المحتوى الرئيسى

«ريكي واللمعان» لجوناثان ديم.. مكانان وزمانان

09/17 10:19

جوناثان ديم (1944)، حكواتيّ النساء، يعود بصلصهٍ سينمائيهٍ مركّزه، مع ميريل ستريب (1949)، في دراما عائليه لامٍّ تحبّ موسيقي الـ «روك». قدّم ديم حكايه نسائيه سابقه في فيلم «صمت الحملان» (1991)، مع «افيش» سوريالي لفراشه علي فمّ جودي فوستر (1962)، التي تقف امام عمالقه كانتوني هوبكينز (1937). في الفيلم الجديد Ricki And The Flash (2015)، تظهر ستريب (ليندا) ممثلهً قادرهً علي تجديد نفسها بقوّه، بعد تجاوزها الـ 60 عاماً بـ 6 اعوام. نجمهٌ من الصفّ الاول امام ممثّلين اقلّ شهره، والبطوله المطلقه لها. نادرهٌ هي اللقطات التي لا تظهر فيها. لكن الاكثر اثراً هو ان الـ «كاستينغ» يجلب ممثلين اثبتوا انفسهم امام النجمه، فهم لم ينسحقوا امامها. هنا، تظهر مهاره المخرج في اداره الممثلين. يبدو ان ذلك تطلّب تدريباً مُطوّلاً ليتمكّن ديم من ان يستخرج من ممثل مغمور اداءً مميّزاً في لقطه بـ 30 ثانيه. النتيجه ان كلّ ممثل يعلق في ذاكره المتفرّج، مهما كان دوره صغيراً. واضحٌ ان المخرج لم يبحث عن الاداء السهل.

تتبّع الكاميرا جسداً نحيفاً يتابّط قيثاره، ويتحرّكان بين ثقافتين وفضاءين متناقضين. هذان التناقضان يخترقان الفيلم في مستويات عديده. تحبّ ليندا موسيقي الـ «روك»، وهو ثوره علي الموسيقي الكلاسيكيه. ليندا مفلسه، لكن احساسها بالكرامه عالٍ. تبذل جهداً لتحافظ علي المستوي. فنانه في اعماقها بلا احقاد. تعيش مجد عصر موسيقي ثوري فَقَد بهاءه، لذا تبدو غريبه عن محيطها، ولا تملك الابتسامه الميكانيكيه التي تعرضها البائعات في الـ «سوبرماركت». نجمه «روك» مُعمِّره، علي الرغم من ان نجوم الـ «روك» يموتون باكراً، بسبب النمط الصاخب لحياتهم اليوميه.

يلتقط المخرج ما يجمع رجلاً وامراه بعد نهايه العلاقه الجنسيه. يغوص في تصوير مرهف لعمق العلاقات الانسانيه. يبدا بجرد مرارات الماضي وحساباته. في الحساب العسير هذا، كلّ فرد يثق ان الجحيم هو الاخر. لذلك، تُهيمن نزعه انتحاريه بالادويه علي الفيلم. يعاني الافراد فرط استخدام الشخصيات لمعجم الدواء. يصير كلّ فرد يتحدّث كصيدليّ. في لحظات الفرح، هناك بديل فعّال للدواء. في لحظات الصدام، نكتشف خلافات عائليه تمنع تنظيم عشاء حميمي، لان كلّ ملاحظه شخصيه يتبادلها افراد الاسره تشبه طعنهً في العنق. كلّ فرد يثق ان الجحيم هو الاخر، ويقوده المخرج نحو فرضيه مغايره تؤكّد وجود فرصه اخري، شرط ان تعدّل الشخصيه موقفها.

هذا عن البشر. لننتقل الان الي التناقض القيمي والمكاني الذي افرز الشخصيات هذه.

يوجز الـ «روك» التاريخ الثقافي لاميركا في النصف الثاني من القرن الـ 20. بما ان للممثله والمخرج العمر نفسه تقريباً، فان التقارب العمري هذا يساعدهما علي فهم المرحله، وعلي تجسيدها بفلاشات من سيره ذاتيه مركّبه من قطع فسيفساء عن حرب فيتنام، وعن قيثاره Gibson SG 1968، التي تساعد ليندا علي اداء اغان موجعه. لهذا معني. فموسيقي الـ «روك» تستدعي فتره تمرّد الشباب، واستقلاله. الـ «روك» رمز للتعدّد الثقافي. روافده افريقيه ولاتينيه، وفي الفرقه هنود وافرو ـ اميركيين وبيض يزيّنهم الوشم. يفترض بعاشق الموسيقي هذه ان يكون «كوول» (Cool). توصف ليندا بانها هكذا. لكن، ما هي حدود ما يُمكن التسامح معه؟ هنا، تنكشف مساله انها تجد صعوبه في تقبّل العلاقات المثليه.

يجد التناقض الثقافي هذا تفسيراً له في المكان. ليندا تتنقل بين مكان مغلق ومكان اخر بافق كوني. تجري الاحداث بين كاليفورنيا وانديانا بوليس. يحرص المخرج علي خلفيه تاريخيه وسوسيولوجيه لافلامه. المعروف انه ذو طابع قروي فلاحي محافظ، يمثّل اميركا المتوسطه، مقارنه بنيويورك وكاليفورنيا الكوزموبوليتيه. لتوضيح دلاله المكان، تنتقل ليندا بين فضاءين متناقضين: محافظ وكوزموبولتيّ. يُفرد المخرج لقطات دقيقه لتصوير المكان، لان له دوراً كبيراً في بناء المعني. تصرّفات الشخصيات مشتقّه من الامكنه التي تعيش فيها وتتناسق معها، فللمكان بصمته علي المظهر والمزاج.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل