المحتوى الرئيسى

الفضائيات الأردنية، جدل الفشل

09/15 18:05

لم تعرف الشاشه المحليه الاردنيه منذ نشاتها سوي صوره واحده انفرد بها التلفزيون الأردني الرسمي لعده عقود ممثله وجهه نظر حكوميه بلا شك، هذا العصر الذهبي الذي حظي به تلفزيون الدوله انتهي بظهور متسارع لعدد من الفضائيات المهتمه بالشان المحلي خلال السنوات الخمس الاخيره، لتزاحمه علي مشاهديه حيث عاد الي الصفوف الخلفيه ضمن تصنيف المتابعه.

رغم الكم المقدور لتلك القنوات حديثه الولاده، الا ان الانتشار الواسع لم تحققه سوي ثلاث او اربع فضائيات ابرزها قناة رؤيا الفضائية والتي يملكها رجل الاعمال الاردني ميشيل الصايغ، وقناه اليرموك الفضائيه والتي تملكها جماعة الإخوان المسلمين الاردنيه، ولعل القوي الاقتصاديه والسياسيه التي تقف وراء الفضائيتين تعد سببا رئيسا في ما تتمتعان به من حضور.

"رؤيا" انطلقت قبل ما يقارب الخمس سنوات ضمن رؤيه تنص علي "ايجاد محطه تقوم علي رؤيه فضائيه ذات شكل عصري ورقمي متطور يرقي بمضمون اعلامي عال المهنيه والجوده ويلبي اهتمامات وتطلعات المشاهد العربي والمشاهد الاردني في الداخل وفي الخارج " كما تُروّج، واستطاعت فعليا الوصول الي بيوت الاردنيين بشكل واسع محققه متابعه غير مسبوقه لقناه اردنيه محليه؛ حيث اعتمدت تقنيه عاليه الكفاءه والتطور فهي تستخدم كاميرات عاليه الوضوح مقارنه بمثيلاتها من القنوات الاردنيه باخراج احترافي عصري وتعمل علي البث بتقنيات متطوره ايضا، بينما تجتهد لتمثيل كافه اطياف المجتمع في برامجها المتنوعه، الا انها مع ذلك لم تنج من سقطات جعلتها مثارا للجدل محلياً وحتي عربياً فهي تتّهم من عده جهات بان خطها التحريري لا يتفق مع الثقافه والخلق العام الاردني، هذه الاتهامات لقيت قبولاً شعبياً عبر عده مقاطع مصوره تجاوزت فيها القناه الاخلاق العامه لمجتمع محافظ تاره وتصادمت فيها مع معتقدات مجتمع مسلم تاره اخري في حين عززت من النزعه العنصريه عبر مشهد اخر.

لعل الجدل الاخلاقي الذي اثاره المقطع الاخير للقناه المعروف بمقطع "الخوخ"، والذي يحمل ايحاءات جنسيه بشكل فج ، كان القشه التي قصمت ظهر البعير فبينما ثارت حميه المجتمع الاخلاقيه عبر استهجان وادانه غير مسبوقين سُجّلا بوضوح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قدمت القناه بين يدي ذلك اعتذاراً لم يشفع لها بل اعتبر مجتمعيا كما يقال "عذر اقبح من ذنب"!، جاء في الاعتذار ان المقطع المصور كان موجها للبالغين وليس للصغار مما جعل القناه في موقف لا تحسد عليه ابدا فلو قدمت اعتذارا دون تبرير لكان موقفا ايسر تقبلا، لكنها تبنت وجهه النظر القانونيه من الموضوع و هو جواز عرضه للبالغين، في حين ان المجتمع يسود فيه اعراف واخلاق مغايره تتحفظ علي عرض هذه المشاهد تجاه اي فئه كانت، تخضع القناة اليوم لتحقيق قضائي صدر فيه بلاغ من النائب العام يحظر مناقشه تفاصيله اعلاميا.

رغم كل الاسس التي اعتمدتها "رؤيا" للنجاح وتحقيق الانتشار الواسع يسود المجتمع الاردني حاله تَعكَّر فيها المزاج العام تجاه القناه حيث صدرت دعوات عديده توجب علي الجهات الرسميه التحرك تجاه اغلاق القناه في ما دعي اخرون ارباب الاسر الي تحمل واجباتهم في فلتره الشاشات من الشوائب الاخلاقيه، في وقت حمل فيه التداعي الشعبي المتزن ضد القناه صوره جدار واق لتقاليد المجتمع.

يمكنني القول ان القناه فشلت في استرضاء الذائقه الاردنيه وفشلت في الحصول علي الثقه المطلوبه للتواجد المريح علي الشاشه المنزليه الاردنيه حيث عززت وجودها كتلفزيون مثير للجدل ولهواجس المؤامره علي الامن الاخلاقي الاردني.

في الجهه الاخري تقف فضائيه "الاخوان المسلمين" فصيل المعارضه الاكبر، قناه "اليرموك" التي افتتحت منذ ما يقارب الخمس سنوات ايضا، بدات عملها الفعال منذ انطلاق ما سمي بـ "الحراك الاردني للاصلاح " حيث اقتربت شاشتها من ان تكون تلفزيون الحراك بامتياز فاغلب برامجها تبث الفعاليات الحراكيه او تحللها وتطرحها للنقاش، انا شخصيا عملت صحفيا في طاقمها لاكثر من سنتين غطيت فيها عشرات الفعاليات الحراكيه بعيدا عن تغطيات تلامس مساحات اخري من واقع المواطن الاردني في تلك الفتره. فالاخوان يتبنون حاله ثوريه في الاقليم ويتبنون حراكا شعبيا سلميا علي المستوي الاردني كقواعد اساس للوصول الي السلطه مما عكس ذلك علي خط سير القناه.

انحسرت موجه الحراك الشعبي و بدات القناه بمحاوله تناول الشؤون المحليه متجاوزه التوقف هناك، وعلاوهً علي تاخرها فقد واجهت واقعاً تقنيا شديد الصعوبه فهي بعيده عن الاحتراف التقني تصويرا واخراجا وانتاجا فيما تحاول التكيف مع البيروقراطيه التنظيميه في ذات الوقت، اضف الي ذلك تركز مشاهدتها علي منتسبي "الاخوان" و مناصريهم تبعا لتبنيها لوجهه النظر الاخوانيه تماما كما يتبني التلفزيون الرسمي وجهه النظر الحكوميه بجمود مستغرب.

جماعه "الاخوان " في الاردن تشهد منذ ما يزيد عن العام تطورات كبيره علي مستوي ازمتها الداخليه وبعيدا عن الاسباب والحيثيات فان هذا الانقسام القي بظلاله علي كافه فعاليات الجماعه ومؤسساتها و منها "اليرموك" فكانت تبعيتها المباشره لتنظيم يشهد اضطرابا نوعيا سببا كبيرا في ضعفها.

اُغلقت الحكومه استديوهات القناه منذ اسابيع بحجه عدم اتمام اجراءات الترخيص، في وقت لم تحصل فيه "اليرموك" علي تعاطف شعبي مقبول يدين اغلاقها، في حين لم يقدم "الاخوان" تجاه ذلك سوي الادانه والاستنكار في خطوه تبين صفريه خيارات الجماعه امام صفعات النظام الحاكم.

و اري هنا ان فشل اليرموك في استقطاب اطياف المجتمع ككل، وفشلها في التعاطي السياسي مع الحكومه كتلفزيون معارض، اضافه الي الضعف التقني الشديد الذي رافقها منذ الانطلاق، يضيف فشلا اخر الي حاله الاعلام الاردني.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل