المحتوى الرئيسى

السودان فى خطر دائم

09/21 23:29

السودان يواجه تحديات مهوله، واي هزه سياسيه قد تكون لها نتائج وخيمه. كتب الاستاذ حيدر ابراهيم علي مقالاً مهماً في جريده «القدس» عن سؤال: لماذا لم تصل عواصف ما يُسمي مجازاً بـ«الربيع العربي»، ذلك القطر الجنوبي الصاخب: السودان؟ رغم ان السودان كان وما زال يموج بالصراعات والغضب، فقد ظل ساكناً. فاحتار المراقبون في تفسير ذلك الصمت المريب.

ووجد البعض التفسير في فكره الاستثناء، لكنهم اختلفوا حول لماذا يكون السودان استثناءً؟ ومن ناحيه اخري، كان من الطبيعي ان يحاول النظام تجيير عدم الحراك الشعبي في السودان لصالحه، واعتباره دليلاً علي الرضا وقبول النظام. ويروّج لفكره اختلاف الظروف في السودان، وانه لا يعاني من غياب الديمقراطيه والفساد، مثل الدول التي انتفضت شعوبها. ووصل الامر بالنظام الي درجه ترديد اعلامه القول ان ربيع السودان جاء مبكراً مع انقلاب النظام الحالي، اي منذ صيف 1989.

ومن الخطا فهم عدم الحراك من خلال اختلاف الاوضاع السياسيه السودانيه او انها افضل. لكن يعود الهدوء الظاهري الي طبيعه الشخصيه السودانيه التي تميل الي الحلول الوسط اكثر من المواجهات والحسم السريع. حقيقه لم يشهد السودان حروب الشوارع والقصف مثل سوريا واليمن وليبيا، لكن كما يقال: «من لم يمت بالسيف مات بغيره». فالسودانيون في كثير من المناطق يموتون بغيره، فهم يعانون من نقص الغذاء او المجاعه، والاوبئه وغياب العنايه الصحيه، والنزاعات القبليه. وتحوّلت البلاد الي حكم دوله فاشله، اذ يعيش السودان نزيفاً مستمراً في موارده الاقتصاديه والبشريه. فقد فقدت الدوله سيطرتها علي كامل ترابها الوطني، وتراجعت عن تقديم الخدمات الاساسيه المتوقعه منها مثل الصحه والتعليم.

لم تحظَ التجربه السودانيه خلال ربع القرن الماضي للاسف، بالاهتمام العربي المستحق. وقد يعود ذلك الي كون السودان قطراً هامشياً، كما ان تفاصيله شديده التعقيد. رغم ان التجربه شهدت اولي بروفات تقسيم العالم العربي مع انفصال الجنوب عام 2011. وهو للمفارقه عام انطلاقه الانتفاضات الشعبيه العربيه. فقد استولت الحركه الاسلاميه السودانيه علي السلطه عن طريق الانقلاب العسكري في 30 يونيو 1989. وبعد فتره قصيره من التقيه، اعلن الانقلابيون عن اول «مشروع حضاري اسلامي» في بلد سني. ولان الاسلامويين كانوا اقليه شعبياً، فقد حصلوا في اخر انتخابات (1986) علي نسبه حوالي 5% من الاصوات فقط، رغم المقاعد التي منحتها لهم دوائر الخريجين. وقد فرض عليهم ذلك الشعور الاقلي، ضروره ابتكار وسائل ناجعه لتامين السلطه. وقد استوجب ذلك التركيز الكامل علي الاجهزه الامنيه، بل صارت هي التي تحكم فعلياً لعدم وجود حزب قوي. وكان من اولويات خطه ما سمي لاحقاً بالتمكين، ابعاد كل المعارضين او المعارضين المحتملين من جهاز الخدمه، ثم فتح باب الهجره لكل من يرغب في الخروج من الوطن. وهذا يعني افراغ البلاد من الكوادر المهنيه، وفي الوقت نفسه من الناشطين نقابياً وسياسياً. فقد كان الانقلابيون يعملون علي تاسيس مجتمع جديد تماماً، تطبيقاً لشعارهم: «اعاده صياغه الانسان السوداني». وانشئت وزاره سُميت «وزاره التخطيط الاجتماعي» تعمل علي تحقيق ذلك الهدف من خلال الاعلام والثقافه والدين والتعليم، كما يظهر من اقسامها المتعدده. وشرعت الدوله -بالفعل- في خلخله كل ثوابت المجتمع السوداني الثقافيه والقيميه والاخلاقيه. ثم اكملت الازمه الاقتصاديه تحطيم ما تبقي.

نجحت السلطه الجديده في القيام باخطر واصعب مهمه في تاريخ السودان المعاصر. فقد تم اجتثاث النخب الحديثه التي ظلت تتكون منذ مطلع القرن الماضي، بدعوي انها نبت استعماري. وقطع النظام بسياساته واجراءاته الامنيه والاداريه، الطريق امام التطور التحديثي الذي كان السودانيون يتوقون الي تاسيسه بعد الاستقلال.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل