المحتوى الرئيسى

أوروبا تستنفر لمواجهة «ثورة اللاجئين»

09/19 01:16

امام الواقع الحالي، يمكن فقط لاجهزه الاستخبارات رصد الاحتقان الذي تنقله الخطوط الساخنه. زعماء الاتحاد الأوروبى سيعقدون قمه طارئه، يوم الاربعاء المقبل، في محاوله لايجاد حل مشترك «لازمه اللاجئين». هكذا يسمونها، مع انها تزيد انكشاف الازمه داخل الاتحاد الاوروبي ذاته. باتت الدول الأوروبية تتقاذف المشكله مثل كره اللهب، من يد الي اخري، وباسرع ما يمكن: فلتؤذ الاخرين.. ولكن لن اتركها تحرقني!

كرواتيا ترفض استداره السيل باتجاهها، بعدما صدته المجر باغلاق الحدود مع صربيا. نكايه، وعجزاً، سارعت حكومه زغرب الي توجيه السيل مجدداً في حدودها مع المجر، لتسارع الاخيره بدورها في بناء سياج عازل كالذي اتمّته مع صربيا. سلوفينيا اعلنت فرض الرقابه الحدوديه. بدروها ترفض ان ياتيها السيل من كرواتيا، حتي لو كان طريقه الي النمسا ثم «الحلم الالماني».

تقنيات تنصّت اجهزه الاستخبارات ليست في المتناول، لتبقي المخيله خياراً لا باس به لاعتراض الاتصالات. جهاز اعتراضها رصد هذه المكالمه الهاتفيه بين المستشاره الالمانيه انجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. كانا يتباحثان حول كيفيه فرض «تقاسم اعباء» اللاجئين، او سياسه «الحصص الالزاميه»، علي معكسر رفض يقوده رئيس وزراء المجر فيكتور اوروبان، مع بولندا والتشيك وسلوفاكيا. الحوار متخيّل، لكنه مبني حول الخلافات المعروفه ومعطياتها متصله:

ـ هولاند: اعرف ان وضعك الداخلي ليس بافضل حال، لكن ما كان ينبغي ان تقولي «نستطيع اداره الازمه»، ثم تعودين بعد اقل من اسبوع لتقولي «لا نستطيع ادراتها». يبدو ان النقاش لن ينفع مع اوروبان واصحابه، ما رايك؟

ـ ميركل: هذا جنون تام، هل رايت الصور التي انتشرت في العالم! هل هذه هي الصوره التي نريدها عن الاتحاد الاوروبي، اطفال رُضَّع يختنقون بالغازت! حسناً، لا اعرف، سنري الاربعاء. (وزير الخارجيه الالماني فرانك فالتر) شتاينمار اوصل لهم رساله واضحه، اذا لم يقبلوا حصص لاجئين سنتخلي عن التوافق ونصوّت بالغالبيه. لا نستطيع القول: هذه ليست مشكلتنا وندير ظهرنا. نصفُهم سوريون!

ـ هولاند: اعرف، اعرف ما تقصدين. لكن لا تحملونا المسؤوليه، سمعتهم حينما قالوا: فلتتفضل فرنسا وبريطانيا لحلّ الازمه بما انهما منخرطتان في الحرب السوريه. علي كل حال، اتوقع من وزيره دفاعكم (ارسولا فان دير لين) كلاماً اكثر ديبلوماسيه، ما كان ينبغي ان تقول «لا يوجد تقريباً اي معارضه معتدله بعد الان»، فيما نحن نبذل كل جهدنا للاقناع بالعكس. لا تفعلوا ما يريده الروس!

ـ ميركل: ارجوك اترك روسيا جانباً الان، دعنا ننتهي الان من هذه الازمه، اذا لم نحصل علي تسويه جيده علينا التصويت بالغالبيه، علينا ايجاد حل حقيقي، انت تعرف ان اغلاق الحدود لن ينفع، هؤلاء هاربون من حرب ولن يياسوا!

انتهت المحادثه المتخيله. لكن الاوروبيين يعرفون تماماً ما الذي يواجهونه. سيل اللاجئين تحول الي ثوره انسانيه بكل معني الكمله. السوريون لم يُكتب لهم عيش ثوره سلميه كهذه، مع هذا التاثير، علي ارضهم: الكاميرات حولهم في كل لحظه، صوره اي حادث قمعي تدور العالم خلال لحظات. الحكومات التي تحاول صدهم الان محرجه، فمظلتها إتحاد أوروبي يعتبر نفسه اهم المنادين بحمايه حقوق الانسان.

الحديث عن ثوره انسانيه، تحاول اوروبا مواجهتها، لا ينفي اطلاقا الاتصال بجسور المنطق. السوريون يثورون الان علي الجميع بحثاً عن «النجاه المشرفه». انها ثورتهم ضد «الجميع»، جميع راسمي مصيرهم الاسود في بلادهم. يجب الا يلومهم احد. الم يقل لهم مبعوث الامم المتحده، استيفان دي ميستورا، قبل ايام ان «الجميع مستعدون للحرب حتي اخر سوري»؟ هذا السيل، ببساطه ومنطق، ليس مستعداً لان يحارب به الاخرون حتي اخر انسان سوري.

ما تنقله الشاشات يرسم ايضاً ثوره مشرّفه. حينما تحدث المثل، لسان الذكاء الشعبي، عن «المرجله»، كان يقصد البطوله والشجاعه. اذا كان الهرب، في الاحوإل آلعاديه، هو ثلثا «البطوله»، فسيكون بقياسات الجحيم السوري «البطوله كلّها». اندفع السوريون يوماً طلباً للحياه، فشهدوا كيف اندفع «الجميع» لهدم بلادهم علي رؤوسهم. ها هم الان يواصلون دفع سيلِ مطلبِ الحياه الكريمه، بعدما ضاق بعضهم بقسوه ملاجئ الجوار المخزيه.

هكذا تواصل اوروبا عجزها عن مواجهه سيل يبحث عن «النجاه» بثوره انسانيه. الاليه ذاتها سادت: الخوف، البحث، ثم التمإس إلطريق لتقود الجموع بعضها، وتستقوي بكثرتها المسالمه. السوريون يرددون الان، امام صدّ وقمع المجر ومن يحاكيها، شعارات اولي مظاهراتهم نفسها، حركاتها وكلماتها.

لا يمكن لتكتل اوروبي القول ان لا علاقه له: لديه مقعدان في مجلس الامن، فرنسا وبريطانيا المنخرطتان في الحرب تسليحاً وسياسه، كما انه الاقتصاد الاكبر في العالم. انها ازمه اللجوء الاكبر، يقول الاوروبيون، منذ الحرب العالميه الثانيه. حسناً، فليكن محكّا للافعال يختبر شعاراتهم الانسانيه المزدهره وقت الكلام.

لكن هذا المحك يعمل باتجاه اخر. يوماً بعد اخر، يواصل سيل اللاجئين تعريه الخلافات الاوروبيه. كرواتيا ضاقت من تحويل المجر مجري سيل اللاجئين اليها. باتت توجّه الحشود مجدداً الي الحدود مع المجر. ترسل الباصات المجانيه لتحملهم الي المناطق الحدوديه. اغلقت سبعه من اصل ثمانيه معابر حدوديه مع صربيا، التي لا يزال اللاجئون يعبرون اليها بيسر من مقدونيا قادمين من اليونان. منذ الاربعاء دخل الاراضي الكرواتيه نحو 14 الف لاجئ، وهم يتحايلون الان علي اغلاق المعابر بالدخول من المناطق الريفيه.

الارتجال لا يزال السياسه السائده في عموم الاستجابه الاوروبيه. قبل ايام قالت حكومه زغرب انها ستسجل كل اللاجئين الوافدين اليها، لكنها اوقفت ذلك امس معلنه ان الاعداد فاضت عن قدراتها. رئيس الوزراء الكرواتي زوران ميلانوفيتش اعترف بالعجز، ليقول ان حكومته «لا تريد ولا تسطيع اغلاق حدودها». لكنه شدد علي انهم سيوجهون اللاجئين الي المجر وسلوفينيا، ليوعز مخاطباً السيل :»اهلاً بكم في كرواتيا، يمكنكم العبور. لكن تابعوا. ليس لاننا لا نحبكم، لكن لانها ليست وجهتكم الاخيره».

رئيس الوزراء قال علناً انه لا يريد ان تتحول بلاده الي «نقطه ساخنه» لتجميع اللاجئين. يعرف تبعات ذلك. الخطه الاوروبيه المقترحه تريد ايضاً اقامه «نقاط ساخنه»، في اماكن تجمّع اللاجئين، تحديداً اليونان والمجر وايطاليا. يقتضي ذلك اقامه مراكز استقبال ضخمه، علي ان يتم توزيع اللاجئين من هناك وفق نظام «الحصص». لا تريد كرواتيا ان تصير احد تلك المراكز، لذلك تبذل كل جهدها الان لتفريغ اراضيها من اللاجئين.

لكن المهمه ليست سهله اطلاقاً. حالما بدات كرواتيا بنقل اللاجئين الي حدودها مع المجر، سارعت الاخيره الي بناء سياج شائك، بطول 41 كيلومتراً علي امتداد تلك الحدود، تماماً كالذي رفعته علي حدودها مع صربيا. بحلول نهايه الاسبوع، سيكون هناك 1800 جندي مجري يحرسون الجدار الجديد.

علي الجهه الاخري، تواجه مساعي كرواتيا لتفريغ اللاجئين قيام سلوفينيا بالصد عبر فرضها الرقابه الحدوديه. هذه الدوله تشكل حدوداً خارجيه لـ «منطقه شنغن» للتنقل الحر، مثل المجر. كرواتيا ليست عضواً فيها بعد. رئيس الوزراء السلوفيني ميرو كيرار قال بصريح الاغلاق :»لا يمكننا ترك الناس الذين لا يستوفون الشروط ان يدخلوا الي الاتحاد الاوروبي عبر حدودنا».

المصاعب التي تواجهها «ماما ميركل»، لجهه الاعتراض علي سياسه «الحضن المفتوح»، بدات تظهر مفاعيلها. في خطوه اعتبرتها صحف المانيه «علامه انذار»، استقال مانفريد شميت علي نحو مفاجئ. رئيس المكتب الفدرالي للهجره واللجوء اكتفي بتبرير الاستقاله بـ«اسباب شخصيه»، لكن الاعلام بات يتحدث عن انتشار سياسه «النعامه» في المانيا ايضاً. صحيح ان غالبيه الراي العام تدعم استقبال المزيد من اللاجئين، لكن بعض الولايات، تحديداً بافاريا، لا تكف عن الشكوي من عدم قدره استيعاب مراكز اللجوء وايضاً برامج الادماج.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل