المحتوى الرئيسى

الجارديان: كيف ساهم الحجاب الإجباري في زيادة التحرُّش الجنسي في إيران؟ - ساسة بوست

09/18 17:23

منذ 15 دقيقه، 18 سبتمبر,2015

اسير كل يوم في طريقي الي العمل من ميدان ونك الذي يعج بالنشاط والزحام والرُكَّاب الي شارع الأردن، وهو شارع شهير ذو اتِّجاهين، وهو موازٍ لشارع ولي عصر؛ شريان طهران الرئيسي. هذا هو قلب شمال طهران؛ حيث تتحرَّك سيارات الأجرة كل ساعه من النهار والليل، ويجاور شارع الاردن شارع غاندي؛ الذي يتباهي بالاسواق التجاريه الجديده والمقاهي ذات الطراز الغربي.

اسير في شارع صغير هادئ نسبيًّا تصطف فيه مكاتب وسطاء التامين والاطباء، وتحميني الاشجار الطويله المزروعه علي مسافات غير منتظمه من الشمس المتوهجه. ويبعد شارع سنائي بضعه امتار فقط عن انغام المدينه النابضه مرتفعه الاصوات، ولكنَّه لا يبعد عن التحرُّش الجنسي الذي لا ينتهي، واحيانًا ما يكون مُجرَّد تحديق. بينما اسير في الشارع، اراه قادمًا نحوي، يبعُد عنِّي ببضعه امتار ومع ذلك انكمش خوفًا، اخفض بصري او انظر بعيدًا.

اريد ان اغلق المانتو -الستره الخفيفه متوسطه الطول التي ترتديها بعض النساء الايرانيات بدلًا من الشادور- لتجنُّب نظراته المُتلصِّصه، ولكن فات الاوان. بينما امُر بجواره اشعر بعينيه الثاقبتين تبحثان عن ثديَيَّ تحت ثوبي، تتفحَّصان جسمي بحِدَّهٍ دقيقه، مُثبَّتتان علي جسمي، وتتبعانني حتي اشعر بهما تحرقان ظهري وكانَّه خلفي تمامًا. ليس هناك حتي ابسط ادِّعاء بالتخفِّي؛ فهو ينظر دون خجل غير مبالٍ وملئ بالثقه في ذات الوقت.

تكون هناك اصوات في اغلب الاوقات، فبينما يمُر بجواري يُدير راسه تجاهي ويلصق لسانه بحلقه، او يُطلِق قُبلهً في الهواء بصوتٍ عالٍ. هناك درجات كثيره من الصفير والهسهسه والصفع واللعق والنفخ لدرجهٍ تذهلني من قدرات الفم البشري. احيانًا ياتي الامر من خلفي؛ مثل هسهسه في اذني مباشرهً، واحيانًا يكون حركهً مفاجئه في اللحظه الاخيره عندما نمُر بجوار بعضنا البعض؛ مثل ثعبان يُخرِج لسانه فجاهً. وفي كل مره يُصيبني هذا التعبير الشنيع نفسه عن الرغبه الطليقه بالقشعريره. وفي اغلب الاوقات تكون هناك كلمات ايضًا، ولحسن الحظ فانَّ فارسيَّتي ليست جيِّده بما يكفي لاستيعاب القذاره التي يُلقَي بها في وجهي، وربما لا ارغب في معرفتها علي اي حال.

لا يصنع ذلك في النهايه فارقًا كبيرًا؛ فالطريقه التي تُرمَي بها تلك الكلمات اليَّ في الهواء مصحوبهً بتعبيرٍ مميَّز علي وجه الرجل والعينان المصقولتان والشفه العلويه المرفوعه قليلًا الي الاعلي، كلُ ذلك جزءٌ من لغهٍ عالميه. يمكنني تخمين انَّه يُعلِّق علي ملابسي او جسمي، او يدعوني الي منزله او ينعتني بالعاهره فقط. لا يحتاج الاعتداء اللفظي حتي الي ترجمهٍ تقريبًا، فهو اكثر اشكال التواصل الهمجيه اساسيهً.

وفي اوقات اخري يتجاوز الامر ذلك، فقد تتبَّعني الرجال مرات متعدِّده بسياراتهم في طريقي اليومي وتحدَّثوا معي محاولين اقناعي بالركوب معهم. حدث هذا مرهً في فيلينجاك؛ وهو حي راقٍ وهادئ في شمال طهران، كُنَّا اربع سيدات وبدا رجل في سيارته يلاحقنا، استمر في محاولته رغم محاولاتنا سَبِّه او تجاهله لاكثر من عشر دقائق حتي قرَّرنا الدخول الي مقهي. ليست السيارات الوسيله الوحيده لتنقُّل الصيَّادين؛ فالدراجات والدراجات البخاريه والموتوسيكلات تجعل المطارده اكثر مرونهً.

انَّ التحرُّش الجنسي في الاماكن العامه حقيقهٌ موجوده في الحياه اليوميه بايران، اعتقدتُ في البدايه انَّ مظهري الاجنبي وملابسي التحرُّريه نوعًا ما (الالوان الزاهيه والمانتو المفتوح والحجاب المُثبَّت عند مؤخره راسي) جعلاني هدفًا، ولكن عندما تحدَّثتُ بصراحهٍ مع اصدقائي، ادركتُ انَّ هذا الامر واقعٌ موجود في كل مكان في حياه الفتيات صاحبات كل انماط الملابس المختلفه ومن كل الخلفيات.

قالت سحر؛ الفتاه غير الايرانيه التي تبلغ من العمر 26 عامًا وتدرس في ايران منذ عامٍ: «نشاتُ في بلدٍ مُسلِم حيث الحجاب غير اجباري، وكان يُقال لي دائمًا انَّ الحجاب موجود لحمايه النساء من رغبات الرجال، لانَّ اجسامنا عوره يمكنها نشر الفتنه بين الرجال. ولكنَّني جئتُ بعد ذلك الي ايران؛ حيث الحجاب اجباري، وما زلتُ اتعرَّض للتحرُّش في الشوارع، فالرجال يُحدِّقون في بعدوانيه ويتحدَّثون اليَّ وينعتونني بالفاظٍ، اشعر كانَّني عاريه، وبلا قيمه. اعتقدتُ انَّ ارتداء الشادور سيحميني، ولكنَّني شهدتُ في احد الايام امراهً اخري ترتدي الشادور وتتعرَّض للتحرُّش، وادركتُ انَّ الرجال سيطاردونني مهما ارتديتُ، فقط لانَّني امراه».

تُفسِّر عائشه -23 عامًا، طالبه كيمياء- الامر قائلهً: «يُفصَل الفتيان والفتيات عن بعضهم البعض من المرحله الابتدائيه وحتي نهايه المرحله الثانويه، لا يحظون ابدًا بفرصهٍ للتفاعل وعندما يحظون بها فجاهً لا يمكنهم اجراء محادثات عاديه، وكانَّ اي تفاعل هو ضمنيًا في النطاق الجنسي».

اتساءل غالبًا عمَّا يدور في رؤوس هؤلاء الرجال، هل هو مُجرَّد متعه اللعبه؟ ام انَّ هناك توقُّعًا فعليًّا بانَّ الملاحقه او الصفير سيُحقِّقان نتيجهً؟

تقول عائشه: «اتذكَّر عندما كنتُ صغيره انَّ الفتيان والمراهقين كانوا يُصفِّرون ويتبعوننا فقط لكي يلتقوا بفتياتٍ، لانَّنا نحيا في مجتمع لا توجد به مساحهً لكي يلتقي الرجال والنساء ويتواصلوا بحُريَّه، فلجاوا الي الشوارع. احبَّت الفتيات الامر في البدايه، فكُنَّ يعتبرنه مُجاملهً، ولكن بعد فترهٍ، تحوَّل الي مشكلهٍ. فجعلَنا تعبير الفتيان والرجال بصراحهٍ عن رغباتهم الجنسيه نشعر بالخطر والاستهداف، ولم يكُن هناك مفر».

لقد سمعتُ هذه الحُجَّه مرات عديده من الرجال هنا، فالمرور بالسياره والصفير ودعوه المراه للركوب هي طريقه الرجال في «التقاط» النساء، وفي غياب الحانات والنوادي واي مكان للتواصل الاجتماعي، تُصبِح الشوارع والحدائق ووسائل النقل العامه ملعبًا عامًا للمغازله. ولكن التحرُّش الجنسي ليس مغازلهً، فهو اشبه بالصيد، واصبحت المدينه باكملها منطقه صيد عملاقه، فالسير في الشارع قد يُصبِح تجربهً مخيفه ومؤلمه للنساء.

تقول سحر: «اشعر بانَّني محرومهٌ في ايران من احد انشطتي المُفضَّله؛ وهي السير وحدي. عندما اغادر المنزل كل يوم اتمنَّي امرًا واحدًا؛ ان يتركونني وشاني. بداتُ بسبب هذا استقل سيارات الاجره، حتي لمشاوير تستغرق خمس دقائق، فقط لتجنُّب هذه المواجهات».

يُنظَر الي جلوس الفتاه وحدها في الحديقه او علي مقعدٍ طويل باعتباره دعوهً مفتوحه. تروي لوسيل -طالبه فرنسيه عمرها 20 عامًا جاءت مؤخرًا الي ايران- لي قصهً: «كنتُ اجلس ذات مره تحت ظل شجرهٍ في حديقه، عندما سالني رجلٌ اذا ما كان من المقبول ان يجلس الي جواري، كنتُ مندهشه انَّه سال، واعتقدتُ انَّه لم يُرِد ان يُشعِرني بالضيق لوجوده هناك. كنتُ مخطئه تمامًا، فبمجرَّد ان قُلت اجل، جلس وبدا بالضغط عليَّ بالاف الاسئله وطلب رقم هاتفي، اخبرته انَّني اريده ان يتركني وشاني ولكنَّه لم يتوقَّف، في النهايه نهضتُ وغادرتُ».

يحدث الصيد في كل مكان في ضوء النهار، مع قبولٍ ضمني من الجميع؛ بمن فيهم السُلطات التي يُفترَض بها ان تحمي النساء، فليست هناك مخاطره في الصيد. وتشعر النساء بالعجز والتحجيم شعورًا غامرًا، فتقول لوسيل: «يمنحُكِ الامر شعورًا بالضعف لانَّ الامر يبدو وكانَّه ليس من حقك فعل اي شيء لهم لانَّهم لا يُهاجِمونك جسديًّا».

تكمُن سخريه النظام الذي يتمادي في افعاله من اجل «حمايه اجساد النساء» في انَّه بينما يتصرَّف المُتحرِّشون بِحُرِّيه، ويلاحقون النساء ويتحسَّسوهن تحت اعين الجميع، تعتقل شرطه الاخلاق النساء لارتدائهن «حجابًا سيِّئًا» او المانتو القصير او السراويل الضيقه. في ميدان ونك الذي اواجه فيه ملاحقه وصفير بانتظام، تُلقي شرطه الاخلاق القبض علي النساء بصورهٍ دوريهٍ بسبب الملابس غير المحتشمه. لا يبدو انَّ الشراسه الجنسيه الماثله امام اعينهم تُشكِّل لهم اي مصدر قلق.

ولكن هناك امرٌ واحد يمكن للمراه فعله لتجنُّب التحرُّش الجنسي؛ فالعصا السحريه لابعاد الرجال بسيطهٌ؛ وهي رجلٌ اخر. تقول عائشه: «لا تحصلين اطلاقًا علي نفس الاهتمام غير المرغوب فيه، وكانَّ الرجل سلاح للدفاع عن نفسك، فهو اليهٌ للردع، اذ يُفترَض انَّه يمتلكك بوصفه قريبك او صديقك او حتي جارك، فلا يُسمَح لاحدٍ بازعاجك او لمسك».

لقد لاحظتُ هذا الامر كذلك، متي يصحبني رجل، اُصبِح فجاهً المخلوق الخفي الذي اتلهَّف الي ان اكونه. تقول سحر: «وهكذا لا ينبغي اساسًا علي المراه ان تسير وحدها دون حمايه احد الذكور، اذا سارَت وحدها يعني ذلك انَّها تبحث عن الاهتمام، هذا المجتمع صنعه الرجال للرجال».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل