المحتوى الرئيسى

مقال حول علاقة الدين بالسياسة.. "عدم استئناس المستحيل يجعل الممكن مستأسداً"

09/26 17:46

هذا المقال بقلم اكرام لمعي، استاذ مقارنه الاديان وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما انه لا يعبر بالضروره عن راي شبكه CNN .

 اما الفرد فهو طه حسين الذي فقد بصره بسبب فقر وجهل اهله بالعلاج الصحيح لعينيه لكن طه حسين الطفل لم يعتبر ان قدره ان يعيش عاجزاً فاشلاً ينتظر عطف المبصرين عليه كمعظم المكفوفين؛ الذين يعرفهم اولئك الذين وقفوا امام العمي في عجز كامل كمستحيل يستحيل تجاوزه والانتصار عليه، ولم يحاولوا حتي استئناسه واستراحوا لقبول الامر والتعامل معه كمصدر للرزق السهل بالشحاذه او لانشطه يمكن ان يقوم بها المكفوفون مثل قراءة القرآن او القداس او اذا كان الصوت جميلاً فيغني تواشيح او تسابيح او يلعب موسيقي، اما طه حسين فقد قرر ان يستانس المستحيل وان يكون افضل من كل ذي عينين. هو هنا ولتلاحظ-عزيزي القارئ-انه لم يقهر العمي او الظلام كما وضعه كمال الملاخ عنواناً لكتاب عنه "قاهر الظلام" لكن استانسه وتجاوزه فصار عميداً للادب العربي والادباء العرب، وعاده اسال تلاميذي بعد استعراض كتب طه حسين من فيكم يعرف ان طه حسين لا يقرا ولا يكتب؟ فتظهر معالم الدهشه عليهم اول وهله ثم ينتبهون ويتذكرون انه اعمي ويضحكون فرغم علمهم المسبق بانه كفيف لكنهم لم يتعاملوا معه اطلاقاً علي هذا الاساس لقد انساهم طه حسين عجزه بتفوقه عليهم وعلي اقرانه وعلي اساتذتهم فعندما استانس المستحيل امتطي الممكن فسبق كل المصريين في عصره.

اما الدوله فهي بلدنا مصر وبعد ثوره يوليو حدد عبد الناصر ما يريد تحقيقه وكان بمثابه المستحيلات بناء جيش وطني قوي وبناء ديمقراطيه سليمه وبناء عداله اجتماعيه وذلك للقضاء علي الفقر والجهل والمرض. ولقد حقق عبد الناصر العداله الاجتماعيه بالاصلاح الزراعي ومجانيه التعليم في محاوله للقضاء علي الجهل وبني السد العالي ومصانع عديده لتحديث مصر. لكن الخطا الذي وقع فيه عبد الناصر والذين اتوا بعده هو انهم لم يلحظوا ان هناك خطراً داهماً علي اي وكل انجاز وهذا الخطر يمكنه ان يدمر اي وكل شيء وهو "الفهم الخاطئ" للدين الذي يؤدي الي التطرف، وقد كان له ضحايا كثر قبل الثوره وبعدها وتعرض عبد الناصر نفسه لمحاوله اغتيال الا انه راي الحل امنياً فقط. وكانت رؤيته انه من السهل القضاء علي التطرف واعتبر ان هذا ممكناً وليس مستحيلاً، وتبعه في ذلك السادات ومبارك وهذا خطا كبير في التفكير المنهجي وفي ترتيب الاولويات؛ فبالنسبه لمنهج التفكير التطرف ينتسب للدين وبالتالي ليس من السهل اقناع اتباعه بتركه عن طريق السجن او التاديب لانه عقيده داخليه روحانيه ربانيه؛ فهو يحتاج لتعليم ديني مقابل لما في ذهنه يكون مقنعاً وعصرياً وليس من المؤسسه الدينيه التابعه للدوله ومن علماء يثق فيهم الشباب ضحيه التطرف وهذا ما لم يحدث.

اما من ناحيه الاولويات فكان يجب ان يكون هذا الامر علي قمه اولويات الرؤساء كمستحيل عليهم ان يستانسوه لانهم مهما كانت انجازاتهم عظيمه فان التطرف سوف يدمرها تماماً او علي الاقل يفرغها من مضمونها وهو ما حدث مع عبد الناصر؛ حيث اتهم بالعلمانيه والشيوعيه وان هزيمته عام 1967 كانت بسبب ترك المصريين لله ولدينهم، وقد هزمنا من دوله دينيه شعبها متمسك بدينه وبناء عليه عاد المصريون للعباده وظهرت السيده العذراء في كنيسه الزيتون لتشد ازر المصريين جميعاً، وفي عبور الجيش العظيم لقناه السويس في حرب اكتوبر 1973 كانت الملائكه تعبر فوق رؤوسهم وامامهم لتحميهم والسحاب يكتب في السماء "لا اله الا الله محمد رسول الله"، وكان السادات يتحدث دائماً عن قدرته علي كبح جماح القوي المتطرفه وانهم تحت نظره دائماً لدرجه انه تحالف معهم بعد ثوره الخبز عام 1977 ليقضوا علي الطلبه اليساريين في الجامعه، وهكذا كان ينظر اليهم تحت بند الممكن الذي من السهل احتوائه بالامن او بالحوار، لكن انتهي هذا التصور باغتياله علي ايديهم.

 اما مبارك رغم كل هذه الدروس سار علي نفس المنوال وقام بالتعاون معهم بشرط الا يتطلعوا للحكم وقامت ثوره 25 يناير واكتشف مبارك والمجلس العسكري ان التطرف الديني اجتاح الازهر والمدارس والجامعه فقد رفع تلاميذهم علم القاعده عليهم، ليس هذا فقط بل اكتشفوا ان هذا العملاق اصبح طرفاً في معادله الحكم بعد الثوره وبمباركه امريكا واوروبا طبقاً لنظريه الفوضي الخلاقه والمرتبط بها مشروع الشرق الاوسط الكبير؛ الذي سيتشكل نتيجه هذه الفوضي ويضم مع الدول الحاليه ايران وتركيا واسرائيل وهم الذين سيقودون المنطقه لان الدول العربيه فشلت في ذلك. وكانت الخطه ان تقدم مصر720 كم مربع من سيناء لتصبح مع غزه دوله فلسطين لتحقيق حل الدولتين، وقد رفض مبارك هذا الحل وكان لابد من رحيله وتم الضغط الامريكي علي المجلس العسكري ليتعاون مع الاخوان ليصلوا لحكم مصر لانهم سيتعاونون في حل المشكله الفلسطينيه.

ووصل الاخوان للحكم وهكذا تحول الذي كان رؤساء مصر يضعونه تحت بند "الممكن" القضاء عليه بسهوله الي بند "المستحيل" القضاء عليه وذلك لانهم لم يدركوا من البدايه خطورته وانهم عليهم ان يستانسونه وهو في طور النمو قبل ان يصبح وحشاً مستاسداً، وهكذا انطلق الوحش متعدد الرؤوس ليخرج راساً من الموصل ويستولي علي معدات جيش العراق وانضم اليه ضباط الجيش الحانقين علي امريكا التي سرحتهم ثم اخرج راسه الاخري من سوريا، واستولي علي ارض ونفط في البلدين وباع النفط بواسطه وسطاء الي دول كثيره، ثم ظهرت راس ثالثه في ليبيا وتمدد الوحش في معظم البلدان العربيه في سيناء مصر وفي السعوديه. ومع ظهوره بدا استكمال الصوره باتفاقيه النفط بين امريكا وايران لتكتمل الصوره وتصبح الدول الفاعله في المنطقه اسرائيل وتركيا وايران، والعقبه الوحيده امام استكمال المخطط هي مصر خاصه بعد سقوط حكم الاخوان، ونحن اليوم في موقف لا نحسد عليه فامريكا لم تعترف بثوره 30 يونيو حتي اليوم ولا تتعامل مع السيسي وسوف تقيم مؤتمراً لمحاربه الارهاب بامريكا دعت له الاخوان من كل الدول العربيه وسيفتتحه اوباما وهذا يعني انه يراهن علي الاخوان حتي الان.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل