياني، ومسجد الابواب الثلاثه، ومقام الامام سحنون، وبئر روطه.

ويعتبر جامع عقبه، الذي وضع اساسه الفاتح عقبة بن نافع الفهري سنه 50 للهجره، مناره الاسلام والعلم والقران، تجذب افئده المسلمين، من كل ارجاء المحافظه (التي تحمل اسم المدينه نفسه)، ومن خارجها.

ويحتوي جامع عقبه بن نافع علي ست قباب، منها قبه المحراب التي تعد اقدم قبه في بلاد المغرب الاسلامي، وقبه البهو علي مدخل البلاد الاوسط، من جهه الصحن، وقبتان تعلوان مدخل بيت الصلاه في الشرق والغرب، وقبه تعلو المجنبه الغربيه للمسجد، وقبه في اعلي المئذنه.

اما مقام الصحابي البلوي، فتقول الروايات انه يحتضن رفاه هذا الصحابي الشهير باسم حلاق الرسول محمد (صلي الله عليه وسلم)، كما تفيد الروايات نفسها ان شعرات للرسول الاكرم دُفنت معه.

ويعتبر المقام من اكثر المعالم الاسلاميّه زياره بفضل معالم الزخرفه الهندسيّه التي تعود لفتره حكم العائله الحسينيّه التي حكمت تونس خلال القرن 12 الهجري/القرن 18 الميلادي.

اما بئر روطه، فهو معلم مائي مرتفع، يُصعد اليه عبر مدرج فيه جمل يدير ناعوره (ساقيه)، تُشد اليها اوانٍ خزفيّه تخرج ماء باردًا للزائرين، تقول الاسطوره "ان من يشرب منها يعود زائراً".

وعلي الرغم من تلك القيمه الحضاريه والمعماريه، تصارع "المدينه العتيقه" مخاطر من اجل الابقاء علي عناصرها المعماريه من مساكن، ومساجد، وحمامات، علي مساحه 54 هكتارًا.

مخاطر وتهديدات منها ما هو متصل بتسرّب مياه الصرف الصحي، ومياه شبكه الشرب (العموميه) اسفل المباني، ما جعلها تتهاوي وتتصدع، بحسب تقارير لجمعيات مستقله مختصه في التراث، كـ"صيانه المدينه"، و"ذاكره المدينه"، و"عين علي التراث".

امّا الخطر الثاني فهو اهمال المساكن وهجرها من قبل اصحابها، وتغيير البعض الاخر لشكلها وهندستها المعماريّه من الداخل والخارج حتي تكاد بعض الاحياء تبدو كمدينه الاشباح بسبب خلوها من السكان وحاله الخراب.

وتمثل مشاهد المنازل المهجوره، والمباني الايله للسقوط، والاشغال غير المنتظمه هنا وهناك، الوجه الاخر للمدينه العتيقه، فهنا منازل ابتلعتها الارض الرخوه، واخري ينهار سقفها، وغيرها اُغلقت ابوابها وكتب علي واجهتها التي كستها الرطوبه عباره "للبيع".

وقد خصصت الحكومات التونسيه، مشروع تهيئه للمدينه العتيقه بقيمه 5.5 مليون دينار (2.8 مليون دولار)، لتجديد البلاط، وتزيين واجهات المحلات والمساكن، في حين واصل المعهد الوطني للتراث (حكومي) دوره المعتاد في تنفيذ اشغال جزئيّه في اكثر من نقطه خاصه سور المدينه، لكنها لم تشمل المساكن.

وينبه مراد الرماح، رئيس جمعيه "صيانه المدينه"، الي خطوره وضع المدينه العتيقه، قائلاً ان "النسيج المعماري يتعرض الي هجمه تفقد قيمته".

واضاف ان اكثر من 100 مسكن فقدت صفتها التراثيه بعد ثوره 14 يناير/كانون ثان 2011، وتعرضت للنهب، مشيراً الي وجود "تهديد محدق بالمدينه العتيقه، جراء الهدم، واعاده البناء بمواد عصريه، دون استشاره خبراء التراث".

ولفت الرماح الذي شغل سابقاً منصب مدير المعهد الوطني للتراث بالقيروان، الي ان المدينه العتيقه حصلت علي جوائز عديده، نظراً لمحافظتها علي اصالتها، وتقديراً لقيمتها التاريخيه.

وشدد الباحث التراثي علي ضروره المحافظه علي النسيج المعماري للمدينه، داعياً الي اعاده بناء المنازل بمواد ملائمه للخصوصيه التراثيه، وعدم البناء بمواد حديثه.

وحذر من خطوره استمرار مخالفه تلك المميزات مستقبلاً، قائلاً: "بعد 40 سنه سوف لن نجد بهذه المدينه اي منزل تراثي، ولا اي منزل محافظ علي اصالته".

في المقابل، اكد الرماح علي امكانيه استثمار معالم المدينه العتيقه في انشطه اقتصاديه وثقافيه علي غرار تجارب عربيه مثل غرناطه، وقرطبه، واشبيليه التي حافظت علي طابعها ومواد بنائها، واصبحت محل استثمار وتنميه مندمجه.

الوضع الخطير الذي تشهده المدينه العتيقه بالقيروان، بحسب وصف الرماح، دفع عدد من النشطاء في المحافظه الي اطلاق حمله اشعار بالخطر، عبر حمله اسموها "دار الجدود صلحها او بيعها" (اصلحها او بعها) من اجل تنبيه اصحاب المساكن بعدم ترك مساكنهم العتيقه، وصيانتها واستغلالها، بدل تسليمها للخراب.

جهاد صويد، المتفقد الجهوي للتراث بالقيروان (حكومي)، قال "هناك جهود لكي لا تخسر مدينة القيروان موقعها العالمي، حيث يوجد بالمدينه العتيقه، اكثر من 86 مسجداً، و84 ضريحاً، و55 صباط ( الصباط: قوس مسقوف يربط بين مجموعه من المساكن في خط متوازي)، و62 قوساً، يجعلها ذات رصيد معماري متميز، الي جانب الاف المساكن".

ويتعهد معهد التراث بصيانه المعالم الاثريه العامه مثل الاضرحه والصباطات، والمساجد، والقباب، باستثناء المساكن الخاصه.

وفي هذا الصدد، تحدث عن صويد اشكاليه قانونيه، وصفها بـ"المعقده"، قائلاً ان المعهد لا يتدخل في صيانه المنازل الخاصه، لكن يساهم بالنصيحه والخبره عند الاستشاره.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل