المحتوى الرئيسى

قبر أمنا حواء وأطلال الذهب .. مشاهد قديمة على طريق الحجاز

09/16 13:51

حكايه جزيرتي “سعد ” و “سعيد “..و قبر “امنا حواء “

من جده لمكه ..الحمار و الجمل بجنيه و الطريق مفروش بمقاهي الحجاج

الخطيب كان يحميه علي المنبر احد الاغوات !

الحجاج بين ” عرب البجاه ” و بحر الاهوال

امير مكه كان يقتسم مع عرب البجاه نصف اجره مرور الحجاج !

اطلال مدينه ” الذهب ” .. و رحله شجرة الدر لمكه

الرحلة الحجازية ” التي صاحب فيها المؤرخ ” محمد لبيب البتوني ” الخديوي عباس حلمي الثاني الي الحج ، تتخطي مجرد وصف مسار الخديوي وقيامه باداء واجب الحج ، ليصبح احد اهم كتب آدب الرحلات الغني بوصف المكان و المعلومات التاريخيه و المشاهدات ، عن تاريخ كلا من مكه و المدينه المنوره و مزاراتهم و عادات اهلهم و حياتهم الاجتماعيه ، و ايام الحج و رحله الحجاج ، و كانك تخوض رحله في الزمن لتعرف تاريخ تلك المدن المقدسه و تعيش في زمن الحج عام 1327 هجريا .

الكتاب زاخر بالصور التي اعدها محمد صادق باشا ، و ابراهيم رفعت باشا ، وهما من الرواد الاوائل في تصوير الحرمين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايه القرن العشرين ، و الخرائط التي اعدها المؤرخ التوني بنفسه ، معتمدا علي رسوم صادق باشا .. و سنختص في تلك السطور بوصف الرحله الي مكه و ايام الحج ، و حال الحجاج .

يروي البتوني ان لدي وصول ” يخت المحروسه ” لمشارف جده ، راوا جزيرتان صغيرتان هما ” سعد ” ، و ” سعيد ” اللذان يقام بهما المحجر الصحي ، فالسفن التي تصل غير نظيفه ، يتم نقل ركابها في سفن شراعيه ” سنابك ” الي اي من الجزيرتان الاول يصلون اليها في 3 ساعات و نصف ، و الاخري تاخذ ضعف هذا الوقت ، و يبقون هناك حتي يتم رفع الحجر عنهم .

ويقول البتوني ان الشعاب الحمراء التي تتشرب بالزرقه تصطف علي طول ساحل جده ، و ربما يكون هذا السبب وراء تفضيل اهلها اللون الاحمر في ملابسهم ، فيرتدون فوق الجلباب الابيض احزمه حمارء و شال احمر و الصبيه يرتدون عليها صديريه حمراء ، اما عن مساكنهم فمبنيه من الحجر الجبلي و احيانا المائي ، و هي تشبه كثيرا مساكن مكه و المدينه ، و تشبه مساكن مصر في عهد المماليك و منها الكثير في شارع سوق السلاح ، فغرفها واسعه و سقوفها عاليه ، و شبابيكها عريضه تسمي بـ ” الرواشن ” ، و اجمل الابنيه في المدينه مملوكه لقناصل الدول .

اما مياه الشرب فتملا من ماء المطر في صهاريج قديمه ، او العيون خارج المدينه ، و يبيعها الاهالي للحجاج باسعار باهظه ، و يضطر اغلب الحجاج لشرب مياه الحفر و التي بخلاف عدم نظافتها تميل للملوحه ، و لولا فضل الله لهلكوا جميعا .

يمضي الحجاج يوما او يومان ثم يؤجرون حمار او جمل الحمل بجنيه الي مكه و الشقادف بضعف الثمن ، و خارج المدينه تجد مدافن للنصاري ، و مدافن المسلمين امها الكثير من الشحاذين كبارا و صغارا و الاعراب و الاغراب ، و داخل تلك المدافن شاهد قر طويل بارتفاع متر و عرض ثلاثه امتار يسمونه ” قبر امنا حواء ” و هناك جهتين للقبر جهه باب ناحيه الراس و باب ناحيه القدم ، و في الوسط مقصوره من الخشب ، و قبه سمح لهم الخادم بدخولها قائلا ان بداخلها ” السره الشريفه ” و في الداخل صوان من الحجر يبلغ طوله نحو متر ، و هو اشبه بمذابح تقديم القرابين ، و يقول البتوني ان المسافه بين الراس و السره ضعف المسافه بين السره و القدمين ، و هذا مخالف للطبيعه الانسانيه ، وسواء كان هذا قبرها ام لا ، فستظل هي ام البشر ، و عندما حاول الشريف عون الرفيق هدم قبتها فيما هدم من قباب الصالحين في مكه ، احتج قناصل لدول بدعوي انها ليست ام المسلمين وحدهم .

و اشار البتوني ان ابن بطوطه ذكر في رحلته بالقرن السابع الهجري القبه و لكن لم يذكر القبر ، في حين ذكر ابن جبير في رحلته عام 587 للهجره ، موضع قبه عتيقه كانت منزلا لامنا حواء ام البشر عند توجهها لمكه .

و في الطريق يمر الحجاج علي ” وادي فاطمه ” اكثر اراضي الحجاز خصوبه ، و ” بحره ” التي يرتاح الحجاج في عششها المعروفه بـ ” القهاوي ” ، و تبيت فيها القوافل ، فهذه القهوي علي شكل اكواخ توفر للحجاج الراحه ، و هناك اماكن مخصصه يبيت فيها الحمير و الجمال ، و علي الطريق 14 قلعه يتواجد بها الجند العثماني علي الدوام ، و خلال الطريق ركبت والده الخديوي و الاميرات العربات التي تجرها الخيول، و باقي نساء الحاشيه ركبن الهوادج ، و ركب الخديوي جواده ، و استقبله الشريف حسين باشا امير مكة المكرمة علي قهوه الحسين علي بعد ثلاث ساعات من مكه ، و خارج مكه اقيمت صواوين الاحتفالات لاستقبال الخديوي .

دخلت قافله الخديوي الي مكه من ” باب جرول ” و مروا علي التكيه المصريه و دار الحكومه الحجازيه و دار البلديه و كانت كلها مزينه باحسن زينه ، و في فجر الخميس وصل الخديوي لباب الحرم الشريف ، وصلي الصبح مع الامام المالكي ، ثم طاف طواف القدوم ، و خرج الي السعي بين الصفا و المروه ، و يذكر البتوني ان الخديوي رفض عرض شريف مكة بالسعي ركوبا ، قائلا : ” ما علي لو غبرت قدمي ساعه في سبيل الله ” .

و استقبل شريف مكه الخديوي احتفاءا به ، و تسابق المصريون هناك علي دار الاماره التي مكث فيها الخديوي لتاديه تحيه القدوم ، و تفقد الخديوي التكيه المصريه و محالها و مخازنها و اكل من مطابخها ، و امر بالاهتمام بالفقراء ، و يوم صلاه الجمعه خصص للخديوي القبه اعلي بئر زمزم ففرشت بالسجاجيد العجميه .

و علي المنبر الخطيب و يليه بدرجه احد الاغوات للحمايه ! ، و هي عاده قديمه ، استغنوا عنها بعد ذلك بعمل ابواب للمنابر ، و خاصه بعد ان صات الخطبه لغير الامراء و الرؤساء .

في زمن الحج ذلك الوقت كان يجتمع في الحرم نصف مليون نسمه يرددون في نفس واحد باسم الواحد الاحد في مظهر تقشعر له الابدان و تهفو له الروح ، و اثناء الصلاه امطرت السماء و لكن لم يتزحزح المصلون عن اماكنهم مستبشرين بالمطر علي انه رحمه من الله .

و زار الخديوي الاماكن المباركه في ” المعلي ” ، ثم اخذ طريق الحجون مارا بالسلخانه قاصدا جرول لزياره المحمل المصري ، وزار مكان مولد الرسول عليه السلام ، و مكان مولد علي بن ابي طالب ، و دار الارقم المخزومي ، و طاف بالكعبه ، و زار مقام الخليل ابراهيم .

قبل ان تعرف السفن طريقها للحجاز ، يؤرخ البيوتي لطريق الحج قديما ، قائلا ان مصر كانت في ذلك الوقت طريق المسلمين الراغبين حج بيت الله الحرام سواء برا او بحرا ، فيجتمعون بالقاهره قبل شهر رمضان ، ثم يسيرون منها الي قوص في 20 يوما ، ثم يسيرون في الصحراء الشرقيه الي العيذاب او القصير اللذان كانا بمثابه ميناء السويس الان في 15 يوما ، و كان الطريقان في ايدي عرب البجاه ،يقال انهم من البربر ، كانوا يتولون نقل الحجاج علي ابلهم في الصحراء ، و كانوا معروفون بغلظتهم ، و ربما بلغ بهم الامر لتغيير طريق الماء علي القافله لترك ركابها يموتون عطشا ، في حين يستولون هم علي متاعهم ، و في هذه الصحراء قبر العارف بالله ابو الحسن الشاذلي قرب ” امتان ” ، و كان يقام له مولد في مولده من اول ذي الحجه حتي التاسع منه ، يقصده اهل الصعيد و العربان و المغاربه .

و كان لـ ” عيذاب ” حاكمان احدهما بدوي يتبع عرب البجاه ، و الاخر تابع لحاكم مصر ، و كانوا ياخذا عوائم مرور ” 10 جنيهات ” علي كل حاج مغربي ، و ” 7 جنيهات ” علي كل حاكم اخر ، و يقتسمان ما يتحصلانه مع امير مكه !! و استمرت علي ذلك حتي اوقفها صلاح الدين الايوبي في عام 590 في زمن الشريف مكثر بن عيسي ، و فرض له شيئا عوضا عن نصيبه .

اما القصير فمهد طريقها رمسيس الثالث في القرن الثاني عشر قبل الميلاد لتداول التجاره بين مصر و اليمن و الهند و بلاد العرب ، و في زمن بطليموس اصبحت الميناء الوحيده التي تصل تجاره البحر الابيض المتوسط بالمحيط الهندي و العكس ، و هو الذي بني مدينه ” برنيس ” التي قامت بعد ذلك علي انقاضها قريه ” عيذاب ” ، و في هذه الجهه اطلال مدينه قديمه ، ذهب البعض انها مدينه ” اوفير ” التي كان سليمان بن داود يرسل بني اسرائيل اليها لاستخراج الذهب من ضواحيها وورد ذكرها في التوراه .

و كان الحجاج يقيمون في عيذاب او القصير لشهر من الزمان في انتظار ” الفلايك – سفن صغيره غير محكمه الصنع شراعها في الغالب من الحصير ” التي تحلمهم الي جده ، و كان اصحابها يشحنونها باكثر من حمولتها ، وكثيرا ما كانت تغرق في وسط البحر ! و من استطاع ان يصل سالما فكان يستغرق اسبوعان يري فيهم اهوال البحار .

و قد قطع هذا الطريق ” ابن جبير ” عام 579 و استغرق شهر و نصف من القاهره لجده ، قضاها بين مشاق و اهوال ، و سافر ابن بطوطه من مصر الي عيذاب ، و لكنه لم يجد مركبا تحمله لجده لان السفن هناك احرقت بسبب واقعه حدثت بين الترك و العرب البجاه ، فعاد الي مصر ، و منها الي بلاد الشام ، ثم الي بغداد ، و سافر منها مع المحمل العراقي في السنه التاليه .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل