المحتوى الرئيسى

في ذكرى ميلاد إسماعيل ياسين.. مونولوجست بالصدفة وكوميديان بالعافية

09/15 16:41

هو المع نجوم الكوميديا في السينما المصريه منذ بدايتها وحتي الان، لم يتخيل احد ان ذلك الفتي القادم من السويس الذي كان يحلم بان ينافس "موسيقار الاجيال" محمد عبدالوهاب علي عرش الطرب المصري، يصبح واحدا من اساطير الضحك في مصر، ربما لم يتوقع هو نفسه انه سيكون يوما ما ذلك الاسم اللامع في تاريخ السينما، رغم كل ما عاشه من صعاب ومتاعب في بدايه حياته.

وُلد اسماعيل ياسين علي نخله في مثل هذا اليوم 15 سبتمبر عام 1912 بمدينة السويس، وكان والده احد اشهر الصائغين بالمحافظه، ولكنه ايضا كان واحدا من اشهر مبذري المدينه، وهذا ما تسبب في افلاسه ودخوله السجن بسبب تراكم الديون عليه. وتوفيت والده اسماعيل وهو صبي، وبعد سجن والده اضطر اسماعيل للعمل كمنادي امام محلات الاقمشه، وعندما هجر منزل والده بسبب سوء معامله زوجه ابيه عمل مناديا للسيارات في موقف السويس.

ظل اسماعيل ياسين يحلم طيله حياته بالسفر الي القاهره والعمل في مجال الغناء، وشجعه اصدقاؤه علي ذلك، وبالفعل رحل اسماعيل وهو في سن السابعه عشر الي القاهره، بعدما قام بسرقه 6 جنيهات من جدته، ولكن الفتي الحالم فشل فشلا ذريعا في المره الاولي، اذ لم يجد عملا في مجال الغناء، فاضطر للعمل كصبي قهوجي في المقاهي الشعبيه، وفي تلك الاثناء كان اسماعيل يذهب للافراح الشعبيه ويحاول الغناء فيها، حتي انه ذهب الي احد الافراح وخانه ذكائه فغني لهم "ايها الراقدون تحت التراب"، فانهال المدعوين عليه بالضرب، واثناء ذلك فلتت من اسماعيل ياسين نكته، فتوقف المدعوين عن ضربه وطالبوه بالقاء النكات وغناء المونولوجات.

وبالصدفه كان من بين المدعوين الزجال الكبير وقتها "ابو بثينه"، فاستمع الي اسماعيل ياسين ونصحه بالعمل في مجال المونولوج الفكاهي، وان يصرف فكره الغناء العاطفي عن عقله، وبعدما اتهمه خادم مسجد السيده زينب - الذي كان ينام فيه "سُمعه" - بسرقه "طقم الشاي"، عاد اسماعيل الي السويس مره اخري، ولكن حلمه في العمل في مجال الفن لم يفارقه، ليعود سريعا الي القاهره مره اخري، ويبدا رحلته من جديد.

بعدما اقرضه اصدقاؤه في السويس مبلغا من المال، قام اسماعيل ياسين بشراء مونولوج من احد المؤلفين، وكان يُقال وفي بدايته "يا حله العدس الدافي.. تسلم ايدين اللي غلاكي"، واشتري بدله جديده، وذهب الي احدي صالات الغناء، وتقدم الي مديرها وغني امامه المونولوج، فيقرر صاحب الصاله ان يعيّن اسماعيل ياسين بها بمرتب 4 جنيه شهريا.

بعدها تعرف اسماعيل ياسين علي الكاتب الكبير ابو السعود الابياري، واللذان شكلا معا "ثنائيا" فنيا لامعا في الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وكان اسماعيل تخلي اخيرا عن حلمه بان يكون مطربا عاطفيا ينافس محمد عبد الوهاب، بعدما نصحه الكثيرون بالتوجه لفن المونولوج الفكاهي، ويُذكر ان "سُمعه" كان ياخذ الاغاني والمونولوجات في بدايه حياته من ابو السعود الابياري "شُكُك"، ويسدد ثمنها حينما يتوفر له المال.

اسمع مونولوج "صاحب السعاده" لاسماعيل ياسين

اما المحطه الاهم في بدايه اسماعيل ياسين فهي تعرفه علي الراقصه بديعه مصابني، بعدما رشحه لها ابو السعود الابياري ليعمل في مسرحها كمونولجيست بجوار "ملك المونولوج" وقتها الفنان سيد سليمان، لتبدا شهره اسماعيل ياسين الحقيقه، حتي انه تم طلبه مرتين لجولات فنيه في سوريا والشام.

حينما سافر اسماعيل ياسين الي سوريا في المره الاولي تعرض لموقف شديد الغرابه، اذ انه في اولي لياليه في سوريا صعد علي خشبه المسرح، وبدا في تقديم مونولوجاته، ولكن الصاله والجمهور لم تتفاعل معه بل علي العكس كانت تنظر لها باشمئزاز وكراهيه شديده، ولم يفهم اسماعيل السبب من وراء هذا، حتي انه عندما انتهي من غناء كل مونولوجاته نهض الجمهور وانصرف دون ان يصفق له، فاصيب اسماعيل ياسين بالاحباط والحزن الشديد، ليكتشف بعد ذلك ان متعهد الدعايه بني دعايته علي ان إسماعيل يس هو المطرب الذي ينافس عبدالوهاب، فحضر الجمهور متوقعين انهم سيستمعون الي مطرب عاطفي لا الي مونولوجيست فكان ما كان، وبعدها بسنوات قليله عاد اسماعيل ياسين الي سوريا ولكن هذه المره كومونولجيست، ليلقي نجاحا باهرا عوّض الاحساس بالفشل الذي شعر به في رحلته الاولي.

اسمع مونولوج "عيني علينا يا اهل الفن" لاسماعيل ياسين

بدا "سُمعه" يحقق نجاحا كبيرا في مجال المونولوج، لدرجه دفعت الاذاعه للتعاقد معه علي تقديم مونولوجات لها براتب 4 جنيه شهريا، ويشمل هذا الغناء والتاليف والتلحين، وارتفع اجره في مسرح بديعه مصابني الي 6 جنيهات، وقتها خدمته الصدفه مره اخري عندما مرض المونولوجست سيد سليمان اثناء تقديمه لمسرحيه "حكم قراقوش" مع فرقه نجيب الريحاني، فطلب الريحاني من بديعه ان ترسل له مونولوجيست يحل محل سليمان حتي شفاءه، فارسلت له اسماعيل ياسين، وعندما سمعه الريحاني ذهب اليه عقب انتهاء المسرحيه وقال له انه سيصير ممثلا كوميديا كبيرا في يوم من الايام، وقام بتوصيه بديعه علي "سُمعه"، وقال لها انها تملك فنانا حقيقيا لا يجب ان تفرط فيه ابدا وهو اسماعيل ياسين، ليفاجا اسماعيل في اليوم التالي ان مرتبه اصبح 10 جنيهات كامله.

في عام 1939 يبدا اسماعيل ياسين خطواته في السينما، عندما اختاره الفنان فؤاد الجزايرلي ليعمل معه في فيلم "خلف الحبايب" في دور صغير، ثم في فيلم "مصنع الزوجات" في سنه 1941، ولكن عندما رشحه علي الكسار للمخرج توجو ميزراحي للعمل في فيلم "علي بابا والاربعين حرامي" رفض توجو ان يعمل معه اسماعيل ياسين لان فمه كبير، ونصحه يان يخضع لعمليه تجميل، وبالفعل ذهب اسماعيل الي جراح ليجري له العمليه، ولكنه كان لا يملك المبلغ المطلوب لها فانصرف حزينا، فلما علم علي الكسار بالامر ثار علي ميزراحي، وقال له انه يريد الممثل الذي سيؤدي دور مساعده بفم واسع، فوافق ميزراحي علي مضض، ولكن بعد ان شاهد اسماعيل ياسين في الفيلم واداءه البسيط التلقائي المبهر قرر العمل معه في الكثير من الافلام، ليقدمه في افلام مثل "الطريق المستقيم"، و"تحيا الستات"، و"نور الدين والبحاره الثلاثه" وغيرها.

قدم اسماعيل ياسين حوالي 240 عملا فنيا بين السينما والمسرح، وجاءت اول ادوار البطوله في حياته في سنه 1949 في فيلم "الناصح"، وفي سنه 1954 ظهر اول فيلم يحمل اسم "سُمعه"، والحقيقه ان في تلك السنه ظهر فيلمان يحملان اسم اسماعيل ياسين، الاول هو "عفريته اسماعيل ياسين" للمخرج حسن الصيفي، والثاني هو "مغامرات اسماعيل ياسين" للمخرج يوسف عيسي، وان كان مرجحا ان فيلم "عفريته اسماعيل ياسين" هو اول الافلام التي ظهرت باسم "سُمعه"، ليلتقط الخيط بعدها المخرج الفذ والشريك الثالث في رحله نجاح "سُمعه" مع ابو السعود الابياري، وهو المخرج فطين عبدالوهاب، ليقدم سلسله من الافلام تحمل اسم اسماعيل ياسين، ويصبح هو صاحب اكبر عدد افلام في تاريخ اسماعيل ياسين.

لم يكن اسماعيل ياسين مونولجيست ومطرب فقط، بل كان ملحنا ايضا، اذ لحّن اسماعيل عدد من مونولوجاته، ومن اشهرها "صاحب السعاده"، و"ياللي تملي تحسد غيرك"، و"ياللي ما شوفتش خيبه"، كما تعامل اسماعيل مع كبار الشعراء امثال ابو السعود الابياري وفتحي قوره والسيد زياده، كما تعامل مع ملحنين كبار امثال عزت الجاهلي واحمد صبره ومنير مراد ومحمود الشريف.

وكما كانت البدايه ماساويه فكانت النهايه ايضا؛ فمع مطلع الستينيات عندما بدات السينما المصريه في تغيير جلدها تغيّر الحال مع اسماعيل ياسين، اذ فوجئ بان الضرائب تقدّر عليه مبلغا ضخما، ولكن قبلها كانت نجوميته في السينما خفتت، وبدا الجمهور في الانصراف عن مسرحياته في الفرقه التي كوّنها في بدايه الخمسينيات مع ابو السعود الابياري ومحمود المليجي، وقلّت عدد افلامه السينمائيه، ولم تعد تلقي النجاح السابق، فتقوم الضرائب بالحجز علي عمارته بالزمالك وحسابه في البنك، فاصيب اسماعيل ياسين بازمه صحيه، وظل طريح الفراش باحد المستشفيات لمده شهرين، ثم اضطر لحل فرقته المسرحيه لتراكم الديون.

وبعد نكسه 1967، ذهب اسماعيل ياسين الي لبنان شانه شان عدد كبير من الفنانين المصريين، وقدّم هناك افلام دون المستوي، وعاد لالقاء المونولوجات في الصالات، ولكنه لم يستطع الاستمرار اكثر من ذلك، فعاد الي مصر مره اخري في اوائل السبعينيات، وبعدها ظل "سُمعه" لفتره طويله بدون عمل، بعدما رفض ان يتصل برئيس مؤسسه السينما وقتها عبد الحميد جوده السحار ليطلب منه عملا، حتي طلبه المخرج احمد ضياء الدين في دور في فيلم "الرغبه والضياع" مع هند رستم ورشدي اباظه ونور الشريف، والذين رتبوا له استقبالا حافل.

اسماعيل ياسين في اخر افلامه "الرغبه والضياع"

بعد ان انهي تصوير مشاهده في فيلم "الرغبه والضياع" باسبوعين اصيب اسماعيل ياسين بازمه قلبيه ليفارق الحياه في 24 مايو 1972 عن عمر يناهز 60 عاما.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل