المحتوى الرئيسى

عدنان العافية يكتب: الماركيتنغ السياسي لا براءة ألمانيا | ساسة بوست

09/21 09:21

منذ 1 دقيقة، 21 سبتمبر,2015

تقوم القِوى الاقتصادية والسياسية الكبرى بترتيب وتأثيث المشهد السياسي الدولي بما يتناسب ورؤيتهم المستقبلية للأحداث، وبما يصبّ في وادي مصلحتهم المرحلية ليخدم أجنداتهم الداخلية والخارجية على حدّ سواء. فتقوم هاته القِوى بعمليات تجميلية لتزيين الصورة الخارجية للبلاد ولتُصحح عيوب الحِمية الاقتصادية والسياسية المُطبّقة داخليًّا على حساب دول أو مواطنين أجانب، تماشيًا مع المعطيات المتوفرة لديهم في مرحلة مُعيَّنة.

وفي ظل تساوي ميزان القوى العالمية الكبرى، سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري، حيث انتقلنا من مرحلة أحادية السيطرة العالمية، والتي كانت تقودها الولايات المتحدة مُسيطرة على زمام الاقتصاد والسياسة العالميتين، مزيحة الاتحاد السوفيياتي، بداية ومنتصف التسعينيات من القرن الماضي؛ إلى مرحلة جديدة تتوزع فيها السيطرة أو تتساوى فيها مجموعة من القوى أو الدول، وهو ما خلف نوعًا من التسابق نحو ما يُمكن تسميته بـ”مكياج الإنسانية”

وهو ما يشبه عملية تلميع الأحذية القديمة، في محاولة لتلميع صورة الشبح الأوروبي القاتل، الذي تملّص من إنسانيته في مجموعة من المواعيد التي شهدتها الساحة الدولية خلال القرون السابقة، وحتى العقد الأخير من القرن الماضي.

لذلك يجب ألّا نهلل كثيرًا للخطوة التسويقية أو “الماركوتينية” التي تقوم بها ألمانيا تجاه المواطنين السوريين الهاربين من جحيم الحروب والصراعات الدموية العنيفة، مستغلّين هذا اللجوء لنسب ترحيل السوريين للجهة التي تُعارض مصالحهم، فمرّة يتم نسبها للنظام السوري الحاكم، وتارة لداعش – الإرهابية – وتارة لمقاومة انسحبت منذ وقت طويل، وذلك بما تقتضيه المرحلة.

ثم يجب ألّا نصدّق أن الخطوة التي تقوم بها ألمانيا لها مقصد إنساني خالص فحسب! بل لها أبعاد أخرى لا تخلو من مصالح تخدم الدولة الجرمانية بشكل مباشر وواضح.

ببساطة لأن ألمانيا هي آخر دولة أوروبية فتحت أبوابها للسوريين، وهذا الموقف يأتي بعد أسبوع من إعلان السيدة ميركل عن الخصاص الذي تُعاني منه دولتها على مستوى اليد العاملة، والتي ستتفاقم بعد خمس سنوات، وبالتالي فهي فرصة جد مناسبة لاستقطاب عمَّال في أمس الحاجة لدخل قار مما يُسهِّل عليها إدماجهم وانضباطهم كذلك،

وحتى تُطبّق ألمانيا بذلك مبدأ من مبادئ الرأسمالية المعروف بـ -The maximum profit- أعطوا لهذه الفرصة غلافًا إنسانيًّا راقيًا. مستغلّين تعاطف العرب والمسلمين بألمانيا وخارجها الذين يجودون بكل سخاء وبكل ما استطاعوا من أجل إخوانهم السوريين -وذلك حسب تصريحات أحد السوريين الذي أكد أن أغلبية المتطوعين هم عرب مُسلمون.

ثم علينا أن نعلم أن اللاجئين السوريين الذين استطاعوا أو يستطيعون الوصول إلى ألمانيا لهم سيولة مادية محترمة، إذ عليهم دفع ما يُقارب 9000 يورو عن كل فرد موزعة على سماسرة الطريق ليعبروا بهم السياجات الحدودية والبحار الفاصلة بين الدول، مما يجعلنا أمام “انتقائية الاختيار” من طرف ألمانيا النازية أو الإنسانية عفوًا! وإلَّا لِمَ لَمْ تفتح ألمانيا باب الدخول مباشرة إليها من طرف السوريين من أقرب المطارات لسورية؟ وتوفّر عليهم عناء ومخاطر الطريق الشاق إليها.

ألمانيا ليست “عبيطة” لاستقبال السوريين بدافع إنساني محض، – وأضع سطرين تحت كلمة محض حتى لا أنفي الوازع الإنساني من المبادرة بشكل نهائي وإن كان بنسبة ضعيفة جدًا من طرف الجانب المدني – وإلاّ لكانت تدخلت منذ خمس سنوات في وجه نظام بشار الأسد، أو على الأقل لقامت بالضغط على المجتمع الدولي لإيقاف المجازر بسورية، بدل ازدواجية المواقف بين موقفها الانتقائي للاجئين في الوقت الراهن، وموقفها من الحرب في سورية بشكل عام. أو اتخاذ موقف جريء وواضح في حق المؤسسات الممثلة لنظام بشار في ألمانيا، والضغط عليه بورقة مقعده في الأمم المتحدة.

نقطة أخرى تُعرّي الوجهَ الآخر للترحيب بالسوريين في ألمانيا؛ وهو الزخم الإعلامي – اللابريء – الذي رافق هذه المبادرة، عِلْما أن العدد الذي استقبلته ألمانيا من اللاجئين هو عدد ضئيل جدًا مقارنة مع دول أخرى لا تتوفر على عُشر إمكانيات ألمانيا الجرمانية! فلبنان مثلاً على صِغَر مساحته وإمكانياته يحتضن أكثر من مليون لاجئ سوري،

في حين يضُمّ الأردن مليونًا ونصف المليون لاجئ في أراضيه، أمّا تُركيا فتتربع على القائمة بضمّ ما يقارب 4 ملايين لاجئ، وكلنا تابعنا برنامج خواطر 11 وشاهدنا كيف توفّر الحكومة التركية مخيمات 5 نجوم لصالح السوريين،

ومع ذلك نرى أن هاته الدول شبه غائبة عن الضجة والمشهد الإعلامي الذي يخدم المصالح الألمانية، خصوصًا إنْ علمنا أن دول القارة الأوروبية مجتمعة استقبلت 350 ألف لاجئ سوري فقط، وبعملية حسابية بسيطة نكتشف كيف أن ألمانيا لا تتجاوز حصّتها 9000 أو 10000 لاجئ فقط! استغلتهم تسويقيًّا لتلميع صورتها على المستوى الدولي أكثر من اللازم.

إن فتح الأبواب الألمانية في وجه اللاجئين السوريين “المنتقين” بعناية هي خطة محكومة ومدروسة بإتقان. أنجيلا ميركل أعلنت بشكل واضح أنها بحاجة ماسة لليد العاملة، وهي تعلم جيدًا طبيعة الشعب السوري، وخلقه وانضباطه وسلميته، وتعلم جيدًّا أن نسبة الأمية في سورية لا تتعدى 7%، لذلك فتحت أبوابها أمام السوريين الذين يصلون إلى قلب ألمانيا طوعًا لأنها كانت ستقبلهم كراهية، ولم تفتح لهم خطًا للطيران من أقرب النقاط لسورية كالأردن ولبنان وتركيا، فهي تعلم جيدًا متطلباتها وقدرتها الاستيعابية لسد خصاص العمالة الرخصية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل