المحتوى الرئيسى

هل حج الأنبياء السابقون؟ وهل أمروا أقوامهم بالحج؟

09/19 03:32

يجيب لجنه الفتوي بدار الافتاء المصريه :

فرض الله تعالي طاعته علي الخلق جميعًا؛ فانهم لذلك خُلقوا، قال الله تعالي: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنْسَ اِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.. [الذاريات:56]، وارسل رسله الكرام بذلك، ولم تختلف الرسل في ثوابت الرساله كتوحيد الله وعدم الاشراك به، كما قال الله تعالي: {وَمَا اَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ اِلَّا نُوحِي اِلَيْهِ اَنَّهُ لَا اِلَهَ اِلَّا اَنَا فَاعْبُدُونِ}.. [الانبياء:25]، وقال: {وَاسْاَلْ مَنْ اَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا اَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ اَلِهَهً يُعْبَدُونَ}.. [الزخرف: 45].

اما في فروع الشريعه فقد تختلف الاحكام من شريعه لاخري كما قال الله تعالي: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَهً وَمِنْهَاجًا} [المائده:48]، وقال: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ اُحِلَّتْ لَهُمْ}.. [النساء:160]، وذكر لنا قول عيسي لبني اسرائيل في ذلك: {وَلِاُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} .. [ال عمران:50]، وغير ذلك كما هو معلوم.

ورسل الله هم الذين قال الله تعالي فيهم: {اُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَي اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}.. [الانعام:90]، فلا ريب انهم اول من يلبي نداء الله بحج بيته، وقد وردت الاحاديث تؤيد وتوضح ذلك اجمالا وتفصيلا، فقد اخرج الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ اَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: اَنَّ النَّبِيَّ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَهَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ اَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

ويوضح هذه الروايه ما رواه البيهقي في سننه عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «اكثر دعائي ودعاء الانبياء قبلي بعرفه لا اله الا الله» وذكر الحديث.

وقد وردت الاثار عن السلف ايضًا بنحو ذلك، فعن عبد الله بن ضمره السلولي قال: ما بين الركن الي المقام الي زمزم قبر تسعه وتسعين نبيًّا، جاءوا حجاجًا فقُبروا هنالك.

وعن مُجاهد قال: حج خمسه وسبعون نبيًّا، كلهم قد طاف بالبيت وصلي في مسجد مني، فان استطعت ان لا تفوتك الصلاه في مسجد مني فافعل.

وعن عبد الله بن عباس رضوان الله عليه انه كان يقول: لقد سلك فج الروحاء سبعون نبيًّا حجاجًا، عليهم لباس الصوف، مخطمي ابلهم بحبال الليف، ولقد صلي في مسجد الخيف سبعون نبيًّا. (روي كل ذلك الازرقي في اخبار مكه رقم 68، 69، 72، ط. الاندلس).

فهذا بعض ما ورد في حج الانبياء اجمالا، اما ما ورد في ذلك تفصيلا، فمن ذلك ما ورد النص علي بعضهم باعيانهم، كما في صحيح ابن خزيمه عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «ان ادم اتي البيت الف اتيه لم يركب قط فيهن من الهند علي رجليه».

وفي صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «اَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي الْاَزْرَقِ، فَقَالَ: اَيُّ وَادٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الْاَزْرَقِ. قَالَ: كَاَنِّي اَنْظُرُ اِلَي مُوسَي عَلَيْهِ السَّلَام هَابِطًا مِنْ الثَّنِيَّهِ وَلَهُ جُؤَارٌ اِلَي اللهِ بِالتَّلْبِيَهِ. ثُمَّ اَتَي عَلَي ثَنِيَّهِ هَرْشَي فَقَالَ: اَيُّ ثَنِيَّهٍ هَذِهِ؟ قَالُوا: ثَنِيَّهُ هَرْشَي. قَالَ: كَاَنِّي اَنْظُرُ اِلَي يُونُسَ بْنِ مَتَّي عَلَيْهِ السَّلَام عَلَي نَاقَهٍ حَمْرَاءَ جَعْدَهٍ عَلَيْهِ جُبَّهٌ مِنْ صُوفٍ خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَهٌ وَهُوَ يُلَبِّي. قَالَ هُشَيْمٌ يَعْنِي لِيفًا. وفي مسلم ايضا عَنْ اَبي هُرَيْرَهَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا اَوْ مُعْتَمِرًا اَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا».

فهذا ما يتعلق بالانبياء عليهم السلام.

اما ما يتعلق باقوامهم: فمعلوم انه ليس كل الاقوام قد امنوا برسلهم، فمنهم من امن ومنهم من كفر، فاما من كفر فاما ان يكون قد دعاهم نبيهم الي الحج فابوا الاذعان بالفرع اذ كفروا بالاصل، واما انه لم يدعهم الي الحج حتي يؤمنوا، كما ورد نظير ذلك في الحديث المتفق عليه عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ اِلَي اليَمَنِ: «اِنَّكَ سَتَاْتِي قَوْمًا اَهْلَ كِتَابٍ، فَاِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ اِلَي اَنْ يَشْهَدُوا اَنْ لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ، وَاَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَاِنْ هُمْ اَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَاَخْبِرْهُمْ اَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَهٍ، فَاِنْ هُمْ اَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَاَخْبِرْهُمْ اَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَهً تُؤْخَذُ مِنْ اَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَي فُقَرَائِهِمْ، فَاِنْ هُمْ اَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَاِيَّاكَ وَكَرَائِمَ اَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَهَ المَظْلُومِ؛ فَاِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ». فلما استمروا علي عنادهم لم يدعهم الي ذلك، ويكون هو قد حج ومن امن معه حينئذ او بعد هلاك الكافرين، وهذا الاخير قد يستانس له بما اخرجه الازرقي في اخبار مكه (رقم 68) عن محمد بن سابط عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: « كان النبي من الانبياء اذا هلكت امته لحق بمكه فيتعبد فيها النبي ومن معه حتي يموت فيه، فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب، وقبورهم بين زمزم والحجر».

واما من امن كبني اسرائيل فاما ان يكونوا قد امروا بالحج فجحدوا، وهذا ليس مستبعدا؛ اذْ مَنْ قتل الانبياءَ وعبد الطاغوت لا يستبعد منهم ان يعرضوا عن امر من الاوامر، او يكون قد استجابت امه منهم، كما قال الله تعالي عنهم: {مِنْهُمْ اُمَّهٌ مُقْتَصِدَهٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} .. [المائده: 66] وقال: {لَيْسُوا سَوَاءً} .. [ال عمران:113]، ويستانس له ايضا بما ذكره الصالحي في كتاب «سبل الهدي والرشاد» (1/212، ط. دار الكتب العلميه) «حج بني اسرائيل وغيرهم: روي ابو نُعيم عن مجاهد رحمه الله تعالي قال: كان يحج من بني اسرائيل مائه الف فاذا بلغوا انصاب الحرم خلعوا نعالهم ثم دخلوا الحرم حفاه. وروي ابن ابي شيبه والازرقي عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالي عنهما قال: ان كانت الامّه من بني اسرائيل لتقدم مكه، فاذا بلغت ذا طوي خلعت نعالها تعظيمًا للحرم. وروي الازرقي وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالي عنهما قال: حجّ الحواريّون، فلما دخلوا الحرم مشوا حفاه تعظيما للحرم».

وان ما لم نستطع الجزم بما ورد في هذه الاثار لعدم ورود شيء منها عن المعصوم صلي الله عليه وسلم، ولامكان تلقي هؤلاء المذكورين مثل هذه الامور عن اهل الكتاب، هذا لو صح الاسناد الي هؤلاء السلف.

ولو سلمنا جدلا ان رسلهم حجوا لكن لم يامروهم بالحج، فلا يكون ذلك خيرًا لهم، بل هو شر لهم؛ اذْ حُرموا من هذا الفضل العظيم.

فلو كان الحج لم يفعله الا الانبياء وفعله اتباع هذه الامه، لكان ذلك من خصائصها، وكانوا احق بها واهلها.

نرشح لك

أهم أخبار رمضان

Comments

عاجل