المحتوى الرئيسى

أسلمة وتأصيل العلوم الاجتماعية

09/15 18:05

منذ عده عقود كثر الحديث عن علم اجتماع اسلامي يهدف الي توطين علم الإجتماع الذي وصف من قبل بعض الباحثين انه غربي الهوي. وقد اخذ ذلك شكل الكتب والمقالات واطروحات الدكتوراه بدات تزدهر منذ بدايه التسعينيات. وكانت هناك ردود افعال جد سلبيه من الكثير من الباحثين من الجماعه العلميه السوسيولوجيه.

كباحث في علم الاجتماع ليس لدي حساسيه من استخدام تعبير علم اجتماع اسلامي او عربي او لبناني او جزائري، وان يستوحي بعض مفاهيمه من التراث وان تطبع وتلون نظرياته من وحي واقع المجتمعات. ولكن، لقد تبين لي من خلال تحليل مضمون الكثير من هذه الادبيات (التي اخذت شكل كتب ومقالات واطروحات الدكتوراه) ومقابلات مع بعض المنادين بها ان اضافه توصيف جغرافي او ديني لعلم الاجتماع يطرح اشكاليات حقيقيه.

هناك محاولات جديده ولكنها نادره لدراسه كل عناصر العلم الاجتماعي وتوطينه او تبييئه محليا. وانا افضل استخدام مفهومي التوطين والتبيئه كونهما يشيران الي منظومه قيميه او ثقافيه اسلاميه ولكن ايضا الي عوامل حاسمه اخري كالثقافه الوطنيه والمحليه وطبيعه العمران في ادخال تلوينات علي العلوم الاجتماعية وهذا اقرب الي تخصصات يمكن تسميتها بعلم اجتماع في بلد عربي او اسلامي منه ان يكون علم اجتماع اسلامي. واعتبر عمليه التوطين جديه في حال توفرت العناصر الاربعه التاليه:

الاعتراف ان جزءاً كبيراً من العلم الاجتماعي (وخاصه جانبه الوضعي) يتطور بفضل التراكم المعرفي العالمي. وبالتالي لابد من الاستفاده من الادبيات التي ينتجها البحث في العالم ان كان غربيا او في مكان اخر.

كون ان العلوم الاجتماعيه مطبعه بثقافه محليه، بما فيها الثقافة الاسلامية، فلا بد من الاخذ بعين الاعتبار بدور هذه الثقافه في فهم الفاعلين الاجتماعيين لاي ظاهرة اجتماعية وهذا ما علمتنا اياه مدرسه البنائية الاجتماعية لبيتر بيرغر وتوماس لوكمان، اي ان انظمه المعرفه ليست الا تركيبات ذهنيه حيث تساهم فيها مؤثرات وقيود كثيره تفرضها القيم الدينيه والايديولوجيات السائده في المجتمع وسياسه الحكم والخلقيه التي يحملها افراد يصنعون المعارف. فلا يكفي التوصيف الكيميائي للقات لاعتباره احد انواع المخدرات ولكن كيف يفهم اليمنيون القات باعتباره جزءاً من الطقوس الاجتماعيه الضروريه للُحْمه الاجتماعيه في اليمن.

لا تكتمل الدوره الكامله للمعرفه (علي الاقل تلك التي تهم المجتمع المحلي) الا باحتكاكها بالجمهور المعني بها والجدل المجتمعي الناتج من استقبالها من الجمهور وبتحولها (او تحول جزء منها) الي سياسات لصانعي القرارات لتختبر في تطبيقها علي الواقع. من هنا اهميه ان يقتبس الباحثون بزملائهم في نفس الحقل الثقافي او المنطقه الجغرافيه، حيث ستشكل جدلاً في المجإل آلعام الذي هو جزء لا يتجزا من عمليه البحث الاجتماعي. ولعلي اري في

-ينبغي علي العلم الاجتماعي (او جزء منه) التواصل مع العلوم الدينيه (اصول الدين والفقه) من اجل ايجاد "فقه الواقع" او فقه المقاصد وهما منهجان مفتاحيان لكل المدارس التجديديه الاسلاميه في واقعنا المعاصر.

ساتناول هنا مثالين لهذه المحاولات الجاده:

المثال الاول في مجال الاقتصاد الإسلامي، هناك الكثير من البحث العلمي حول هذا المجال. وقد بدا البحث بالتركيز علي الجوانب المعياريه كالتنظير للوفاء بالاحتياجات من اجل الوصول الي الرفاهيه (Wellbeing) بدلا تلبيه الرغبات الغريزيه، واستبدال الربا بالمرابحه، والتاكيد علي التوازن بدل التحسين الاقصي (optimizing) الخ. ومن ثم قدمت دراسات وضعيه علي تحليل السلوك الاقتصادي، وان قلت مقارنه بالكم الغزير للدراسات المعياريه. (Eğri and Kizilkaya 2015)

المثال الثاني، العمل الرائد الذي قامت به هدي محمد حسن هلال، والتي نشرت كتابا بعنوان نظريه الاهليه: دراسه تحليليه مقارنه بين الفقه وعلم النفس (2011). هلال هي خريجه الجامعه الإسلاميه العالميه في كولا لامبور في الفقه وعلم اصول الفقه ويبدو ان لها درايه علميه ثاقبه في علم النفس. واهميه هذا الكتاب تنبع في طرح الكثير من القضايا الشائكه المطروحه للبحث والنقاش، مثل اهليه المراه للقضاء والحكم والشهاده في بعض القضايا، والتمييز بين البلوغ الفسيولوجي والرشد العقلي، وموضوع الاضطرابات النفسيه والعقليه التي قد تسقط الاهليه بصفه دائمه او مؤقته. وقد غيرت الاشكاليه من التمييز الفج والقاطع بين الرجل والمراهـ الي تمييزيات مربوطه بموضوعه الرشد، بحيث يمكن للرجل كما للمراه ان يتمتع بالاهليه او يفقدها. وتدحض ما ذهب به البعض الي ان انتقاص اهليه المراه لها علاقه بحيضها ونفاسها والتغيرات البيولوجيه الاخري. وتخلص الباحثه بان هناك حاجه الي نظريه معاصره للاهليه واضحه المعالم تجمع بين الفقه وعلم النفس والعلوم المعاصره، لايجاد حلول للاشكاليات والخلافات القديمه والحديثه، والتي من اهمها: وجوب تفعيل مقاصد الشريعه في حقوق الجنين من خلال علم الاجنه وعلم النفس، من اجل تقرير حقوق اضافيه للجنين علي الحقوق المنصوص عليها سابقا.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل