المحتوى الرئيسى

حين كان أحمد عزّ أقوى من مبارك: حكايات الفساد والسلطة صدرت في “لندن”

09/22 15:50

صافيناز الطاروطي: حين كان احمد عزّ اقوي من مبارك

تلقي الباحثه السياسيه صافيناز الطاروطي، في كتابها “رجال الأعمال والمحسوبيه والاستبداد في مصر” الذي صدر قبل ايام في لندن، الضوء علي دور رجال الاعمال في بقاء مبارك واستمرار استبداده. والطاروطي باحثه سياسيه حاصله علي البكالوريوس والماجستير من الجامعة الامريكية بالقاهرة والدكتوراه في السياسه من جامعة إيست أنجليا بالمملكه المتحده.

ويشرح الكتاب، المكون من خمسه فصول، كيف خلق النظام علاقات جديده مع رجال الاعمال ونجح في استماله بعضهم واستبعاد البعض الاخر.  ويدور الفصل الاول من الكتاب عن الانتفاضه والديكتاتوريه والتحول السياسي في مصر. بينما يناقش الفصل الثانيوضع رجال الاعمال من منظور تاريخي، فيما يتحدث الفصل الثالث عن رجال الاعمال ودخولهم الي البرلمان وتحكمهم في التشريعات، ثم توضح الكاتبه في الفصل الرابع الشبكات الاجتماعيه التي تربط عائله مبارك برجال الاعمال، وفي النهايه تستعرض رجال الاعمال في الجانب المعارض للسلطه.

في كتابها (Businessmen, Clientelism, and Authoritarianism in Egypt – رجال الاعمال والمحسوبيه والاستبداد في مصر) تؤكد الطاروطي انه بعد التحرر الاقتصادي، استمال نظام مبارك رجال الاعمال باشكال متنوعه. شمل ذلك التبعيه المستمره من رجال الاعمال للنظام، واعتمد ذلك علي تهديدات حقيقيه بالاجبار او المساومه من اجل زياده سلطتهم الماليه والهيكليه.

وتوضح الطاروطي في مقدمة كتابها انه في بعض الحالات الاستثنائيه، كانت قوه رجال الاعمال تزداد لدرجه تهدد النظام. وفي حالات اخري، كان النظام يفوض دوره في توفير الخدمات الاجتماعيه الي رجال الاعمال مما ادي الي وجود علاقه ثلاثيه متكامله بين النظام ورجال الاعمال والعملاء. ومن جانب اخر، كان هناك رجال اعمال رفضوا استماله النظام لهم، من بينهم رجال اعمال غير ملتزمين بالقانون او راديكاليين، وتسبب ذلك في استبعادهم من المشاركه في العمليه السياسيه، وايضاً خلق النظام انقسامات فيما بينهم.

تلك الاشكال المختلفه من الاستمالات والاستبعادات من جانب النظام لرجال الاعمال الراديكاليين والانقسامات التي خلقها بينهم افرزت نظاماً اقتصادياً جديداً من الاستبداد.

هذا الشكل الاقتصادي والمعتمد علي استماله رجال الاعمال تحرك من عهد عبد الناصر الي مبارك مروراً بالسادات بطرق مختلفه. ورغم تخلص عبد الناصر من السلطه الاقتصاديه والسياسيه التي كانت بايدي ملاك الاراضي من النظام السابق له، الا انه لم يستطع ان ينفذ خطته التنمويه الا بالتعاون مع بعض اعضاء الطبقه العليا واستمالتهم من هذا النظام. كان مسموحاً لهم بالعمل في التجاره والانشاءات وتراكم ثرواتهم مقابل تقديم الخدمات لخطه ناصر التنمويه.

كما تقفز مقدمه الطاروطي لكتابها ايضاً الي عصر السادات الذي حاول جذب الاستثمارات الاجنبيه والتحالف مع الغرب، وكان ذلك سبباً في اعتماد اقتصاده السياسي الاستبدادي علي خلق قوه اجتماعيه غنيه مرتبطه بالراسماليه الاجنبيه. نتج عن التحرر الاقتصادي الذي صنعه السادات استماله وتعاون مع الطبقه البرجوازيه التي صنعها الانفتاح علي مستويات مختلفه (بواسطه الراسمال الاجنبي او النظام من خلال المسؤولين الكبار في الحكومه).

وعند وصول مبارك الي الحكم قام بابعاد تلك الطبقه البرجوازيه وفصلهم من الحزب الحاكم بسبب اتهامات بالفساد. وفي نفس الوقت، استمال اعضاء اخرين من برجوازيي الانفتاح، مثل ملاك شركات الاستثمار الاسلاميه. ورغم ذلك ايضاً، عندما مثّلوا تحدياً للنظام تم منعهم من متابعه اعمالهم واغلقت شركاتهم.

زاد  التحرر الاقتصادي في مصر خلال فتره التسعينيات من سلطات رجال الاعمال الماليه والهيكليه (في بناء وتوزيع السلطه). لذا تعامل النظام مع تحديات التحرر الاقتصادي من خلال استماله رجال الاعمال مجددا والتعاون معهم، كما حدث مع احمد عز ورامي لكح ومحمد ابو العنين وقضيه قروض البنوك التي تورط فيها نواب برلمانيين.

ويستعرض الكتاب ايضاً للعديد من حالات رجال الاعمال وعلاقاتهم بنظام مبارك وكيف كون النظام شبكه علاقات بين رجال الاعمال، وكيف وصلوا –رجال الاعمال- الي قلب العمليه السياسيه. وفي الفصل الثالث، تناولت الكاتبه  واقعه تظهر كيف اصبح رجل الاعمال احمد عز اقوي من النظام في بعض الاوقات.

تتحدث الكاتبه في بحثها عن ان الفساد تخطي بيع وشراء الاصوات الانتخابيه ووصل الي داخل البرلمان نفسه.

كان ذلك واضحاً حين عمل احمد عز لمصلحته الشخصيه بالتدخل من اجل تعديل القانون رقم 3 لعام 2005 المتعلق بحمايه التنافس ومنع ممارسات الاحتكار، والذي سمح له بمواصله ممارساته الاحتكاريه.

مر مشروع القانون بعده خطوات، الاولي، عندما اكد وزير التجاره انذلك رشيد محمد رشيد ان هناك رجال اعمال داخل البرلمان يحتكرون تجاره الحديد وطالب بتغليظ الغرامات وجعلها متناسبه مع الفعل الاحتكاري. ونتيجه لذلك، قدمت الحكومه مشروعاً بقانون يجعل العقوبه علي الاحتكار تصل الي 10% من دخل المبيعات. وحينما عرض علي مجلس الشوري اقترح اعضائه رفع النسبه الي 15%.  وعند مقارنه كل مراحل خروج القانون حتي شكله النهائي نجد ان العقوبات جميعها كانت اكبر من القانون النهائي الذي تم تشريعه.

في القانون الذي تم التصديق عليه، تم تغيير الغرامه من 15% من دخل مبيعات الاحتكار الي غرامه حدها الاقصي 300 مليون جنيه. ومن الجدير بالذكر انه لو تم التصديق علي نسبه 15% من الارباح لكن من المفترض لاحمد عز ان يدفع مبلغ قدره 1.7 مليار جنيه.

ووفقاً للطاروطي، يبدو ان القياده كانت علي علم بما فعله عز ليمرر القانون لمواصله ممارساته الاحتكاريه، فمبارك لم يتخذ اي اجراء قوي من اجل ايقاف رجل الاعمال. وكما قال رئيس مجلس الشعب السابق، فتحي سرور: ”لقد اوصلت الامر الي الرئيس، واخبرته ان هذا القانون يجب الا يمر. لذا تحدث الرئيس الي الامين العام للحزب صفوت الشريف من اجل حل المساله. جاء الشريف الي مكتبي واتصل بعز واخبره باعتراض الرئيس… بالرغم من ذلك، تمسك عز بقراره واكد انه لن يغير القانون، وفي حاله انني رغبت في تعديله سيقوم –عز- بحث اغلبيه اعضاء الحزب علي رفضه… في هذه المرحله، شعرت ان عز اقوي من الرئيس، وهو يمثل قوه خطيره بعصيانه للرئيس“.

ويدل ذلك، حسب ما جاء في الكتاب، علي ان شكل العلاقه بين النظام وعز تطورت من مجرد تعاون واستماله الي تبعيه متبادله. لم يستطع النظام التحرك ضد عز، لانه كان راعياً اساسياً لحملات الحزب الحاكم ومبارك الانتخابيه، ومشروع توريث جمال مبارك. كما صنع عز ثروته من ممارسات غير قانونيه فاصبح بحاجه الي النظام من اجل الحمايه. ورغم تلك التبعيه المتبادله بين عز والنظام، عندما اندلعت مظاهرات 25 يناير 2011، اصبحت تلك العلاقه عبئاً علي النظام. وفي محاوله تقديم تنازلات الي المتظاهرين قرر النظام فصل احمد عز من الحزب الوطني في 29 يناير، وفي يوم 3 فبراير تم منعه من السفر. تلك العلاقه المتبادله بين عز ونظام مبارك كانت تقضي بان بقاء كل عنصر معتمد علي بقاء الاخر. وظهر الوجه الاخر للعلاقه عندما سقط احدهما، فسقط الاخر.

وفي الفصل الخامس من الكتاب، تقول الطاروطي ان اهتمامها الاكبر فيه كان تصور كيف تطورت العلاقه الشخصيه بين مبارك مع رجال اعمال محددين. يناقش الفصل ان هناك رجال اعمال لم يندمجوا في العمليه السياسيه، سواء بالترشح للبرلمان او الانضمام لأحزاب سياسية، لكنهم طوروا من علاقتهم الشخصيه مع مبارك  ومسؤولين حكوميين رفيعي المستوي، ومن هؤلاء أحمد بهجت ومحمد نصير. ويضيف الكتاب ان رجال اعمال اخرين كنجيب ساويرس وعائلته خلقوا شبكه علاقات مع عائله مبارك. وتباين حجم تلك الروابط من مبارك الي عائلته الي كبار رجال الحكومه، وكان لذلك تاثيراً في اعاده توزيع وانتهاك موارد الدوله. وذكرت الكاتبه مثال علي ذلك كبيع اراضي تابعه للدوله ومؤسسات باسعار مخفضه، والتهرب من الضرائب، والاقتراض من البنوك العامه دون ضمانات. ومقابل ذلك يقدم رجال الاعمال ما يساعد علي بقاء نظام مبارك الاستبدادي. علي سبيل المثال، يمولون قنوات وصحف داعمه لمبارك، وعائلته، ونظامه، بالاضافه الي اعمال خيريه تعويضاً عن عدم تقديم الدوله للخدمات الاجتماعيه.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل