المحتوى الرئيسى

لغز قنبلة نووية عطلت قمرا صناعيا خلال الحرب الباردة - BBC Arabic

09/24 02:37

لغز من ايام الحرب البارده تحله مذكره سريه عمرها نصف قرن موجهه الي رئيس الوزراء البريطاني. تُري، هل يمكن لحدثٍ مشابه ان يتكرر ثانيهً في زمننا هذا؟

في العاشر من سبتمبر/ ايلول عام 1962 جري ايصال مذكره استثنائيه الي مكتب رئيس الوزراء البريطاني، هارولد ماكميلان. جاء في الوثيقه السريه تفاصيل الوقائع التي ادت الي فشل اول قمر صناعي للمملكة المتحدة، اريال ـ1.

كانت مركبه الفضاء هذه مشروعاً مشتركاً مع الولايات المتحده الامريكية، واطلقت في شهر ابريل/نيسان من ذلك العام لتقصّي الطبقه العليا من الغلاف الجوي لكرتنا الارضيه ودراسه تاثيرات الاشعاعات السينيه الاتيه من الشمس. انجز هذا القمر الصناعي العلمي مهامه دون اي خلل يذكر الي ان توقف الارسال منه فجاه يوم 13 من يوليو/تموز.

لم يكن توقف عمل اريال ـ1 في ذلك اليوم من قبيل الصدفه.

فشل القمر الصناعي في مهامه بعد اربعه ايام من تفجير الولايات المتحده الامريكيه لراس حربي نووي بقوه 1.4 ميغاطن. اطلق علي تلك التجربه اسم "ستارفش برايم"، واجريت في اعالي الجو علي ارتفاع 400 كيلومتراً (250 ميل) فوق المحيط الهادي.

تعتبر التجربه اقوي تفجير نووي في العالم يُجري في الاجواء العليا للكره الارضيه. ولّد الانفجار نبضه كهرومغناطيسيه من القوه بما يكفي لتعطيل الاتصالات اللاسلكيه في العالم، حتي انها فجرت مصابيح الشوارع في جزر هاواي. كما انها تسببت في توليد حزام اشعاعي جديد (مؤقت) حول الكره الارضيه، وهذا ما ادي الي توقف عمل اريال ـ1.

ظلت الوثائق الحكوميه البريطانيه، التي توضح التفاصيل حول مصير القمر الصناعي، في ادراج مقفله لمده 50 عاماً. اليوم، وعند قراءه نسخه من الملف المختوم بكلمه ’سري‘ باحرف حمراء، يتوضح لنا لماذا: علمت وكالة الفضاء الامريكيه (ناسا) في الحال تقريباً ما الذي حصل للقمر الصناعي لكن الحقيقه اخفيت عن بريطانيا، وبشكل محرج.

عندما حل المسؤولون البريطانيون في النهايه اللغز، قدموه الي وزير العلوم اللورد "هيلشام" لكي يكتب مذكره الي رئيس الوزراء. طُبعت مذكرته، المؤرخه في عام 1962، علي صفحتين.

تروي المذكره قصه القمر الصناعي بشكل منمق جداً، وبلغه شكسبيريه مناسبه، لتشرّف كالعاده ايه وثيقه حكوميه.

"رغم انه اصيب بعطب شديد في مجاذيفه الشمسيه"، حسب عبارات "هيلشام" الي رئيس الوزراء، "الا انه لم يمت تماماً."

ويضيف الوزير: "لا يزال ينطق بشكل متقطع ـ واحياناً بشكل مفهوم. لعله سيواصل تحسنه بما يكفي ليخبرنا بامر له دلالته، مع انه بالكاد يقول ’ساعيش بهناء منذ الان‘".

تلمّح مذكره "هيلشام" الي ان الخساره الماليه للمملكه المتحده من هذا المشروع هي اقل نسبياً اذا ما قورنت بخساره الولايات المتحده الامريكيه التي وفرت الجزء الاعظم من التمويل النقدي. كما لمحت الي ان القمر الصناعي المتضرر قد اثبت فعلاً قيمته العلميه.

كتب هيلشام: "استخرجنا منه الكثير خلال فتره حياته (مع انها كانت قصيره، لكنها لم تكن بغيضه او فظه). قبل الحادث الذي تعرض له، ارسل لنا ما يقرب من الف ساعه، وستنقضي سنه علي الاقل لتحليل مغزي ما قاله."

لم يكن اريال ـ1 القمر الصناعي الوحيد الذي تاثر بتفجير "ستارفش برايم" النووي. يقع اللوم علي هذه التجربه النوويه ايضاً في فشل سابق لاوانه لاول قمر صناعي في العالم للاتصالات التلفزيونيه، "تيلستار".

نبّه "هيلشام" ايضا الي ان "الهدف المعنوي الحقيقي من تفجيرهم الذي اجروه في الاعالي هو الحاجه الي معاهده لحظر التجارب". رغم ذلك، فان الاستراتجيين العسكريين لاحظوا باهتمام تاثيرات هذا السلاح.

وتساءلوا، تُري هل يمكن استعمال الاسلحه النوويه او النبضات الكهرومغناطيسيه لايقاف المركبات الفضائيه عن العمل او تشويش اتصالات العدو او دفاعاته او اقماره الصناعيه التجسسيه، او حتي البنيه التحتيه الكهربائيه الموجوده علي الارض لبلد ما؟

تقول اليزابيث كوينتانا، مديره العلوم العسكريه في "المعهد الملكي للخدمات المتحده"ـ وهي منظمه معتبره للنشاطات الفكريه الخاصه بالدفاع والامن ومقرها لندن: "اسلحه النبضات الكهرومغناطيسيه ليست ذات قدرات يتحدث عنها الناس علي نطاق واسع. غير انها موجوده حالياً ضمن موجودات الترسانه العسكريه."

ان منظومه اسلحه النبضات الكهرومغناطيسيه مصممه لاستعمالها من قبل القوات البريه او الجويه. لهذه الاسلحه القدره علي اشعال جميع الانظمه الالكترونيه في منطقه محدده، او استهداف اطوال موجيه معينه مما يشوش انظمه الدفاع الراداريه لبلد ما، علي سبيل المثال لا الحصر.

مع ذلك، وبصرف النظر عن المخاوف نتيجه الاضرار الجانبيه، هناك مخاوف كبيره من نشر منظومات اسلحه النبضات الكهرومغناطيسيه لان تاثيراتها مخفيه.

تقول كوينتانا: "عندما تُفجر قنبله ما فان الدمار الذي تخلفه يكون ظاهراً تماماً. اما قنابل النبضات الكهرومغناطيسيه، فيصعب تحديد الدمار الذي تخلفه."

وتضيف: "بينما تشكل اسلوباً خفياً لتوجيه ضربه ذات اثر مؤقت ـ مثل تعطيل الدفاعات الجويه للعدو اثناء التحليق في اجوائهم ـ فقد لا تكون فعاله."

جرت باسهاب مناقشه المخاوف من انتشار تقنيه النبضات الكهرومغناطيسيه في الفضاء ـ في مكاتب الحكومات والبرلمانات ومن قبل الاستراتيجيين العسكريين. الا ان "كوينتانا"، التي تدرُس التطورات في مجال الاسلحه، غير مقتنعه بذلك، وتجادل قائله: "هذا التهديد مبالغ فيه الي حد كبير".

الفضاء في حد ذاته بيئه غير ملائمه بما فيه الكفايه من الناحيه الكهرومغناطيسيه، حيث يسقط علي الأقمار الصناعية والمركبات الفضائيه وابل مستمر من الاشعه الكونيه وجسيمات الشمس المشحونه. ان سلاحاً من نوع النبضات الكهرومغناطيسيه ـ بما في ذلك تكرار تجربه "ستارفش برايم"ـ سيكون له تاثير اضافي ضئيل علي الاقمار الصناعيه العصريه التي جري تقويتها وحمايتها من الاشعاعات، حسبما تري "كوينتانا".

وتقول: "يمكن لعاصفه شمسيه شديده ان تعطل البنيه التحتيه الموجوده في الفضاء. ان جميع المنظومات الفضائيه التي تُطلق الي السماء في يومنا الحاضر هي منيعه الي حد ما ضد الإشعاعات الشمسية."

ورغم ان قنبله "ستارفش برايم" دمرت البنيه التحتيه البدائيه الموجوده في الفضاء عام 1962، الا انه توجد تقنيات اكثر فعاليه بكثير، وارخص ثمنا، بامكانها اعطاب انظمه الاقمار الصناعيه المعاصره.

علي سبيل المثال، يمكنك ان تشتري احد اجهزه تشويش اشارات "نظام التموضع العالمي" بما يقرب من عشرين دولاراً امريكياً. انها اجهزه غير قانونيه، وفي احسن الاحوال، شبه قانونيه في اغلب البلدان.

تقوم هذه الاجهزه باعتراض الاشارات الضعيفه القادمه من الاقمار الصناعيه المخصصه للتموضع. انها شائعه بشكل خاص لدي سائقي سيارات الاجره، مما يتيح لهم التنقل بعيداً عن متابعه المشرفين عليهم.

وقد سبّب مستخدمو اجهزه التشويش هذه مشاكل خطيره في مطارات مختلفه من العالم ـ لعرقلتهم، بدون قصد منهم، اشارات نظام التموضع العالمي التي يستفيد منها الطيارون في اللحظات الاخيره عند الهبوط بطائراتهم.

كما يسهُل نسبياً التشويش علي اقمار الاتصالات وذلك بتوجيه موجات لاسلكيه تجاهها مباشره. علي سبيل المثال، اعاقت ايران الاشارات التلفزيونيه لشبكه "بي بي سي الفارسيه" بهذه الطريقه في السنين الاخيره.

تقول "كوينتانا": "اختر اي بلد في الشرق الاوسط يواجه صراعاً او انتفاضه. ربما ستجد ان حكام ذلك البلد قد شوّشوا علي الاقمار الصناعيه التجاريه بغرض منع القوي المعارضه للنظام من بث رسائلهم."

كما توجد دلائل بان الصين قد طورت نظاماً من الليزر يُثبت علي الارض ليوجه اشعاعه علي اقمار التجسس فيوقفها مؤقتاً عن الرؤيه اثناء مرورها فوق البلد.

اما بالنسبه لاخراج مركبه فضائيه عن مدارها، فالمنظومات الارضيه لها التفوق ايضاً. في عام 2007، استعملت الصين صاروخاً قوسياً (باليستياً) ينطلق من الارض لتدمير قمر صناعي يُستخدم للانواء الجويه. تسبب ذلك بتوليد سحابه خطره من حطام فضائي يسبح في مدار حول الارض مما اثار حفيظه الرأي العام العالمي.

رغم ذلك، نري تطوير بعض التقنيات الفضائيه التي يمكن استعمالها في المستقبل لاعطاب او تدمير المركبات الفضائيه للعدو. مثلما تبين، فهي نفس التقنيه التي يتم تطويرها لازاله الحطام الفضائي.

تقول "كوينتانا": "تعتمد احدي تقنيات ازاله الحطام الفضائي علي أقمار صناعية قادره علي سحب الاقمار الصناعيه القديمه من مداراتها حول الارض. من الواضح انه يمكن استعمال نفس هذه التقنيات لتغيير مسار ومدار الاقمار الصناعيه النشطه."

وعلي نفس المنوال، يمكن تثبيت سلاح صغير وموجه يستعمل نبضات كهرومغناطيسيه علي مركبه فضائيه. "بمقدورك اطلاق قمر صناعي الي الفضاء ليقترب من قمر صناعي اخر ويقوم عملياً بحرق (قلي) دوائره الكهربائيه"، حسب قول "كوينتانا".

كان "ستارفش برايم" برهاناً مرعباً للقوه التدميريه الكامنه في اسلحه النبضات الكهرومغناطيسيه. لكن في الحقيقه، اذا عزمتَ في يومنا هذا علي تدمير او تعطيل البنيه التحتيه الموجوده في الفضاء، فهناك وسائل اسهل من ذلك بكثير.

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل