المحتوى الرئيسى

مترجم: جنون عسكري .. 800 قاعدة عسكرية حول العالم هل تجلب السلام لأمريكا؟ - ساسة بوست

09/23 14:19

منذ 5 دقائق، 23 سبتمبر,2015

بعد سحب الجيش الامريكى للكثير من القوات، من العراق وافغانستان، فان الامريكيين معذورون لعدم علمهم بان التواجد الامريكي ما زال متفشيًا، عن طريق مئات من القواعد العسكريه، ومئات الالاف من القوات المتمركزه فيها. لا يدرك الكثيرون هذا، لكن الولايات المتحده تستعمر الكوكب كما لم تفعل ايه دوله اخري في التاريخ، والدلائل علي ذلك واضحه للعيان، من الهندوراس الي عُمان، اليابان الي المانيا، سنغافوره الي جيبوتي.

مثل معظم الامريكيين، نادرًا ما كنت افكر في امر القواعد العسكريه الخارجيه. يصف امثالي الباحث ومستشار CIA السابق، (تشالمرز جونسون)، حيث كتب عام 2004 قائلًا:

بخلاف الاخرين، لا يدرك الامريكيون – او لا يريدون ان يدركوا – ان الولايات المتحده تسيطر علي العالم باستخدام قوتها العسكريه، لاعتبارات السريه الحكوميه، يجهل مواطنونا غالبًا هذه الحقيقه: حامياتنا العسكريه تطوّق الكوكب باسره.

لا توجد قواعد عسكرية اجنبيه دائمه علي ارض الولايات المتحده، الفكره نفسها مرفوضه تمامًا، في المقابل، هناك حاليًا 800 قاعدة عسكرية امريكيه في الدول الاجنبيه. بعد 70 عامًا من الحرب العالميه الثانيه، و62 عامًا من الحرب الكوريه، لا تزال هناك 174 قاعده عسكريه امريكيه في المانيا، 113 قاعده في اليابان، و83 في كوريا الجنوبيه، طبقًا للبنتاجون. تتواجد مئات القواعد الاخري حول العالم في اكثر من 80 دوله: في اوروبا واستراليا، في البحرين وبلغاريا، في كولومبيا، في كينيا، في قطر، تمتلك الولايات المتحده قواعد اجنبيه اكثر من اي شعب، دوله او امبراطوريه في التاريخ.

الغريب حقًا ان الاعلام الامريكي نادرًا ما يعلّق علي الامر، او يجري ايه تقارير او تحقيقات حوله. في تلك الاعوام التي دار فيها النقاش حول اغلاق سجن جوانتنامو، المتواجد في القاعده العسكريه الامريكيه في كوبا، بالكاد تساءل اي سياسي او محلّل عن السبب الذي اقامت من اجله امريكا قاعده عسكريه في كوبا، وهل وجودها ضروري من الاساس ام لا. نادرًا ما تُطرح الاسئله حول جدوي هذه القواعد من الاصل، او ما اذا كانت ميزانيتها المقدّره بحوالي 156 مليار دولار أمريكى – او اكثر – تتسبب في عرقله الاقتصاد الامريكي، وبالتاكيد لا احد يتساءل عن احساس الشعب الامريكي ان قامت الصين، روسيا او ايران ببناء قواعد عسكريه اجنبيه بالقرب من حدود الولايات المتحده، ناهيك عن داخل حدودها، بالطبع.

انّ امريكا الان، كما كانت علي مدار العقود السبعه الماضيه، دوله قواعد استعماريه، تتمدد حول العالم، وقد تاخرنا كثيرًا في مواجهه هذه الحقيقه بالاسئله.

ما مدي انتشار القواعد الامريكيه حول العالم؟

تاتي القواعد الامريكيه بكل الاشكال والاحجام، بعضها بحجم مدن كامله، “ولايات متحده صغيره”، منها قاعده رامشتاين الجويه في المانيا، وقاعده كادينا الجويه، في اوكيناوا، والقاعده البحريه والجويه المغموره المقامه علي جزيره دييجو جارسيا في المحيط الهندي، تتمتع كل من هذه ببنيه تحتيه هائله، من مدارس ومستشفيات ومحطات طاقه، امّا القواعد الاصغر فمنها ما يسمّي بالوسائد Lily pads، والتي تعرف ايضًا بالمواقع الامنيه التعاونيه، تمثّل هذه محطات لاستقبال طائرات الدرونز Drones، وطائرات الاستطلاع، وتحوي بعضًا من الامدادات والاسلحه، يكثر تواجدها في افريقيا واوروبا الشرقيه.

لكن تواجد البنتاجون الفعلي في الخارج اكبر من هذا، واعمق. هناك قوات امريكيه، او افراد عسكريون في اكثر من 160 ارض اجنبيه، منهم قوات المارينز التي تحمي السفارات، والمدربين والمستشارين العسكريين، الذين بلغ عددهم 3500 في الجيش العراقي وحده، هذا بالاضافه الي حاملات الطائرات التي تمثل نوعًا من القواعد العسكريه العائمه.

صحيحٌ ان الولايات المتحده ليست الدوله الوحيده التي تمتلك قواعد عسكريه خارجيه، فبريطانيا العظمي ما زالت تمتلك سبعًا منها، وفرنسا تمتلك خمسًا في مستعمراتها السابقه. روسيا لديها حوالي ثمانٍ في اراضي الاتحاد السوفييتي سابقًا، وللمره الاولي منذ الحرب العالميه الثانيه، اصبح لليابان قاعده عسكريه في جيبوتي، في القرن الافريقي، بجانب قواعد امريكا وفرنسا هناك. دول اخري مثل كوريا الجنوبيه، الهند، تشيلي، تركيا واسرائيل لدي كل منها علي الاقل قاعده واحده، لكن عدد هذه القواعد مجتمعه لا يتجاوز الثلاثين قاعده، مما يعني ان الولايات المتحده تستحوذ علي 95% من حصه القواعد العسكريه الخارجيه في العالم.

علي الرغم من ان الولايات المتحده قد امتلكت قواعد عسكريه خارجيه منذ ما بعد الاستقلال بقليل، فانه لم يكن متخيّلًا ان الامر سيصل الي الشبكه العملاقه من التواجد العسكري، القائمه الان، حتي اشتعال الحرب العالميه الثانيه. في 1940، وبجرّه قلم، وقّع الرئيس فرانكلين روزفلت اتفاقيه “المدمّرات مقابل القواعد” مع بريطانيا العظمي، والتي اعطت الولايات المتحده حقوق انتفاع تدوم لتسعه وتسعين عامًا، لبناء منشاتها علي اراضي المستعمرات البريطانيه حول العالم، وبحلول نهايه الحرب، كان للولايات المتحده اكثر من الفي موقع عسكري عالمي. خمسه اعوام كانت كافيه لتنشئ الولايات المتحده شبكتها الهائله من القواعد العسكريه علي ارض الامبراطوريه البريطانيه التي “لا تغيب عنها الشمس”.

بعد الحرب، اعادت الولايات المتحده نصف هذه المنشات، لكنّها احتفظت بشبكتها الواسعه برغم كل شيء، ارتفعت اعداد القواعد خلال حربي كوريا وفييتنام، لكنها انخفضت بعدها مجددًا.

منذ بدايه الحرب البارده، اصبحت فكره امتلاك مجموعه كبيره من القواعد العسكريه الدائمه جزءًا شبه مقدّس من السياسه الامنيه الوطنيه والخارجيه، يرجع ذلك الي الفكره ذات السبعين عامًا التي تدعم هذا الاعتقاد، والتي تسمّي بـ “استراتيجيه التقدم الي الامام Forward Strategy”. تقضي هذه الاستراتيجيه بان الولايات المتحده يجب ان تحتفظ بتكتلات هائله من القوات العسكريه علي مقربه من اراضي الاتحاد السوفييتي، لاحتواء نزعه الاتحاد الي التوسع.

لكن انهيار الاتحاد السوفييتي لم يؤثر علي هذه الفكره، وقد بدا تشالمرز جونسون بالقلق حول القواعد الاجنبيه حين لاحظ ان اختفاء الاتحاد لم يغيّر كثيرًا من هيكل شبكه القواعد الخارجيه، علي الرغم من اختفاء العدو الذي اوجدت هذه القواعد لاحتوائه.

ما زال دعم هذه الاستراتيجيه هو الراي الجامع لسياسيي الحزبين، خبراء الامن القومي، ضباط الجيش، الصحفيين وكل اركان السلطه في واشنطن. وتمّ التشهير بايه محاوله لمعارضتها علي انها “مثاليه سلميّه” و”انعزال” مماثل لذلك الذي سمح لهتلر من قبل باحتلال اوروبا.

كم يكلّف امريكا استعمار العالم؟

كما يرينا جونسون، فان هناك العديد من الاسباب للتساؤل حول الوضع الحالي للقواعد الخارجيه، ابرزها التكلفه الاقتصاديه. القواعد الخارجيه مكلّفه للغايه، طبقًا لشركه راند للابحاث (RAND)، فان دافعي الضرائب الامريكيين ينفقون من 10 الاف الي 40 الف دولار اضافيه سنويًا لتسكين فرد واحد من الجيش خارج الولايات المتحده بدلًا من داخلها، حتّي عندما تتحمل الدول المضيفه مثل اليابان والمانيا بعضًا من النفقات. تكاليف الانتقال، والمعيشه، والمدارس والمستشفيات والاسكان تجعل الامر مكلّفًا حقًا، خاصه وان العدد يبلغ اكثر من نصف مليون من الجنود، وافراد عائلاتهم، والموظفين المدنيين.

بحساباتي المتواضعه، كلّف الامر 85 مليار دولار في عام 2014م، وهو ما يفوق ميزانيه كل الهيئات الحكوميه مجتمعه فيما عدا وزاره الدفاع نفسها بالطبع، وان اضفنا التواجد الامريكي في افغانستان والعراق، تصل الفاتوره الي 156 مليار دولار، او اكثر.

لكن هذه القواعد مربحه – للشركات المستفيده من الحروب بالطبع، مثل دينكورب انترناشونال – يقول جونسون:

منشاتنا في الخارج تدر ارباحًا طائله للصناعات المدنيه”، التي تجني المليارات من العقود السنويه “لبناء وصيانه مواقعنا العسكريه البعيده.

في نفس الوقت، لا تري الكثير من المجتمعات المضيفه شيئًا من النعيم الاقتصادي الذي يعد به المسؤولون الامريكيون والمحليون جراء اقامه هذه القواعد. ربّما يشهد الاقتصاد انتعاشًا علي المدي القصير، لكن علي المدي الطويل، فان اشكالًا اخري من النشاط الاقتصادي، مثل المدارس والمستشفيات والاسواق، تعدّ اكثر افاده للاقتصاد المحلي، القواعد العسكريه هي استخدام غير منتج للارض، يوفّر عددًا قليلًا من الوظائف نسبه الي تكلفته، ولا يساهم كثيرًا في دعم الاقتصاد المحليّ.

من الاولي اذن ان يتم استثمار اموال دافعي الضرائب في مجالات مثل التعليم، النقل، الاسكان والرعايه الصحيه؛ فهذه المجالات تساهم في النمو الاقتصادي الكلي، وتخلق مزيدًا من فرص العمل بالمقارنه بالانفاق العسكري.

ما هو افدح من التكلفه الاقتصاديه، هي التكلفه البشريه! من ضمن هؤلاء الذين يعانون هم عائلات الجنود، حيث يتنقلون كثيرًا، ويبتعدون عن الوطن، ويتعرّضون غالبًا للانفصال. اسهمت القواعد الخارجيه ايضًا في المعدلات الصادمه للاعتداء الجنسي في الجيش: حوالي 30% من النساء العاملات في الجيش يتعرّضن للاعتداء خلال عملهم، ونسبه غير قليله من هذه الجرائم تقع في القواعد الخارجيه، امّا خارج اسوار القاعده، فهناك شبكات دعاره مخصصه لجنود الولايات المتحده، كما في كوريا الجنوبيه.

اما علي المستوي البيئي، فقد تسببت القواعد في العديد من تسريبات المواد السامّه، الحوادث وفي بعض الاحيان الالقاء العمدي للمخلفات في البيئه المحيطه، ولطالما ارتكب الجنود الامريكيون جرائم اغضبت المحليين، ففي اوكيناوا، وغيرها، وقعت جرائم اغتصاب مروّعه بحقّ النساء المحليّات، وفي جرينلاند، ودييجو جارسيا، قام الجيش بتهجير السكان المحليّين ليتمكن من بناء قواعده.

وفي تناقض واضح مع الخطاب الرسمي الداعي لنشر الديمقراطيه، فان الولايات المتحده تنشئ قواعدها في اماكن غير ديمقراطيه، ومستبدّه في اغلب الاحيان، مثل قطر والبحرين. امّا في العراق، افغانستان والسعوديه فان التواجد الامريكي خلق ارضًا خصبه لتربيه مشاعر العنصريه والمعاداه لامريكا. فتواجدها بالقرب من المقدسات الاسلاميه في السعوديه كان احد ادوات القاعده لتجنيد الشباب، بل وحافزًا لهجمات 11 سبتمبر التي شنّها اسامه بن لادن.

هل تتسبب القواعد في حرب بارده جديده؟

جعلت القواعد من شنّ الحروب امرًا سهلًا، مما جعل من التدخّل العسكري حلًا مغريًا – والحل الوحيد الممكن تخيّله في كثير من الاحيان – لصانعي السياسه الامريكيه، وكما تقول عالمه الانثروبولوجيا، كاثرين لوتز، فانه عندما يكون كل ما في جعبه السياسه الخارجيه لديك هو مطرقه، فان كل شيء يبدو لك كمسمار. لقد زادت القواعد الخارجيه من احتمالات وقوع الحرب بدلًا من تقليلها.

هناك بعض الادله ان القوات العسكريه المتمركزه خارجيًا يمكنها ردع بعض الاخطار، بالطبع. لكن الابحاث لم تثبت ان القواعد الخارجيه وسيله فعاله للردع طويل المدي. تشير دراسات اجرتها اداره بوش، وشركه راند – بالتاكيد هؤلاء ليسوا يساريين سلميين – ان التقدم في تكنولوجيا النقل ازآل كثيرًا من الافضليه التي كانت القواعد العسكريه توفرها في الماضي، يمكن للجيش في حالات الحرب الدفاعيه او حفظ السلام ان ينقل جنوده من القواعد العسكريه الداخليه الي اماكن القتال، بسرعه وفعاليه مماثله لمعظم القواعد الخارجيه الحاليه، وسائل النقل السريع بالاضافه الي اتفاقيات تسمح باستخدام منشات الدول الحليفه العسكريه، هو حل اقل تكلفه بكثير واقل خطرًا من قواعد عسكريه دائمه، ناهيك عن ان التواجد الامريكي يمكن ان يجعل من الدوله المضيفه هدفًا محتملًا للقوي الخارجيه والمسلّحين.

بالمثل، فان القواعد العسكريه لا تساهم في استقرار الاوضاع في مناطق النزاع، بل تزيد من حده التوترات العسكريه وتثبط من الجهود الدبلوماسيه لحل الازمه. جدير بالذكر ان اخطر لحظات الحرب البارده – ازمه الصواريخ الكوبيه عام 1962 – تمحورت حول منصات اطلاق الصواريخ النوويه السوفييتيه في كوبا، التي تبعد 90 ميلًا عن حدود الولايات المتحده.

كثره القواعد الامريكيه الخارجيه قد تدفع الي سباق دولي لانشاء القواعد الخارجيه، لتبدا حرب بارده جديده. قد يجادل المسؤولون بان مزيدًا من القواعد ضروريه لحفظ السلام في شرق اسيا، لكن الصين غير مقتنعه بذلك، رد فعل القاده الصينيين يظهر بوضوح كم يمكن لهذه القواعد اثاره التوترات وزياده احتمالات نشوب الحرب. هذه القواعد نبوءه ذاتيه التحقق، تصنع نفس الخطر الذي انشئت من اجل محاربته.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل