المحتوى الرئيسى

القاهرة: مدينتى وثورتنا (٣٢)

09/24 10:46

شارع مجلس الوزراء: ١٦ الي ٢٢ ديسمبر ٢٠١١

كان التعدي علي عبودي ثم القاؤه الي اصدقائه الضربه الافتتاحيه في الهجوم علي اعتصام مجلس الوزراء.

بعد الصلاه في تلك الجمعه، ١٦ ديسمبر، اطلقوا الرصاص علي الشيخ عماد عفت فقتلوه، وكان الشيخ عماد من اكثر الشخصيات المحبوبه في الميدان، وكان اكاديميا ازهريا ومعلما محبوبا ويشغل منصب امين الفتوي بدار الافتاء المصريه.

علاء عبدالهادي، مشروع طبيب، في سنه خامسه طب عين شمس، كان ينزل الي المستشفيات الميدانيه في التحرير منذ بدء الثوره، ولما سمع ان القلق بدا في شارع البرلمان كتب علي صفحته في الفيس بوك «هانزل اشوف وربنا يستر …». علاء عبدالهادي كان يحاول انقاذ الشيخ عماد حين قتلوه هو ايضا. امه، مشغوله عليه، تتصل بهاتفه: «يوم الجمعه اتصلت بيه الساعه سبعه الا تلت. رنيت اربع مرات لقيته ماردش قلت جايز يكون نايم واللا حاجه.. اتصلت كمان ــ مش عارفه انا ليه كان عندي احساس ومصره ان انا اتصل ورا بعض ــ اتصلت بيه الساعه سبعه، لقيت واحد تاني اللي بيرد عليا، قلت جايز انا طلبت نمره غلط، رحت قافله وطالبه تاني، لقيته برضه نفس الشخص، باقولله حضرتك مش ده موبايل علاء؟ قاللي مين معايا؟ قلت له انا والده علاء، قاللي طب مافيش راجل عندك في البيت اكلمه؟ انا ساعتها بقي صرخت قلت علاء ابني جري له حاجه..»

استمرت أحداث مجلس الوزراء خمسه ايام. وعلي مدي الاسبوع راينا الشباب يُسحَبون الي حاله حرب صغيره: يُستفَزون بالحركات والشتائم من اسطح المباني ومن وراء الاسوار، يُقذَفوا بالحجاره والطوب والاثاث واطقم الصيني ولوحات الزينه والواح الزجاج وقنابل المولوتوف والشماريخ ــ هذا خلاف الاسلحه التقليديه من خرطوش ومطاطي ورصاص حي وغاز.

ثم راينا حملات الهجوم علي الميدان والشوارع تضرب الشباب بشراسه، وراينا جرجره البنات الي محابس مختلفه، ورايناهن يخرجن مضروبات ومكهربات، وواحده منهن محفور في راسها حرف الـ«T».

وراينا حرق ومحاولات حرق المباني العامه، ومنها المباني ذات المعني التراثي مثل المجمع العلمي، يحاول الشباب انقاذ الكتب منه فينزل عليهم وابل من الطوب. ويمسك الشباب ايضا بمجموعه من الـرجال معهم زجاجات مولوتوف ومتجهين لمهاجمه المتحف المصري.

ثم جاء المشهد الذي التقطته الكاميرات ولف العالم في لمح البصر: الشابه التي تُفصَل عن الشاب الصحفي الذي تتحدث معه، ويُضرب هو وتسحل هي وتُعَرَي وفي لحظه نري قدما تنزل بثقل لابِسِها علي صدرها، وسيده كبيره السن تحاول الذود عن الشابه فتُضرب.

لم يكن احد وقتها يتصور ان شابا مصريا يمكنه ان يضرب شابه بجزمته في صدرها، ان يُلَطِش لسيده في عمر امه ويركلها. لكنهم فعلوا هذا. فعلوا هذا في التحرير علي مدي ايام.

عرفنا ساعتها اننا كنا علي حق حين شعرنا ان النظام يعبث ــ ليس فقط باقتصادنا، وامننا، وصحتنا، ونيلنا، وارضنا، بل يفسد في نفوسنا وعقولنا وقلوبنا. وكانت استعاده النفس هي اجمل تحولاتنا في الميدان في يناير وفبراير.

وفي السابعه من صباح الاثنين ١٩ ديسمبر، في ميدان التحرير، كان خطٌ، خيطٌ، نهيرٌ من الدماء: خمسون مترا ركضها رفاق اللحظه وهم يحملون الشاب الجريح، محمد مصطفي، طالب هندسه عين شمس المضروب بالرصاص … خطٌ، خيطٌ، نهيرٌ من الدماء، احاطها الشباب علي طولها بقطع الطوب والحجر لترسم لنا طريقا، ثم صوَروه … جاء الفعل صادقا بسيطا مهيبا في رمزيته، واسعا في رسالته: الدم غالٍ، كل نقطه فيه لها ثمن، والدم يرسم الطريق.

ياخذون كل من سناء ومني الي داخل البرلمان ويضربوهن. هناك شريط فيديو نري فيه طبيبه شابه، الدكتوره فريده، وهم يقتنصونها. اشاهد الفيديو مرات، وفي كل مره اري صوره ظبي او غزال يقع الي الارض في تصوير بطيء. غاده كمال. عزه هلال. كل واحده منهن، حال اطلاق سراحها، تقدم شهادتها علي شاشات التليفزيون ــ علي القنوات الخاصه التي اصبحت ــ بشكل ما ــ منابر الثوره. وبعد ايام قليله نسمع ببطله جديده، هند نافع، الطالبه بجامعه بنها.

في ١٩ ديسمبر يقيم المجلس العسكرى مؤتمرا صحفيا مطولا ينفي فيه كل الاتهامات الموجهه للقوات المسلحه، ويعيد فيه ويكرر الادعاء بان هناك «طرف ثالث» او «ايدي خفيه» تعمل بشكل منظم لتشق الصف وتدمر الدوله.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل