المحتوى الرئيسى

معرض تغريد دارغوث.. سلطة الآلات

09/14 00:59

اذا ما اعتبرنا ان بورتريهات الفيوم المصريه كانت من اوائل البورتريهات في التاريخ الفني، لكون ما سبقها لم يستوف شروط هذا النوع الفني، فان اعمال غيوّم دوكهام، في القرن الثالث عشر، ومن ثم اعمال جان فان ايك، في القرن الرابع عشر، كانت فاتحه تطور النوع المذكور، مستقلاً حينها عن الاتجاه الديني او الميثولوجي، الذي كان سائداً خلال الفترات السابقه.

علي ان البورتريه لا يقع في صلب موضوعنا، الا من خلال اعتباره، كعمل فني مكتمل، اتخذ من الوجه موتيفاً اوحداً يملا مساحه اللوحه، بنسب تتفاوت بحسب مشيئه الفنان، وبحسب ما يرمي اليه من خلال عمله. اعمال تغريد دارغوث، المعلّقه علي جدران غاليري اجيال للفنون التشكيليه، تلتقي مع فن البورتريه في تخصيص صفحه اللوحه من اجل معالجه موتيف واحد، لكنها مختلفه، في طبيعه الحال، موضوعاً ومضموناً، وقد اجتمعت في معرض تحت مسمّي: الات الرؤيه، هل عليك ان تراني الان افضل؟ الترجمه الحرفيه لعنوان المعرض، المذكور بالانكليزيه، قد تشير، للوهله الاولي، الي سؤال مبهم، ما لم يقترن هذا التساؤل بالمعاينه، ونعني بذلك معاينه الاعمال، ومن ثم التبصر في ما يتوجب ان تقوم به الالات نفسها، المرسومه علي القماش.

وفي عوده للمقارنه الشكليه السابقه مع البورتريه، فاننا في صدد كاميرات ثابته ومتحركه وطائرات متنوعه ورادارات، وحتي اقمار اصطناعيه ومناطيد، يحتل كل منها مساحه اللوحه، وكانها بورتريهات لا لكائنات بشريه، بل لتجهيزات متطوره لا همّ لها سوي مراقبتنا، عن قرب او عن بعد، في شكل شبه دقيق حيناً، او بحسب تقنيه شديده الدقه، بحيث يمكنها ان تحصي خطواتنا، وتري حركات اطرافنا، ولون الثوب الذي نرتديه، وطبيعه شعرنا وربما تعابير وجوهنا، ناهيك بما يمكن ان تلعبه تلك التجهيزات، اساساً، من مهمات متعلّقه بالامن الوقائي، الذي قد تستتبعه خطوات عدائيه. تحضرنا في هذا المجال واقعه، او وقائع عديده، تم خلالها توقيفنا في اماكن معينه في بلدنا، ذات طابع امني، من اجل مسائلتنا عن سبب حملنا كاميرا سخيفه القدرات، بالمقارنه مع الات المتطوره السابقه الذكر، تخوفاً من ان تكون اهدافنا تجسسيه. يبدو الامر، في هذا المجال باعثاً علي السخريه، هذا، علماً ان سخريه من نوع اخر كنا شهدناها في معرض سابق لتغريد دارغوث، حمل عنوان انشوده الموت، انعكس فيه التناقض المرّ بين الشكل الخارجي للاسلحه، وسطوحها المعدنيه اللمّاعه التي تحمل جماليه تقنيه معينه، وبين الهدف الذي تُصنع لاجله: الدمار وافناء الروح البشريه.

لم تعتمد تغريد دارغوث، في معرضها الحالي، تنويعات لونيه كالتي تميز مشهداً طبيعياً في حاله استرخاء، علي سبيل المثال. جاءت الوانها اقرب الي الطابع المونوكرومي، الات المراقبه في معظمها رماديه وتميل احياناً الي الاصفرار، علي خلفيه مونوكروميه بدورها، ولا تتناقض لونياً مع الموضوع الاّ بالمستوي الذي تتطلبه طبيعه العمل. هذا الخيار اللوني، القريب الي حد ما من الواقع، لم يتقصّد تقليد اللون الاصلي للاله، بقدر سعيه الي عكس طابعها العدائي، من حيث كونها اله بلا روح، في حين تديرها ارواح لا تنظر الي البشر ككائنات، بل كاهداف افتراضيه، في حالات يكون فيها الامن هاجساً، ويكون الكائن البشري مصدراً لخطر محتمل.

من الناحيه التقنيه، وهذه المره في ما يخص طبيعه العمل التشكيلي تحديداً، لا بد من الاشاره الي الاحترافيه التي تميز الاعمال المعروضه، الكبيره الحجم، اذ ان تغريد دارغوث لم تهمل الرسم، الذي صارت صعوبه اتقانه ماخذاً علي بعض العاملين في مجال التشكيل. هذا، مع العلم ان الرسم، هنا، جاء في خدمه الموضوع، ورافداً من روافد الجو التعبيري الذي نستشف حضوره الواضح من خلال الاعمال المعروضه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل