المحتوى الرئيسى

الشيطان شهيدا (2/ 3)

09/18 15:51

لم يقم فضل الرحمن في كتابه "المسائل الكبري في القران" بتحديد المفاهيم الكبري في نظام الاسلام العقدي فحسب، بل حدد كما قلنا مفاهيم ثلاثه مركزيه تمثل نواه لهذا النظام وسعي لربط بقيه المفاهيم بها. هكذا مثلا فعل حين جعل مفهوم الطبيعه مفهوما متعالقا بمفهوم "الحساب"[1]، لكن الغريب ان فضل لم يفعل نفس الامر مع مفهوم الشيطان، هذا رغم تخصيصه فصلا كاملا عن الشيطان بعنوان "الشيطان والشر". ورغم التعرض لكون الشيطان لا يمثل في الاسلام مبدا مستقلا للشر مثلما هو الامر في بعض الاديان الثنويه، فان موضعه للشيطان من المفاهيم الثلاثه لم تتم، فلم يتم التعرض لعلاقه مفهوم الشيطان بمفهوم التوحيد.

(نستخدم طوال هذه المقالات مفاهيم "التوحيد" "حقل التوحيد المفاهيمي" "صوره الاله التوحيدي" "الله" بنفس المعني).

ربما يرجع ذلك لكون نظره فضل للشيطان تجعله مفهوما متعلقا بالانسان لا بالله. يقول فضل "انشطه الشيطان تتخذ مجالها في الانسان وما يحيط به" (ص244)، "فهو في الحقيقه عدو لبني ادم، لان الله سبحانه وتعالي بعيد عنه كل البعد" (ص243). ففي ظل رؤيه كهذه تقصي الشيطان عن مجال الالهي يصبح البحث عن علاقه الشيطان بمفهوم الاله التوحيدي امرا مستبعدا بالفعل حيث تتقلص حركته و اهميته في البعد الانساني فحسب.

نستطيع ان نلمح في نظره فضل هذه للشيطان ما قد قلناه في المقال السابق عن افتقار تقنيته المستخدمه لاستخراج المسائل الكبري في القران لكرونولوجيه شديده الاهميه. فصحيح ان نظره علي النص كبنيه ساكنه سيوصلنا لكون الشيطان مفهوما متعلقا بالانسان لا بالله مما يجعل البحث في علاقته بالتوحيد امرا لا فائده منه، لكن ما نحاول المحاجه عنه هنا هو ان نظره كرونولوجيه للنص ستطلعنا علي ان تحويل الشيطان لمفهوم متعلق بالانسان لا بالله هو فحسب نتيجه لفعل ارشفه تم علي مراحل متعدده كانت هي نفس مراحل تشكل صوره الاله التوحيدي، مما يربط بين مفهومي "الشيطان" و"التوحيد" ويجعل تتبع فعل الارشفه هذا مهما لفهم ادق لمفهوم التوحيد نفسه.

لكن الامر لا يقتصر علي افتقار تقنيه فضل للكرونولوجيه، في الحقيقه فان تطبيق فضل لتقنينه التي تزاوج بين التحليل المفهومي والتنبه للسياق التاريخي هو نفسه كان استخداما غير دقيق وشارك في انتاج هذه النظره عن شيطان متعلق بالانسان فحسب، واهمال بحث علاقته بمفهوم التوحيد، حيث اننا نجد منه عدم اطراد في استخدام العامل التاريخي لتحديد مفهوم الشيطان. فبالعوده للسياق التاريخي الجاهلي وتبين موقع الشيطان داخل نظامه العقدي تطلعنا علي كونه معبودا (وهو امر للمفارقه يذكره فضل لكن لا يشغله او يستفيد منه ص242)، مما يربطه بتوحيد العباده احد المفاهيم في حقل التوحيد المفهومي المتشكل في مواجهه النظام الجاهلي، اي ما يجعله مفهوما متعلقا بالله لا بالانسان فحسب.

ثم يقع ايضا فضل في خطا اخر وهو انه في تحديده مفهوم التوحيد نفسه قد سقط علي العكس هذه المره في المبالغه في التسييق التاريخي علي حساب تغييب التحليل المفهومي، حيث لا يتصور فضل التوحيد الا كتوحيد عباده يواجه شرك العباده (عباده الاصنام) عند قريش، مما يضيع ما يسميه السواح توحيد التصريف (المؤمنه به قريش)، وهو الخصيصه التي تميز الدين الابراهيمي مفهوميا عن الاديان الثنويه التي هي بالمناسبه توحيديه في العباده. وكون التوحيد الاسلامي مرسوما في مواجهه التصريف لا فقط العباده هو امر شديد الوضوح لا في التحليل المفهومي للتوحيد فحسب بل في ايات القران؛ يظهر هذا في الموقف من السحر الذي يتم ربطه بالشياطين وبالكفر "وما كفر سليمان و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" فالشياطين هنا هي التي تنازع الله الواحد التصريف لا العباده فحسب، وربطها بالكفر كمفهوم متعالق بالايمان بالله الواحد يعني تعالق مفهوم "التصريف" بمفهوم التوحيد. لذا فان قضيه الشيطان تصبح قضيه اعمق من كونها مفهوما متعلقا بالانسان كما يقول فضل؛ انه مفهوم متعلق بمفهوم التوحيد نفسه و ضروري لفهمه، حيث يُدخِل "التصريف" كمفهوم داخل حقل التوحيد المفاهيمي (او صوره الاله التوحيدي) الي جانب "الافراد بالعباده" و"المفارقه".

ايضا فان التسييق التاريخي يبرز لنا صراعا اخر يقوده مفهوم التوحيد اثناء تشكله مع الشيطان، لا يقوم هذه المره فوق ارض العباده او التصريف فحسب (الم نقل ان الشيطان مفهوم متعدد؟) بل فوق ارض الاخبار عن المجهول. والمجهول اوسع من السماء، وكان للكهنه و الشعراء مهمه الاخبار عنه. نرجئ قليلا الحديث عن الكهنه ونتحدث عن الشعر. كان الشعر جاهليا مرتبطا بالشياطين، فالشياطين هي تلك الوسائط التي تخبر شعراءها عن المجهول. وقد اتهم النبي محمد من هذا المنطلق بكونه شاعرا، وقام نفي القران لهذه التهمه علي اساس نفي تنزل الشياطين بالقران "وما تنزلت به الشياطين"، لكن القران لم ينف تنزل الشياطين بالفعل "تنزل علي كل افاك اثيم" لكنه قصره علي الشعراء "والشعراء يتبعهم الغاوون. الم تر انهم بكل واد يهيمون"[2]، اي انه نفاه فحسب عن النبي. اذن فهذه الادانه للشعر، وكما يقول ادونيس، غرضها فحسب اثبات صدق القول القراني ونفي اختلاطه باي اختراق شيطاني[3]، اي اعتبار الوحي (وهو من المفاهيم التي عاندتها قريش مع البعث والحساب، ورغم هذا لا يلتفت فضل لمركزيته ولا بحث علاقته بالمفاهيم المركزيه) طريقا وحيدا للاخبار عن حقيقه وحيده اصحبت هي الله الواحد. اذن، ومره اخري، يصبح نفي الشيطاني رديف تكون الحقل المفهومي للتوحيد. فنفي احقيه الشعر (كتنزل شيطاني يخبر عن مجهول) كان لاضافه الوحي (بما هو مفهوم يعطي لله صفه التفرد بالاخبار عن حقيقته -الحقيقه-) كمفهوم داخل الحقل المفهومي للتوحيد الي جانب مفهومي "الافراد بالعباده" و"التصريف" و"المفارقه".

كل هذا يؤكد كون الشيطان مفهوما متعلقا تماما بالله لا بالانسان كما يقول فضل. ان تقليص فعاليه الشيطان و تحويله لعدو للانسان لا يملك عليه اي سلطان هو فعل مرتبط تماما بمفهوم التوحيد، حيث لم تتشكل صوره الاله التوحيدي بما هي عليه (بتعدديه مفاهميمه) الا بفعل هذا النفي نفسه (الارشفه).

كما تحدثنا في المقال السابق، فاننا سنحاول قراءه اربع قصص قرانيه نظن انها تمكننا من ادراك جيد للنواه المركزيه لنظام الاسلام العقدي خصوصا مفهوم التوحيد الذي نحاجي عن صله مفهوم الشيطان به، هي قصص: سجود الملائكه لادم، وقصه تسمع الجان للقران، وقصه موسي والسحره، واخيرا قصه ابراهيم وابنه.

كما ذكرنا هناك ايضا، تنبع اهميه قصه ادم وسجود الملائكه له من انها هي التي تتضمن تسويه الانسان وتعلمه واستخلافه وتكليفه، اي انها قصه النشاه الرئيسه في القران ومدخل جيد لفهم نواه نظامه العقدي. لكن ما يضاعف اهميه القصه ويجعلها قصه مركزيه، مركزيه بنفس المعني الذي استخدمناه في وصف نواه فضل الثلاثيه بالنواه المركزيه، اي ان هذه القصه يمكن استخدامها كمركز لتنظيم الفضاء القصصي القراني، هو ان هذه القصه هي قصه نشاه صوره الاله التوحيدي مركز النظام العقدي للدين الجديد؛ نقصد النشاه الكامله لهذه الصوره الالهيه عن طريق نفي الشيطان وادانته نهائيا، مسخه و تعطيل قدراته علي التصريف، بل تعطيل حتي قدرته علي الاستقلال بفعل الاغواء.

يورد الطبري عددا من الروايات تسرد هذه القصه، قصه ادم وابليس[4]. يتم الحديث في هذه الروايات عن الشيطان علي انه ملك كان يحكم الارض بامر الله ثم قام الله بارسال جيش من الملائكه لمحاربته واخراجه من الارض. وهذا القصص الذي يورده الطبري والذي يجد مصدره في الاسرائيليات السابقه علي القران لا يختلف كثيرا في حقيقه الامر عن القصه القرانيه، حيث ان هذا القصص ذا المصدر التوحيدي ايضا يشارك القصه القرانيه في نفي فعاليه الشيطان ومسخه من عبد مقرب-ملاك-ملك، الي شيطان منبوذ ابدا. غير ان القصه القرانيه، وعند مقارنتها بهذا القصص، تبدو لنا اكثر تاكيدا علي نفي هذه الفعاليه. فبينما القصص السابقه واللاحقه عليه (في المجال القصصي قبل الاسلامي، والمجال القصصي بعد نشاه المدونات العلميه) تجعل ابليس ملكا استقل بالارض وعاند الله وحارب جيشه؛ فان التمرد الابليسي في القران مقتصر علي رفض السجود ومتبوع فورا بطرد ليس بعده الا ياس التحدي او تحدي الياس "فبعزتك لاغوينهم اجمعين . الا عبادك منهم المخلصين". اي ان التقليص القراني لفعاليه الشيطان من القدره علي "التصريف" تركت بصمتها حتي علي بنيه القص نفسها، حيث يتجاوب تقليل فعاليته في الدراما الكونيه مع تصغير دوره في دراما الامر بالسجود!

حول هذه القصه-المركز نستطيع ان نضع قصتين يمثلان امتدادا لترسيخ صوره الاله التوحيدي عبر نفي فعاليه الشيطان، وبالتالي ابراز الصله بين التوحيد والشيطان. القصه الاولي هي قصه النبي موسي والتي تشغل جزءا كبيرا من فضاء القص القراني، والقصه الثانيه هي قصه الجن وتسمعهم للقران.

لا يحتاج الانسان كثير تنبه ليتبين مدي حضور قصه موسي في القران. ان هذا التكرار لحضور موسي يجعله يتجاوز حتي مجرد الوجود التاريخي. انه يتحول لشخصيه مفهوميه، لو استحضرنا دولوز، حيث يصبح تمثيلا للمفهوم التوحيدي وتكريسا لصوره الاله المتفرد بالتصريف، وتتحول قصته لكاشف رئيس عن نواه الاسلام العقديه. فقصه موسي هي قصه الصراع مع السحر (التدخل الشيطاني في تصريف الكون كما راينا في ايه البقره عن سليمان). وموسي نبي الله هو الذي ادان السحره عن طريق انه قلص سحرهم من كونه فعلا في الكون وتصريفا الي محض تخييل للعيون "يخيل اليه من سحرهم انها تسعي". في هذه الدراما يكتسب مشهد لقف (عصا/حيه) موسي لـ (عصي السحره/عصي) اهميه كبري. فعبر هذا المشهد يتبين ان القدره علي خرق قانون الطبيعه مختصه بالله وحده في فعل المعجزه وليس لغيره سوي التخييل (كما كان اخبار النبي محمد بالقران تعبيرا عن كون الله وحده عبر نبيه له حق الكلام عن الحق وليس لغيره، الشياطين عبر شعرائهم، سوي التخييل عن المجهول). من هنا اهميه موسي كشخصيه مفهوميه في القران واهميه قصته كقصه محوريه في فضاء القص القراني، حيث ان قصر خرق الطبيعه علي الله وحده لم يؤكد فحسب علي تعالق "التصريف" مع مفهوم "التوحيد" ومركزيته داخل حقله المفاهيمي، بل انه حدد هذا التصريف المتعالق مع التوحيد علي كونه خرق/معجزه، مما يعني تحديدا ادق لطبيعه الاله التوحيدي ولحقل التوحيد داخل النظام العقدي الاسلامي.

نستطيع ان نعتبر قصه تسمع الجان للقران في سوره الجن، قصه اخري تدور حول قصه السجود، القصه- المركز. ففي هذه القصه يتحدث القران عن تسمع الجان لاخبار السماء "انا كنا نقعد منها مقاعد للسمع". هذا التسمع يعني ان ثمه طريق اخر كان الجاهلي يتوصل به لحقيقه السماء قبل الوحي (مع الشعر)، الا هو الكهانه. لذا وكما كان تاسيس الوحي كخبر وحيد عن الحقيقه-الله يتطلب نفي الشعر كخبر شيطاني عن المجهول، اي نفي اي قول يوازي الكلام الالهي، فقد كان علي القران ايضا سد هذا الباب المفضي للخلط بين الوحي والكهانه والمتمثل في فعل التسمع. تم هذا بكل بساطه وصرامه عن طريق انهاء فعل التسمع "فمن يستمع الان يجد له شهابا رصدا". هذا الانهاء لفعل التسمع بالرصد بالشهب يتوازي مع حديث القران عن جبريل القوي الامين كناقل للوحي السماوي ليرسم القران بهذا صوره مكتمله عن سلامه وصول الوحي الالهي لنا بعيدا عن اي تشويش. من هنا اهميه هذه القصه، حيث لا تؤكد فحسب علي تعالق مفهوم "الوحي بما هو توحيد طريق الاخبار عن حقيقه الواحد" مع مفهوم التوحيد؛ بل كذلك تحدد طبيعه هذا الوحي ككلام واضح مصان ومحفوظ. بهذا سيصير الوحي بيانا، ويصير الغموض علامه علي الشيطاني المنفي.

اذا كنا تحدثنا عن مجال عقدي له مركز من مفاهيم عقديه تنظم فضاءه، وتحدثنا عن مجال قصصي له مركز ينظم فضاءه كذلك، فهل لنا ان نتحدث عن مجال شعائري وعن مركز له؟

كما اوضحنا في المقال السابق، فان للشعائر وللعيد/الشعيره مهمه كبيره في تحديد طبيعه الالهي، وان العيد/الشعيره يصل في علاقته بالالهي حد ان يكون هو الشعيره المركزيه بامتياز، اي المجال الافضل لتحديد طبيعه الالهي. واخترنا الاضحي كعيد/شعيره كمجال لتحديد حقل التوحيد المفهومي. فهل يمثل الاضحي بالفعل عيدا/شعيره، وهل يمثل مركزا للمجال الشعائري الاسلامي؟

اننا لو حللنا سمات الاضحي سنجد انه يمثل بالفعل عيدا/شعيره، وان له مركزيه في المجال الشعائري الاسلامي تنبع من طبيعه شعائره من جهه، ومن تمحورها حول شخصيه الجد المؤسس ابراهيم من جهه اخري. فعيد الاضحي شديد الارتباط بشعيره الحج حيث مراسم الحج ذاتها وبناء البيت ورفع القواعد هي فعل ابراهيم واسماعيل المفدي في فعل التضحيه الذي يتم تحيينه بذبح الاضحيه في العيد. والعيد بجمعه بين الشعيرتين الحج والذبح يجمع في حقيقه الامر بين طقسي الانتهاك والعهد الذين ذكرنا كونهما سبب كون العيد عيدا/شعيره. اذا استحضرنا ما  قلناه من ان الانتهاك هو العوده لما قبل تاسيس العالم عبر تعليق العمل بالاخلاق والشعائر او عبر محاكاه حاله سديم كوني او عبر محاكاه عالم براءه بشريه سابقه علي التشريع، فاننا نستطيع ان نري في فعل الاحرام للحج طقس انتهاك؛ وهو للمفارقه طقس انتهاك مقنع بالمحظورات.

فما يبدو لاول وهله هو ان الاحرام طقس يشمل عددا ثقيلا من المحظورات تحظر حتي المباحات مثل الجماع والجدال والصيد، لكن هذا ليس سوي قناع فحسب، او فلنقل ان الحظر هنا هو محض عتبه تسبق الدخول لحاله عبور حقيقيه يتم فيها تدمير العالم تماما والعوده لما قبل تاسيسه. فمحظورات الاحرام (حظر الجماع و الصيد و الصراع) تؤدي بالمحرم للتحلل من الاجساد والهيئه الثقافيه والعوده لحاله من العماء يحضر فيها الجميع شبه عرايا يغيب عنهم الجنس والحرب وكانهم اطفال او موتي او كانهم حواء وادم قبل المعصيه والسقوط والتكليف[5]. انها لحظه عبور خارج العالم الفردي والكوني، قبله او بعده، تدمير مؤقت له[6] تنتهي بالعوده للعالم مره اخري. لكن العوده للعالم لا تتم الا بعد تجديد العهد؛ تجديد عهد الطاعه الابراهيميه لله عبر ذبح الاضحيه يوم العيد. طبيعه عيد الاضحي هذه كحاله عبور تدمر العالم بالانتهاك وتعيد تاسيسه بالعهد تجعله يمثل تماما العيد/الشعيره، وتجعله مركزا للمجال الشعائري الاسلامي، مما يعني امكان معاملته كمصدر لتحديد الحقل المفهومي للتوحيد الذي نبحث عن علاقه الشيطان به.

شعيره التضحيه يوم العيد هي تحيين لقصه ابراهيم مع ابنه، حيث امر ابراهيم  بذبح ابنه، وهو امر "مفارق"، بمعني انه غير مشتق من قواعد الاخلاق، لذا فهو امتحان بملاقاه الفردي فوق عموميه الاخلاق كما يري كريكجارد، هل سيطيع ابراهيم الامر الالهي لكونه يدين لله بوجوده ام سيجادل بقواعد الاخلاق ويرفض اشتقاق وجوب طاعه الامر الالهي من محض المديونيه لله بالوجود؟[7]

ما يقوم به ابراهيم هو الامتثال للامر الالهي، ونحن للان نحين فعله في يوم العيد/الشعيره. ايضا حتي الان فاننا في شعائر الحج نرجم الشيطان. وهذه الشعيره، اي رمي الجمار، شعيره حيرت كثيرين. البعض يقول هي ايضا كذبح الكبش تكرار لفعل ابراهيم نفسه، حيث ظهر له الشيطان في العقبه كي يثنيه عن قرار ذبح ابنه فرماه بالجمرات؛ والبعض لا يجد هذا ثابتا من الناحيه الحديثيه فيتعبرها شعيره واجبه دون تسبيب (اي ان علينا طاعتها اشتقاقا من محض المدينويه كفعل جدنا ابراهيم مع الامر بالذبح).

سنحاول تقديم تفسير اخر لرمي الجمرات لا يهتم بثبوت الرمي عن ابراهيم، لكنه يعتبر رمي الجمرات مكملا للفعل الابراهيمي حتي لو يقم به الجد وقام المسلمون بفعله.

كي نوضح هذا علينا التنبه لكون قصه تضحيه ابراهيم نفسها ليست الا تحيين لقصه ابليس مع الامر الالهي بالسجود، او فلنقل ان قصه ابراهيم هي قصه متعالقه تدور في مجال قصه السجود التي اعتبرناها قصه مركزيه تنظم الفضاء القصصي القراني. فهي، اي قصه ابراهيم، مثل قصه موسي وقصه الجن في قدرتها علي تحديد الحقل المفهومي للتوحيد (و ان كانت اكثر تشابها مما دعانا لاعتبارها تحيينا). فنحن حين نخلص القصتين من التفاصيل لكي نحدد بنيه دراما كل قصه، سنجد انفسنا امام نفس هيكل العلاقات: امر الهي غير مشتق من قواعد مسبقه ومفارق للاخلاق، مامور، مطيع-عاصي، مسخ. في قصه ابليس: الامر هو السجود لادم، الطائع هم الملائكه، والعاصي هو ابليس، النتيجه مسخ ابليس وطرده ابديا. هنا في قصه ابراهيم التي تمثل محور شعيره الاضحي: الامر هو الذبح، المامور هو ابراهيم، امكانيه الطاعه "مثل الملائكه" والعصيان "مثل ابليس"، ينجح ابراهيم في اتباع سبيل الملائكه بالخضوع للامر المشتق من محض المديونيه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل