خطبة الوداع .. إعلان نبوي لحقوق الإنسان

بقلم – هاني ضوَّه :

لم يحج النبي صلي الله عليه واله وسلم الا حجه واحده حرص فيها الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلي اله ان يعلم المسلمين مناسك الحج الصحيحه التي كان عليها ابو الانبياء سيدنا ابراهيم عليه السلام بعد ان حرفت من بعده، لذا قال للمسلمين يومها: "خذوا عني مناسككم"، كما حرص النبي صلي الله عليه واله وسلم في خطبه الوداع التي القاها علي المسلمين في الحج علي صعيد عرفات، ان يرسي فيهم مقاصد الدين العليا ويعرفهم بحقوق الإنسان علي اخيه الانسان حتي تستقيم الحياه وتعَمُر الارض.

لقد مثلت خطبه الوداع للحبيب صلي الله عليه واله وسلم اول اعلان رسمي لحقوق الانسان، حيث اختصرت معالم الدين ومقاصده العليا التي سعي النبي صلي الله عليه واله وسلم لنشرها علي مدار سنوات الدعوه التي بلغت ثلاث وعشرين سنه، فوضعت الخطبه ضوابط انسانيه عظيمه تؤكد علي عدم التمييز بين البشر مهما كان دينهم او لونهم او جنسهم او معتقدهم، وعظمت من حرمه سفك الدماء وسرقه الاموال وهتك الاعراض، واوصت الرجل بالمراه واستفاضت في ذلك، فسبقت خطبه الوداع في ذلك المواثيق والقوانين الدوليه لحقوق الانسان التي اعلنت فيما بعد ويتباهي الغرب بها.

ففي خطبه الوداع وضع النبي صلي الله عليه واله وسلم قواعد انسانيه مهمه قرر فيها ان للانسان علي اخيه الانسان حقوق وحرمات ابديه يجب الا يتعداها لكي يحي البشر في تراحم وتالف وتكامل مطمئنين، ليقوموا بمهمتهم في عماره الكون، واكد فيها كذلك علي ضروره حفظ الامانات بكل ما تحمل الكلمه من معني فالدين امانه، والمال امانه، والعرض امانه، والصحه امانه، والجسد امانه، وحفظ حقوق العباد امانه، كما اقر صلوات الله وسلامه عليه وعلي اله مبدا المساواه بين البشر كونه انسانًا له حقوق وعليه واجبات لا تفرقه بين انسان واخر .. فكل بشري محفوظ دمه وماله وعرضه في الاسلام.

ولم يغفل النبي صلي الله عليه واله وسلم حقوق المراه التي شدد الوصيه بها، بل اعتبر المراه امانه عند الرجل سيسال عنها يوم القيامه ان قصر في حقها واذاها.

وحتي حق المجتمع ارساه الحبيب صلي الله عليه واله وسلم باقرار بعض الاحكام الفقهيه التي يتغافل عنها الكثير من الناس حتي وصلنا الي حاله مذريه من الفساد في مجتمعاتنا، مثل اخذ الربا فنبه علي حرمته، وكذلك شرع القصاص واحكام المواريث والوصيه ووضع ضوابط لقضايا النسب، لان كل هذه الامور تنعكس بشكل مباشر علي المجتمعات وتؤثر عليها وعلي استقرارها وامنها المجتمعي.

واترككم مع نص خطبه الوداع للحبيب محمد صلي الله عليه واله وسلم لتتاملوها وتتدبروا معانيها الراقيه التي لو اتبعها كل مسلم لصلحت حال امتنا، ولانشغلنا بعماره الارض عن الصراعات والفساد.

قال النبي صلَّي الله عليه واله وسلم -: "ايها الناس: اسمعوا مني ابيِّن لكم، فاني لا ادري لعلِّي لا القاكم بعد عامي هذا، في مَوقفي هذا.

ان دماءكم، واموالَكم واعراضكم، حرامٌ عليكم الي ان تَلقَوْا ربَّكم، كحرمهِ يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، الا هل بلغتُ، اللهم فاشهد، فمن كانت عنده امانه، فليؤدِّها الي من ائتمنه عليها.

ان ربا الجاهليه موضوع، وان اول ربًا ابدا به ربا عمي العباس بن عبدالمطلب، وان دماء الجاهليه موضوعه، وان اول دم ابدا به دم عامر بن ربيعه بن الحارث، وان ماثر الجاهليه - يَعني اعمالها - موضوعه، غيرَ السِّدانه والسقايه، والعَمْد قَوَدٌ – يَعني: القتل العمد قصاص - وشِبْهُ العَمد ما قُتِلَ بالعصا والحَجَر، وفيه مائه بعير، فمن زاد، فهو من اهل الجاهليه.

انَّ الشيطان قد يئسَ ان يُعبدَ في ارضكم، ولكنه قد رضي ان يُطاعَ فيما سوي ذلك مما تحقرون من اعمالكم.

ان النسيء زيادهٌ في الكفر، وان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض، وان عدهَ الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض، منها اربعهٌ حُرم: ثَلاثٌ متواليات، وواحدٌ فرد، الا هل بلَّغت، اللهم فاشهد.

ان لنسائكم عليكم حقًّا، ولكم عليهن حقٌّ؛ الا يُوطِئنَ فُرُشَكم غيرَكم، ولا يُدخِلنَ احدًا تكرهونه بيوتكم الا باذنكم، ولا ياتِينَ بفاحشهٍ، فاذا فعلنَ ذلك، فانَّ الله اذِنَ لكم ان تَهجروهُنَّ في المضاجع"، ثم قال: "فان انتهينَ واطعنكم، فعليكم رزقهُنَّ وكِسوتهُنَّ بالمعروف، وانما النساء عوانٍ عندكم - يعني في بيوتكم- ولا يَملكنَ لانفسهِنَّ شيئًا، اخذتموهُنَّ بامانه الله، واستحللتم فروجَهنَّ بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهنَّ خيرًا، الا هل بلغت، اللهم فاشهد.

انما المؤمنون اخوه، ولا يَحلُّ لامرئٍ مالُ اخيه الا عن طيب نفسٍ منه، الا هل بلغت، اللهم فاشهد، فلا ترجعوا بعدي كفَّارًا يَضرب بعضُكم رقابَ بعض، فاني قد تركتُ فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعده؛ كتاب الله.