المحتوى الرئيسى

أوروبا تفرض خطتها الغامضة على اللاجئين: نتقاسمكم.. إذا نجوتم من حدودنا!

09/23 00:45

الجو الماطر لم يمنع الوقوف لتبادل الاتهامات والتهديد بعدم «الرضوخ». هناك مطر، لكن توجد مظلات. حمل الوزراء ومساعدوهم ما يقيهم هطولات بروكسل، ليؤكدوا انهم ماضون باصرار الي خلافاتهم.

لا حل وسطاً بدا ممكنا خلال الاجتماع الطارئ الذي عقده وزراء الداخليه الاوروبيون، لمحاوله جسر انقسامهم حول «ازمه اللاجئين». المانيا قالت انه لا مناص من الخروج بنتيجه، حتي لو اضطر الامر الي فرض قرار بالغالبيه. الاخرون رددوا ان فرض «حصص الزاميه» لن يمر باي شكل.

اطلّ وزير خارجية لوكسمبورغ جون اسلبورن بابتسامته المعروفه. هل انت راضٍ عن القيام باعطاء صلاحيات للجيش كي يصد اللاجئين بالقوه «غير المميته»، سيدي الوزير؟ لم يرد الخوض في المساله، اكتفي بالقول ان ما لا يرضيه امر اخر «انا لست سعيدا بالطقس».

اسبورن شخص مناسب ليطرح عليه هذا السؤال، فبلاده تتسلم الان الرئاسه الدوريه للاتحاد الاوروبي. مجال الرئاسه يكون عاده التواسط والتوفيق. لذلك اجتمع الرجل بوزراء داخليه جبهه الرفض لنظام «الحصص الالزاميه»، من اجل تقاسم اللاجئين وفق خطه اقترحتها بروكسل. كيف كان الاجتماع اذاً، هل هناك حل وسط في الافق؟ يصمت للحظه، ثم يرد «اعتقد ان جميع دول الاتحاد الاوروبي يجب ان تتحمل المسؤوليه، لقد وضعنا (الرئاسه) علي الطاوله نصا قابلا للاجماع، سنعمل عليه واعتقد ان له اثارا ايجابيه».

لكن نص التوافق لم يعمل. معسكر الرفض استمر في وضع «لا» كبيره، برغم التحويرات في صياغه التسويه. لا تسويه اذاً. ساعات قليله كانت كافيه للتاكد من هذه النتيجه. نفذت المانيا، بالتكاتف مع فرنسا، التهديد: تم التصويت بالغالبيه، وتم فرض القرار علي من لا يعجبه. هكذا تم اقرار خطه لتوزيع 120 الف لاجئ بين الدول الاوروبيه، سينقلون بشكل اساسي من اليونان وايطاليا علي مدار سنتين. الغالبيه كانت ساحقه. عارضت اربع دول: المجر، طبعاً، مع تشيكيا وسلوفاكيا ورومانيا.

بولندا كانت بين معسكر الرفض، لكنها قررت ان الامر لا يستاهل هذه المواجهه السياسيه. التوزيع عملياً سيتم بناء علي خوارزميه، او نظام احتساب، يركز علي تعداد سكان الدوله وحجم اقتصادها، كما ياخذ في الاعتبار (بنسبه 20 في المئه) حجم البطاله فيها وعدد اللاجئين الذين استقبلتهم. المقصود عمليا تطبيق نظام «الحصص»، لكن لا ذكر اطلاقا لهذه الكلمه.

الحساسيه شديده من القضيه، لدرجه المجاهده لعدم ايراد التعبير في وثيقه اوروبيه. حتي مع رفضهم، كانت هنالك ضروره لمراعاه غير الموافقين. اقتضي الامر ايضاً تغيرات ازالت العقوبات الماليه في حق من لا يطبق القرار، ويرفض استقبال نصيبه من اللاجئين. كل دوله ستاخذ حصتها، ومن لا يقدر، لاسباب مبرره، يمكنه تاجيل 30 في المئه الي سنه ثالثه.

الخطه المقرّه لا سياق اوسع لها. انها اتفاق لمره واحده. كانت المسوده تتضمن اليه دائمه لمعالجه تدفقات اللجوء، لكن تمت ازالتها لانها كانت ستفجر الخلافات خارج كل لياقه. حتي بعض الدول، غير المعارضه، كانت متحفظه. فنلندا قررت الامتناع عن التصويت. سالت «السفير» وزير داخليتها بيتري اوبرو عن حيثيات موقفهم، فاكد انهم لا يريدون مبدا الاملاء، موضحاً سياق قرارهم، قال «انا مسرور بالنتيجه، كنا جاهزين لقبول المقترح الالماني، لكننا لم نتوقع الاليه، ولذلك لم نصوت»، قبل ان يضيف «لا نريد اليه دائمه، ولا نريد ان يتم اصدار الامر لدوله عضو بان عليها القيام بشيء ما». حرص علي التاكيد ان بلاده ستطبق القرار: «نحن داخل النظام ونريد التعاون»، لذا سناخذ حصتها البالغه 2400 لاجئ.

وفق الخطه المقرّه، سيتم البدء بتوزيع 66 الف لاجئ من ايطاليا واليونان، علي ان يستكمل توزيع 54 الفا اخرين خلال العام المقبل. كان المخطط ان يتم نقل 54 الف لاجئ من المجر، لكنها ترفض باي شكل اعتبارها دوله في «الخطوط الاماميه» لهذه الازمه. طبعاً، هناك شروط «لتقاسم الاعباء» مع دوله ما. عليها ان تقبل مبدا انها دوله مازومه بتوافد اللاجئين، وبالتالي ان تنشئ مراكز استقبال كبيره لايوائهم.

هذه المراكز ستعمل وفق تسميه «نقاط ساخنه»، ستُرسل اليها فرق الاختصاصيين الاوروبيين ليقيّموا طلبات اللجوء بسرعه. من يتم قبولهم كلاجئين سيدخلون نظام التوزيع، ولكن من يرفضون لانهم «مهاجرون اقتصاديون» سيتم ترحيلهم علي وجه السرعه.

المجر ترفض ان تكون «مركز تجميع» للاجئين. ترفض ان تكون «نقطه ساخنه». رئيس وزرائها فيكتور اوروبان مرر قانونا في البرلمان يسمح للجيش باستخدام القوه لصدّ اللاجئين، كما لو انهم اعداء. بالاحري، انهم اعداء حقيقيون وفق قوله. ردد امام برلمان يهيمن عليه ان بلاده تواجه هجوما «وحشيا»، موضحا ان اللاجئين «ليس فقط لا يطرقون الباب، بل يكسرونه علي رؤوسنا».

برغم كل هذا التطرف، فانّ بعض الدول تهادنه لان لها مصلحه. النمسا تستقبل الاف اللاجئين، اولئك الذين تشحنهم كرواتيا الي حدودها مع المجر، قبل ان تنقلهم الاخيره الي الحدود النمساويه. حينما سالت «السفير» وزيره داخليه النمسا عن وضع الجيش المجري امام اللاجئين، لم تبد ذلك القلق. قالت بنبره متزنه ان «المبادره المجريه تُظهر مدي اهميه استعاده الامن وحمايه الحدود الخارجيه للاتحاد الاوروبي، (الامر الذي يجب ان يحصل) ايضا في ايطاليا واليونان، فهذه هي الاولويه الاهم لنا».

الخطوه المجريه تثير امتعاضاً واضحاً لدي العديد من الاحزاب الاوروبيه. مجموعه الليبراليين في البرلمان الاوروبي طالبت بان يطبق بحق المجر الماده السابعه من المعاهده الاوروبيه. للمصادفه فان الماده «السابعه» تشبه الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوه في مجلس الامن الدولي. هذه الماده يمكن ان تتحرك في حال كان هناك غالبيه سياسيه وازنه تعتبر ما فعله اوروبان «انتهاكاً للقيم الاوروبيه».

حين سالت «السفير» وزير داخليه فنلندا عن القضيه، قال فوراً «ما يفعلونه (استخدام الجيش) لا يعجبنا علي الاطلاق، لذلك نحتاج الي ايجاد حلول اوروبيه، وهو ما فعلناه اليوم» في اشاره الي اقرار الخطه.

نظام «الحصص»، حتي لو اغفلت هذه التسميه، يتضمن قيودا علي اللاجئين. المعروف ان كثيرين يفضلون المانيا، او دولا اخري مثل السويد. لكن حينما سيوضعون في نظام التوزيع، لن يكون هناك مجال قانوني للاصرار علي اللجوء في غير الدوله التي سيرسلون اليها.

تقول بروكسل انها ستراعي اوضاع العائله الصغيره، بما يمنع تشتتها. لكن غير ذلك سيحرم اي لاجئ يخالف قرار التوزيع من المساعدات الاجتماعيه، كما سيتعقد وضعه القانوني بالنسبه للحصول علي اللجوء.

اللجوء الي اخذ القرار بالغالبيه، برغم اصرار البعض علي رفضه، اغضب الدول الرافضه. رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو هدد سابقا بانه «طالما انا رئيس للوزراء، فلن يتم تنفيذ نظام حصص الزاميه علي الاراضي السلوفاكيه».

شده الخلافات جعلت جو الاجتماع «فظيعاً»، كما قال احد الديبلوماسيين. احد المسؤولين خرج من القاعه بصحبه وزيره، من دوله رافضه، كان يهز راسه باستياء واضح. حين سئل قال «طبعا هذا لا يعجبنا. لكن ما العمل؟! علينا ان نهدا، لا مفر من تطبيق القرار. علي الاقل لم تصبح الحصص اليه دائمه».

الغضب من التصويت بالغالبيه كان يخرج البعض من ملابسه. وزير داخليه التشيك قال بعد اقرار الخطه رغما عن معارضتهم ان «الحس السليم كان هو الخاسر اليوم»، مدللا علي الانقسام الذي حصل، وما يعتبرونه دعوه مفتوحه للاجئين تمثلها خطه التوزيع. قال ساخراً «قريبا جدا سوف نري الامبراطور بلا ملابس». كانت اشاره الي القصه الشعبيه الشهيره، حينما يعرف الجميع ان الامبراطور عار الا هو!

الخطه ليست اليه دائمه اذا. ما الحل؟ يقول مسؤول اوروبي كان في الاجتماع لـ «السفير» ان «الامر متروك للمستقبل، اليوم انجزنا خطوه، والاليه الدائمه يمكن بحثها لاحقا».

ليس هناك اتفاق حول كيفيه اداره الحدود الاوروبيه، ولا قرار حاسما حول المجري الموحد الذي يمكن ان ينظم جريان سيل اللجوء. الامر متروك للارتجال. القمه الطارئه لزعماء الاتحاد الاوروبي اليوم ستتطرق للعناوين السياسيه للازمه، خصوصا الخلافات حول اي سياسه يجب اتباعها. قررت اوروبا خطتها، فرضتها، لكنها تركت قضيه اللجوء امام افق غامض.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل