المحتوى الرئيسى

سمبوزيوم إهدن.. الأيقونة السبعينية ومزارات الفن

09/15 00:53

«سمبوزيوم اهدن الدوليّ للرسم والنحت 2015».. التجربه الفريده قبل ان يُودّع الصيف اخر ايامه الحارّه. لهذا انتهزنا الفرصه للذهاب الي هناك، تلبيه للدعوه التي يوجّهها الفنان «جورج الزعتيني» الي الفنانين التشكيليين للمشاركه فيه، ولرؤيه تلك البلده الجبليّه الوادعه التي تسكن السماء وتلتحف الغيوم.

تعود قصّه سمبوزيوم اهدن الي العام 1998 حين اخذت البلديّه علي عاتقها، وبتحريض من الفنان جورج الزعتيني، اقامه هذا المنتدي الفنيّ السنويّ، اثناء فصل الصيف، عبر دعوه الفنانين التشكيليّين من لبنان كما تشكليين عرب وغربيين، لتنفيذ اعمال منوّعه من لوحات ومنحوتات مقابل تامين الاقامه لهم في فنادق البلده، اضافه الي تناول الوجبات اليوميه علي نفقه البلديّه وبالاتفاق مع الفنادق التي تتقاضي بموجب ذلك عملاً فنيّاً من كلّ فنان مشارك في السمبوزيوم.

يقوم القيّمون علي النشاط بتعريف الفنانين علي جغرافيّه المنطقه عبر زياره سياحيّه لاهم معالمها وزواياها كالكنيسه المقامه في اعلي البلده والتي يُمكنك منها مشاهده المحيط المنوّع بتضاريسه وجمالاته واخضره ومنحدراته التي تؤكد سحر الطبيعه، اذ يُمكنك ان تشاهد جزيره قبرص في حال سمح لك الطقس بذلك. ولاسباب نجهلها، اوقفت البلديّه تعاونها في اقامه السمبوزيوم وذلك منذ ما يٌقارب العشر سنوات، فكانت مبادره الفنان الطليعيّ جورج الزعتيني بعزمه واصراره علي الاستمرار، وحيداً حتي اليوم، مع ما يتطلّبه الامر من جهد وتعب وتغطيه مادّيه علي نفقته الخاصّه! فعمد لحلّ مشكله الاقامه الي الطلب من اصحاب بعض الفيلات والمنازل الكبيره التي تسمح لها ظروفها باستقبال الفنانين (محترفين وهواه) علي دفعات علي ان يكون الثمن تقديم كل فنان عملاً فنيّاً لاصحاب هذه المنازل كما كان يحصل مع اصحاب الفنادق، ومن الطبيعيّ ان يحصل الفنان الزعتيني بدوره علي عمل اخر من الفنان، ومنهم من يقوم بتنفيذ اكثر من عمل فتكون حصّه المضيف اكبر. والنتيجه ثروه فنيّه تشكيليّه يملكها الفنان الزعتيني الذي يحلم باقامه مبني كبير للسمبوزيوم يتسع لهذه الاعمال بمثابه متحف للفنون التشكيليّه، وهو يامل دائماً دعم ومشاركه وزاره الثقافه اللبنانيّه في مشروعه الفني الرؤيويّ والمبدع والطليعيّ. ولتحقيق هذا الحلم التشكيليّ يُفكر الفنان الزعتيني ببيع جزء من الاعمال التي يملكها كي يُسدّد تكاليف بناء هذا المبني، علماً انّه كان قد اسرّ لنا بانه واقع في ازمه ماليه منذ عدوان تموز، حيث يقوم بتسديد اموال وعدته بها وزاره الثقافه اللبنانيّه ولم تف بوعدها!

فوجئنا، اثناء تواجدنا في احد المنازل التي استضافتنا، بعدد اللوحات المعلقه علي كلّ جدران المنزل بحيث ضاقت الامكنه بها؛ لوحات للفنانين الذين مرّوا في المكان، ومنهم اسماء معروفه عربيّاً. تعدّدت المواضيع، وان غلب عليها المنظر الطبيعيّ المستوحي من جماليّه المكان، باساليب منوّعه من واقعيّه وتجريديّه وما بينهما. صاحب المنزل هو المهندس المعماريّ «خليل معوّض»، عضو بلديّ سابق، وصديق الفنانين، منهم من قام برسمه كالفنان «عماد ابو عجرم» اثناء دراستهما في معهد الفنون الجميله في الجامعه اللبنانيّه، هذه الصوره الصغيره بالاكواريل التي رسمها ابو عجرم العام 1975 بدايه الحرب الاهليه اللبنانيه واختفت فيما بعد في المعهد ليقوم احد الاشخاص بحملها لصاحب الصوره بعد مرور خمسه وثلاثين عاماً علي اختفائها! هي قصّه من قصص تاريخ الفن الكثيره التي تدوّنها ريشه الفنان.. قدّرنا عالياً اهتمام اهل البلده بالفن التشكيليّ، وهو شيء لافت نكاد لا نجد له مثيلاً في لبنان او المنطقه العربيّه او في العالم اجمع. قد تكون اللبنه الاولي موضوعه من قبل الفنان الكبير الصديق المرحوم صليبا الدويهي (1912- 1994) الغني عن التعريف الذي يحترمه اهل البلده، ويقدّسونه كما يُقدّسون سانت ريتا او رفقا او سيّده الحصن، ويجلون تجربته التشكيليّه ويعتزون بها، هذه التجربه التي بداها في لبنان قبل ان تنتقل الي الخارج، وبالاخصّ في الولايات المتحده وفرنسا اللتين كان يتنقل بينهما قبل ان توافيه المنيه هناك. يحترم الاهدنيون الثقافه والفن كمكوّن للحياه التي يعيشونها يومياً علي مهل كمن يعزف قطعه موسيقيّه. كنتُ مُرافقاً لمجموعه من الفنانات التشكيليّات الشابات الواعدات، منهن من بدان بشقّ طريق الاحتراف (سوزان شكرون، جنان موسي، دارين جابر، ليلي الموسوي ورانيا عمرو) المتخرّجات من قسم الماستر في الفنون التشكيليّة في الجامعه اللبنانيّه. انطلقنا من بيروت للمشاركه بالسمبوزيوم بعد اتصال مع القيّم عليه الفنان جورج الزعتيني. قامت المجموعه بتنفيذ اعمال في اليوم الاوّل الذي وصلنا فيه الي اهدن وذلك باختيار احدي الزوايا الجميله من البلده التي تضجّ بالامكنه الجميله، فكيفما توجّهت في البلده وخارجها تقع عيناك علي جمالات المكان وتعدّده. جورج الزعتيني فنان سبعينيّ اختار الفن ناموساً لعبادته اليوميّه مكرّساً حياته له وللسمبوزيوم الذي اصبح جزءاً منه لا ينفصلان. حين تراه يتحرّك بين الامكنه والفنانين تحسّه طيراً مغرّداً ينتقل من شجره الي اخري ومن ركن الي اخر كي يحمل الغذاء لاطفاله، هذا ما يفعله جورج المفعم بالنشاط والحيويّه بالرغم من عمره المتقدّم، لكنّ نسغ الفن الذي يسري في عروقه يجعله فوق السنوات والتعب والارهاق. يتنقل بين الفنانين ليحمل اليهم ما يحتاجونه من مواد الرسم كالالوان والماء والريش واللوحات البيضاء العذراء قبل ان تتحوّل الي عرس لونيّ، مشاركاً اياهم ايضاً بتنفيذ اعمال مباشره علي الارض، فهو لا يكتفي بتامين الحاجات بل مشاركه الفنانين عطاءهم وابداعهم الانيّ. هذا الفتي الهرم الذي تحوّل عند الفنانين التشكيليّين الي ايقونه الفن التشكيلي في الوطن التعب. يعرف الجميع، ويعرفه الجميع في لبنان والوطن العربيّ. في اليوم الثاني من مكوثنا في اهدن كانت زيارتنا، برفقه الفنان الزعتيني دائماً، لاحد الامكنه التي تُدعي «مزرعه بني صعب» حيث اقام الفنان «روجيه طانيوس» منزلاً له ومحترفاً ليقضي فيه عطلته الصيفيّه. قمنا بتنفيذ بعض اللوحات في حضن الطبيعه الخلابه. بعد الانتهاء عُرضت الاعمال في الهواء الطلق في الحديقه علي «شفاليه» واُخذت صور تذكاريه ووُزّعت شهادات المشاركه من قبل الفنان الزعتيني والفنان روجيه. وهذا ما كان يحصل بعد كل نهايه للسمبوزيوم. يقوم بعدها الفنان الزعتيني بنشر صور النشاط في السمبوزيوم علي صفحته للتواصل الاجتماعيّ التي يشاهدها عدد هائل من اصدقائه الفنانين الموزعين في مختلف انحاء العالم.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل