المحتوى الرئيسى

إسلام ماهر يكتب: نَظَريَّة التَّطوُّر: نَظْرَة تاريخيَّة | ساسة بوست

09/20 07:20

منذ 2 دقيقتين، 20 سبتمبر,2015

يَعتقد البَعض أن نَظَريَّة التَّطوُّر “حَقيقة” اِكْتَشفها العُلماء كنَتيجة للتَّقدُّم العِلْمي الَّذي شَهدته البَشريَّة في القَرنين أو الثَّلاثة الأخيرين، واِنْطِلاقًا مِن تلك “الحَقيقة” زَعمت طائِفة أن تَفسير الحَياة على أُسُس دينيَّة “خُرافة” لا شأن لها بالعِلْم، وأن الحَياة لا بُد أن تُفسَّر تَفسيرًا ماديًّا لأن المادَّة هي أصل الحَياة؛ هكذا أثبت العِلْم، بينما قالت أُخرى أن التَّطوُّر “حَقيقة”، لكنه “وَسيلة” أوجدها الله لنَشأة الحَياة، وهُم بذلك يُريدون التَّوفيق بين “التَّطوُّر” و”الدِّين”.

غير أن نَظَريَّة التَّطوُّر – أو ما يُعرف بالدَّاروينيَّة – لم تكن إلَّا تَجسيدًا “ذا طابع عِلْمي” للفلسفة الماديَّة، الضَّارِبة في تاريخ أوروبا إلى ما يزيد عن سِتّة قرون قبل الميلاد.

فهذا أنكسماندر Anaximander (610 : 546 قـ.مـ) – أحد فَلاسفة ما قبل سُقراط – يقول بالأساس الَّذي قامت عليه الدَّارونيَّة. فـ “ظاهِر مِن أقوال أنكسماندر أن مسألة الخَلق عنده هي مسألة تحوُّل مِن شَكل إلى شَكل ومِن صورة إلى صورة وليست مسألة إنشاء أو إحداث بعد عَدَم، وأن المادَّة الأوَّليَّة الَّتي تؤول إليها جَميع المَوجودات هي كذلك مَصدر الأرباب وأنصاف الأرباب، ومَصدر المُحرِّكات والمُتحرِّكات”[1].

وداروين – ومَن تبعه مِن العُلماء التَّطوُّريين – لم يزيدوا سوى إكساب تلك الفَلسفة طابِعًا عِلْميَّاً يتَّفق مع روح أوروبّا، الآخذة بأسباب “العِلْم”، المُنسلخة مِن سُلطان “الدِّين”.

ولا شَك أن أسبابًا قد ساهَمت في خروج تلك النَّظَريَّة في ذلك التَّوقيت، وأُخرى روَّجت لها هذا الرَّواج الَّذي جَعل مِنها “حَقيقة” عند أنصاف المُتعلِّمين وأصحاب الأهواء، حَتَّى نَفهم تلك الأسباب علينا أن نَستعرض أوَّلًا – وبإيجاز شَديد – نَظَريَّة التَّطوُّر.

تدَّعي النَّظريَّة أن الكائنات الحيَّة – بما في ذلك الإنسان – تنحدر مِن أصل مُشترك؛ فالثَّدييات تطوَّرت عن الزَّواحف، والزَّواحف عن البرمائيات، والبرمائيات عن الأسماك، وكذلك فإن الطُّيور تَنحدر مِن الدِّيناصورات، والإنسان يرجع أصله إلى القردة!

كما يبدو فإن النَّظريَّة تُعطي إيحاءً بأن الحَياة قد بدأت في المياه ثم اِنْتقلت إلى اليابسة، أمَّا عن أصل الأسماك، فهو على كُل حال واِنْطِلاقًا مِن أي تصوُّر يعود إلى أبسط مَعاني الحَياة؛ الخليَّة الحيَّة، وإن شئت الخوض فيما هو أبعد من ذلك، فإن النَّظريَّة لا ترى عجبًا أن تكون الخليَّة “الحيَّة” نِتاجًا للمادَّة “غير الحيَّة” كنَتيجة للصُّدفة!

نَعود إلى الأسباب، فنَقول بدايةً أن أُوروبَّا قد شَهدت في تلك الأثناء مَرحلة فاصِلة في تاريخها الحَديث؛ فالثَّورة الصِّناعيَّة (1760 : 1830 مـ) كانت في أشد حاجتها إلى العمالة، وهو ما يعني تَهديد الرَّأسماليَّة للإقطاع، وتَهديد الإقطاع تهديد للكَنيسة والطَّبقة الأرستُقراطيَّة. فلمَّا جاءت الثَّورة الفرنسيَّة (1789 : 1799 مـ)، اِنفصلت الدَّولة عن الدِّين، بعد أن كان للكَنيسة ورِجالها مُطلق السُّلطان،

وكما أقامت الكَنيسة عداوتها ضد العِلْم ورِجاله، لمَّا أحسَّت أنَّه تَهديد لسُلطانها وكاشِف لخُرافاتها، قامت العداوة ضِد الدِّين. فقد أرادت العُقول “المُتحرِّرة” أن تَهدم الأساس[2] الَّذي يَقوم عليه الدِّين[3]، أو على الأقل تُشكِّك فيه، حَتَّى لا تَقوم له قائِمة مِن جَديد، ولأن اِنْتِصار العِلْم في مُقابل الدِّين، أعطاها إيحاءً بأن الدِّين خُرافة لا تَقوم على أساس عِلْمي سَليم، ولا تَليق بالعَقل الحُر المُستنير،

كذلك فإن القيم الأخلاقيَّة والاِجْتِماعيَّة المُتأصِّلة في المُجتمع ذات أساس ديني، وهي قيم “مُعطِّلة” لما تُخطِّط له الرَّأسماليَّة[4]، فلا بُد إذًا أن تُنحَّى القيم المُنبثقة مِن الدِّين لتحل مَحلها قيم جَديدة، وأفضل الطُّرُق لتَحقيق ذلك أن يُهدم الدِّين مِن الأساس، فتُصاغ الأخلاق على أُسُس جَديدة.

سواء وعى داروين Darwin (1809 : 1882 مـ) ذلك أو لم يعِه، وسواء قرأ ما قاله أنكسماندر وغيره مِن المادِّيين أو لم يقرأه، فإن أسبابًا أُخرى قد شكَّلت عنده ذلك التَّصوُّر المَزعوم بشأن أصل الأنواع، فقد ساد الاعْتِقاد أنَّه مِن المُمكن للحَياة أن تنشأ مِن مواد غير حيَّة[5] فيما يُعرف بالتَّوالُد الذَّاتي Spontaneous Generation، وبالتَّالي فإن فِكْرة “الحَياة مِن المادَّة غير الحيَّة” لم تكن جَديدة،

ولامارك Lamarck (1744 : 1829 مـ) قد تحدَّث عن تطوُّر الكائنات، وكان مِن بين ما قال أن الزَّرافة اِكْتسبت رقبة طويلة لأنَّها دائمًا ما ترفع رقبتها إلى الأشجار، ففِكْرة “التَّطوُّر” أيضًا لم تكن جديدة، بل إن فِكْرة “الانْتِخاب الطَّبيعي”، وهي الطَّريقة الَّتي فسَّر بها داروين عَمَليَّة التَّطوُّر، لم تكن سوى فِكْرة طَرحها الباحِث الإنجليزي توماس مالتوس Thomas Malthus (1766 : 1834 مـ) في كِتابه “An Essay on the Principle of Population”

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل