المحتوى الرئيسى

«يارايحين للنبي الغالي»..جذور تاريخية لأغاني الحج المصرية

09/15 16:47

دق “الكوسات” وتسابق الرماحه..طقوس الحج قديماً

بنك مصر ساهم في ظهور اغنيات الحج بالاذاعه

اغاني الحج تراجعت بعد الثوره لصالح الاغاني الوطنيه

اشتراك مؤلف مسيحي وملحنه ومطربه مسيحيه في تقديم اغنيه عن الحج

محمد عبدالوهاب احجم عن تقديم اغنيه للحج في عقد الاربعينيات

“حازت فريضة الحج عدداً كبيراً مما ازدان به الغناء المصري من اغنيات دينيه، وذلك لما لهذه الفريضه من مكانه في قلوب عامه المصريين واعيانهم، وثانياً لما يصحب مرحلتي الخروج لاداء هذه الفريضه والعوده بعد اتمامها من تجمع جماهيري يخلق جواً مناسباَ للغناء، وكذلك كثره ما نظم عن الحج من اغنيات، والارتباط الازلي بين الغناء وكل ما هو ديني، تشهد علي ذلك الاناشيد الدينيه التي ترددت اصداؤها في رحاب معابد الفراعنه، وكنائس المصريين المحدثين ومساجدهم، بل ان ادعيه الحج كانت تتردد في عصر الجاهليه مصحوبه بانغام صفير الحجاج وعلي ايقاع تصفيقهم”.

هكذا يؤكد د.نبيل حنفي محمود في كتابه “هكذا غني المصريون: الاغاني المصريه في المناسبات الدينيه والسياسيه” الصادر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والذي نتوقف معه عند المراحل التاريخيه لاغاني الحج، حيث يرصد الكتاب ما قُدم منها خلال عصر الارسال الاذاعي بمصر.

يقول الباحث، لسنا نعلم علي وجه التحديد متي الّف المصريون اغنيات عن الحج، ولكنه يمكن القول بان تلك الاغنيات واكبت ظهور المحمل في المجتمع المصري، والمحمل هو هودج يحمل علي ظهر فحل من الابل، وتكون بصحبته كسوه الكعبه المشرفه ونفقات الحرمين الشريفين، وتقول المصادر التاريخيه بان اول ظهور للمحمل كان في سنه 675 هـ (1277) خلال سطنه الظاهر بيبرس البندقداري.

وقد وصف ابن اياس الظهور الاول للمحمل في كتابه الشهير “بدائع الزهور في وقائع الدهور” بقوله: وفي هذه السنه اي سنه 675 هـ، طيف بالمحمل الشريف وكسوه الكعبه بالقاهره، وكان يوماً مشهوداً، وهو اول من فعل ذلك من الملوك بمصر، واذن للناس في الحج رجبي، فسمي الحج الرجبي من يومئذ، ولفظ “رجبي” او “الرجبي” في حديث ابن اياس نسبه لشهر رجب، وقد توالت اشارات ابن اياس عند مطالع شهري رجب وشوال فيما ارخ له من سنوات الي خروج المحمل والحجاج من مصر قاصدين بيت الله الحرام، حيث كشفت تلك الاشارات عمّا صاحب خروج المحمل والحجاج من احتفالات، تلك الاحتفالات التي تضمن اولاً دق “الكوسات” وهي صنوج من نحاس، وتسابق الرماحه وهم “فرسان المماليك”.

ويشير الكتاب الي ان تجمعات جماهيريه كالتي تابعت خروج المحمل في القاهره – وعبر سنوات طوال – كان حتماً ان يتردد فيها غناء، وهو ما اثبتته المصادر التاريخيه لتلك الفتره، وذكر ابن اياس في تسجيله عند خروج محمل خوند فاطمه زوجه السلطان الاشرق قايتباي، كان العوام يرقصون ويقولون:

بيع لي لحافي ذي المخمل

يشير الباحث الي ان بعض المنشدين القدامي ذكروا ان الناس الفوا الاستماع الي الموشحات والادوار والمدائح النبويه من المنشدين عند رحيل الحجاج وعقب قدومهم، وقد استمر الامر علي ذلك حتي بزوغ عصر الارسال الاذاعي مع افتتاح محطه الاذاعه الحكوميه في 31 مايو 1934، عندما بدات الاذاعه تقدم اغنيات عن الحج مصحوبه بتنويه مفاده ان تلك الاغنيات تذاع بتصريح خاص من شركه مصر للتمثيل والسينما، ولانتاج تلك الاغنيات قصه لابد وان تُحكي .

بعد تاسيس محمد طلعت حرب باشا لبنك مصر في عام 1920 بمثابه الناتج الاقتصادي لثوره الشعب الكبري في عام 1919م، ولقد غطت الشركات التي اسسها هذا البنك الرائد معظم اوجه النشاط الصناعي والتجاري بمصر، ومن بين ما انشا بنك مصر من شركات نذكر كلا من شركه مصر للتمثيل والسينما، التي تاسست في عام 1925م، وشركه مصر للملاحه البحريه التي دشنت في عام 1934م، والي هاتين الشركتين الرائدتين يعزي اول ما حفظ الغناء المصري المعاصر من اغنيات عن الحج.

يتابع الكتاب: فكما هو معروف مما حفظته الدوريات والصحف من اخبار واعلانات، ان عامي 1935 و1936 م شهدا انتظام خطين للملاحه عملت عليهما بواخر شركه مصر للملاحه البحريه فيما بين مصر وكل من اوروبا والمملكه العربيه السعوديه، حيث خصصت الباخرتين كوثر وزمزم بين مينائي السويس وجده لنقل حجاج بيت الله الحرام، ولما كانت “شركه مصر للتمثيل والسينما” تمتلك من الامكانيات الفنيه، فقد سخرت الشركه هذه الامكانيات لانتاج مجموعه من الاغنيات عن الحج، حيث استعانت ببعض الملحنين من ذوي النشاه الدينيه مثل زكريا احمد واحمد عبدالقادر ومحمد الكحلاوي لتلحين تلك المجموعه من الاغنيات، حتي ان شركه مصر للتمثيل والسينما ضمنت اول حفله غنائيه نقلتها الاذاعه عام 1937، ضمنتها مجموعه من الاعمال الغنائيه التي تناولت شعائر الحج.

ان قراءه سريعه في المتاح مما انتجه بنك مصر من اغنيات الحج، سوف تكشف للقارئ الكيفيه التي زواج فيها شعراء ذلك العصر بين التغني بمشاعر الحج والدعايه لبنك مصر وشركاته، ففي انشوده “ذهاب الحجاج” التي افتتحت بها المطربه نجاه علي الفقره الاولي من حفله بنك مصر، بدات نجاه علي الانشوده بالمقطع التالي:

يا حته من اوطان اهاليكي

هكذا خلط بديع خيري مؤلف الاغنيه بين طلب الشفاعه من النبي صلّ الله عليه وسلم، وبين التوجه بالرجاء للبحر كي ترفق امواجه بزمزم وكوثر، وهما الباخرتان اللتان سيرتهما انذاك شركه مصر للملاحه البحريه لنقل الحجاج، بالاضافه الي الزج بعلم البلاد الاخضر لاضافه البعد الوطني علي تلك اللوحه الغنائيه المركبه، بينما خلت انشوده “عوده الحجاج” التي نظمها بديع خيري ولحنها زكريا احمد وترنمت بها نجاه علي من مثل هذا الخلط، وجاءت كلماتها وفقاً للكتاب معبره عن مشاعر مستقبلي الحجاج عند عودتهم الي البلاد بعد اداء الفريضه، تقول المقدمه:

مبروك عليك الحج والفرض اتوفي

يا مهني بعد الغيبه اهل وناس

وطيت علي شباك نبينا المصطفي

مطرح ما ايدك ملست تنباس

حرم النبي المختار في قبلته صليت

تولت الإذاعة المصرية منذ عام 1938 زمام المبادره في انتاج اغنيات عن الحج، وكانت باكوره انتاجها اغنيه “محمل الحجاج”، نظمها الشاعر الغنائي بديع خيري باسم “محمل الحجاج”، واسندت اداره الاذاعه تلحينها ومن ثم غنائها للمطرب والملحن الجديد انذاك “فريد الاطرش”:

لقد ظهرت اغنيات لا عدد لها قبل هذه الاغنيه وبعدها، فغيب معظمها النسيان والضياع، وحدها “محمل الحجاج” بصوت اسمهان بعد ضياع تسجيلها بصوت فريد الاطرش.

توالي انتاج الاذاعه من اغنيات الحج فيما تبقي من اعوام الثلاثينيات وعلي امتداد الاربعينيات من القرن الماضي، وبالبحث - كما يشير الكتاب -تبين ان الملحن والمطرب احمد عبدالقادر هو صاحب العدد الاكبر من اغنيات الحج، منذ ان بدات الاذاعه في انتاج هذا النوع من الاغنيات، ومشاركه الكثره الغالبه من الاصوات الغنائيه في تقديم هذا اللون المحبب الي القلوب، ولا يجد الباحث سوي صوت واحد هو صوت محمد عبدالوهاب الذي احجم عن تقديم اغنيه للحج في عقد الاربعينيات، ومن ضمن ملاحظات الباحث هي اشتراك مؤلف مسيحي وملحنه ومطربه مسيحيه في تقديم اغنيه عن الحج!.

ونعني بذلك قصيده “هذا الحجيج اقبل”، التي نظمها جبران كويني ولحنتها وترنمت بها المطربه اللبنانيه الاصل: لور دكّاش، واخر الملاحظات التي سجلها الكتاب حول قصيده “الي عرفات” من شعر امير الشعراء احمد شوقي، والتي تغنت بها المطربه الكبيره نجاه علي عام 1949، بلغ زمن اذاعه القصيده نصف ساعه وتكونت من ثلاثه عشر بيتاً اولها:

الي عرفات الله شعب محمد

عليك سلام الله في عرفات

وهو بذلك يختلف عن البيت الاول فيما استهلته ام كلثوم من ابيات تلك القصيده، وتغنت به عام 1951م، فجاء نص البيت الاول مما تغنت به ام كلثوم:

الي عرفات الله يا خير زائر

عليك سلام الله في عرفات

وبحسب الكتاب تنوعت قوالب الاعمال الغنائيه، التي انتجتها الاذاعه المصريه عن الحج في عقد اربعينيات القرن الماضي، ذلك العقد الذي شهد القدر الاكبر مما انتجت الاذاعه من اعمال غنائيه عن الحج، حيث شملت هذه القوالب القصيده والطقطوقه والموال والمونولوج والاغنيه الشعبيه، بل وامتدت تلك الاعمال حتي للبرامج الغنائيه الاذاعيه، تلك البرامج التي شهدت اوج الانتشار في عقد الاربعينيات ايضاً، حيث قدمت الاذاعه برنامجاً عن الحج باسم “حج مبرور”، كان البرنامج من تاليف احمد شفيق كامل وتلحين سيد مصطفي واخراج حافظ عبدالوهاب، وعاودت الاذاعه تجربه انتاج برنامج غنائي عن الحج بعد مرور عشره اعوام كامله علي انتاج “حج مبرور”، حيث قدمت ولاول مره برنامجاً غنائياَ باسم “مناسك الحج”في 1955.

شهدت اربعينيات القرن الماضي - بحسب الكتاب - ذروه انتشار الافلام الغنائيه، ولقد تسبب الاقبال الهائل علي تلك الافلام في تعدد ما كان يقدم فيه من انواع الغناء، وكان الغناء الديني علي راس هذه الانواع، سواء اكان موضوع الفيلم دينياً او دنيوياً، ويعد فيلم “افراح” اول فيلم تضمنت احداثه اغنيه عن الحج، حيث تغنت فيه المطربه الكسندرا بدران الشهيره بنور الهدي، باغنيه نظمها حسن توفيق ولحنها عبدالعزيز محمود وتبدا بهذه الابيات:

وجاء فيلم”الصبر جميل” الذي عرض لاول مره في 1951 تالياً لفيلم “افراح” في قائمه الافلام التي تضمنت اغنيات عن الحج، وفيه تغني محمد الكحلاوي بلحنه لاغنيه كتبها كمال محمد وحملت اسم “الحج”، مما حفز المطربه الكبيره ليلي مراد، التي كانت النجمه الاولي للافلام الغنائيه انذاك، علي تقديم اغنيتها الشهيره “يا رايحيين للنبي الغالي” في فيلم “بنت الاكابر”، وتبدا هذه الاغنيه التي ما زالت تتردد علي السن الناس حتي ايامنا هذه، والتي كتبها ابو السعود الابياري واعطاها رياض السنباطي لحنا جميلا من مقام الكرد، تبدا بهذه الابيات:

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل