المحتوى الرئيسى

سيلين ساري تكتب: صاحب البشارة | ساسة بوست

09/12 07:02

منذ 1 دقيقه، 12 سبتمبر,2015

منذ عهد معاوية بن أبى سفيان قام الكثير بمحاولات فتح القسطنطينيه ليكون صاحب البشاره النبويه التي بشر بها النبي – صلي الله عليه وسلم- بقوله :” لتفتحن القسطنطينيه ، فلنعم الامير اميرها ، ولنعم الجيش ذلك الجيش” ، فمن هو صاحب تلك البشاره ؟

انه ابو الخيرات سابع سلاطين الدولة العثمانية وسلاله آل عثمان، السلطان محمد الفاتح ابن السلطان مراد الثاني.

وُلد محمد الفاتح في (27 من رجب 835هـ= 30 من مارس 1432م) في مدينه ادرنه، عاصمه الدوله العثمانيه تعهده والده بالرعايه والتعليم؛ ليكون جديرًا بالسلطنه والنهوض بمسئولياتها؛ فاتم حفظ القران، وقرا الحديث، وتعلَّم الفقه، ودرس الرياضيات والفلك وامور الحرب، والي جانب ذلك تعلَّم العربيه والفارسيه واللاتينيه واليونانيه.

عهد اليه ابوه باماره مغنيسيا وهو صغير السن ليتدرَّب علي اداره شئون الدوله وتدبير امورها، تحت اشراف مجموعه من كبار علماء عصره؛ مثل: الشيخ اق شمس الدين، والمُلَّا الكوراني؛ وهو ما اثَّر في تكوين شخصيه الأمير الصغير، وبناء اتجاهاته الفكريه والثقافيه بناءً اسلاميًّا صحيحًا. و لانه كما اخبرنا رسولنا الكريم  ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفه الا كانت له بطانتان بطانه تامره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانه لا تالوه خبالا”

فقد رزق الله محمد الفاتح بالنوع الاول من البطانه  فبرز دور الشيخ اق شمس الدين في تكوين شخصيه محمد الفاتح، وبثَّ فيه منذُ صغره امرين؛ هما: مضاعفه حركه الجهاد العثمانيه، والايحاء دومًا لمحمدٍ منذُ صغره بانه الامير المقصود بالبشاره النبويه لذلك كان الفاتح يطمع ان ينطبق عليه حديث نبي الاسلام، فشبَّ طامح النفس، عالي الهمَّه، موفور الثقافه، رهيف الحسِّ والشعور، اديبًا شاعرًا، فضلًا عن المامه بشئون الحرب والسياسه؛ فقد اشترك مع ابيه السلطان مراد في حروبه وغزواته.

ولانه تربي منذ صغره علي انه القائد فبعد ان توفي اخيه الاكبر وولي العهد الامير علاء الدين، حزن ابوه حزنا شديدا وسئم الحياه، فتنازل عن الملك لابنه محمد وعمره 14 عاما، وقتها وجد محمد نفسه امام مهام اكبر من سنه، ولم تمض الا اشهر حتي غدر المجر واغاروا علي بلاد البلغار غير مراعين شروط الهدنه الموقعه عام 1444 مع ابيه السلطان مراد الثاني، فما كان من محمد الا ان ارسل رساله الي ابيه كان فيها “ان كنت انت السلطان فتعال وقف علي قياده جيشك ورياسه دولتك، وان كنت انا السلطان فاني امرك بقياده الجيش”، وعاد ابيه وصد الهجوم وانتصرت الدوله العثمانيه.

وبعد وفاه ابيه السلطان “مراد الثاني” في (5 من المحرم 852 ﻫ = 7 من فبراير 145 م) تولي “محمد الفاتح” عرش الدوله العثمانيه ، وكان شابًّا فتيًّا في العشرين من عمره ، ممتلا حماسًا وطموحًا فبدا في التجهيز لفتح القسطنطينيه، ليُحقِّق الحُلْم الذي يُراوده، وفي الوقت نفسه يُسَهِّل لدولته الفتيه الفتوحات في منطقه البلقان، ويجعل بلاده متصله لا يفصلها عدوٌّ يتربَّص بها، وليكون هو محلَّ البشاره النبويه.

كان محمد الفاتح مسلمًا قبل ان يكون عثمانيًّا.. تسلّم قياده اعظم امبراطوريه اسلاميه تقف وحدها مدافعه عن المسلمين بعد سقوط الاندلس، وبعد انهيار خلافه العباسيين، وبعد ان تداعت ايله للسقوط دولة المماليك ، التي صدّوا الغاره التتاريه سنه 658هـ.

وحمل العثمانيون الرايه بعد تداعت هذه القوي (ايوبيه، وعباسيه، ومماليك) فَصَدّوا اوربا، التي كانت قد زحفت علي شمال افريقيه (تونس والجزائر ومراكش) بعد سقوط غرناطه سنه (897هـ/ 1492م). فكان ظهور العثمانيين انقاذًا من الله للعالم الاسلامي.

وكانت اولي خطوات الحلم  هي السيطره علي مضيق “البسفور” حتي يمنع “القسطنطينيه” من وصول ايه مساعدات لها من اوروبا ، فبني قلعه كبيره علي الشاطئ الاوروبي من مضيق “البسفور” ، واشترك هو بنفسه مع كبار رجإل آلدوله في اعمال البناء ، ولم تمض ثلاثه اشهر حتي تم بناء القلعه التي عرفت بقلعه “الروم” ، وفي مواجهتها علي الضفه الاخري من “البسفور” كانت تقف قلعه “الاناضول” ، ولم يعد ممكنًا لاي سفينه ان تمر دون اذن من القوات العثمانيه .

استعدَّ السلطان محمد الثاني سياسيًّا وعسكريًّا لذلك الفتح؛ فمن الاجراءات السياسيه انه جدَّد المعاهدات واتفاقيات الهدنه مع جميع جيرانه، ومَنْ تربطهم عَلاقات معينه بالدوله كالبندقيه وجنوه والصرب، وفرسان القديس يوحنا وغيرهم، وكان الهدف هو عزل الدولة البيزنطية عن جيرانها سياسيًّا وعسكريًّا.

ثم حشد الفاتح اكثر من ربع مليون جندي احدقوا بالقسطنطينيه من البَرِّ، واستمرَّ حصار المدينه ثلاثه وخمسين يومًا، تمَّ خلالها بناء منشات عسكريه ضخمه، واستقدام خيره الخبراء العسكريين، ومن بينهم الصانع المجري الشهير اوربان، والذي استطاع صُنْعَ مدافع عده من بينها مدفع ضخم عملاق لم يُرَ مثله من قبل ، كان يزن (700) طن، وتزن القذيفه الواحده (1500) كيلو جرام، وتسمع طلقاته من مسافات بعيده ، ويجره مائه ثور يساعدها مائه من الرجال الاشداء واطلق علي هذا المدفع العملاق اسم المدفع السلطاني .

وفي يوم الخميس 6 ابريل، 1453م، الموافق 26 ربيع الاول، 857 هـ، اتجهوا الي القسطنطينيه.

وقد بذل البيزنطيون قصاري جهدهم في الدفاع عن المدينه، واستُشهِد عدد كبير من العثمانيين في عمليات التمهيد للفتح، وكان من بين العقبات الرئيسيه امام الجيش العثماني تلك السلسله الضخمه؛ التي وضعها البيزنطيون ليتحكَّمُوا بها في مدخل القرن الذهبي، والتي لا يمكن فتح المدينه الَّا بتخطِّيها، وقد حاول العثمانيون تخطِّي هذه السلسله دون جدوي؛

فاكتئب الفاتح واغلق خيمته عليه، ولبث وقتا علي هذا الحال، حتي دخل عليه استاذه اق شمس الدين، ليقول له ان ابا ايوب الانصاري صاحب رسول الله جاءه في المنام، وقال له قل لمحمد: اني استشهدت علي اسوارها وكنت شيخا، وانت ما زلت شابا وانت فاتحها”، واعلم ابو ايوب مكان قبره لشمس الدين، فاخذ بيد السلطان وحفروا المكان حتي وجدوه واقاموا عليه مسجدا، وكان قبره غير معروف من وقت استشهاده في خلافه معاويه بن ابي سفيان مؤسس الدولة الأموية.

بعدها وقف الفاتح علي جنوده، وخطب فيهم خطبه قويه حثهم فيها علي الجهاد وطلب النصر او الشهاده وذكرهم بحديث الرسول، ولكي يعبر العثمانيون  تلك السلسه والدخول الي القرن الذهبي حيث توجد بعض الاسوار فاتبعوا طريقه لم تخطر ببال احد, وهي انهم اعدوا الواحًا خشبيه تصل بين البحر في القرن الذهبي والبحر عند مدخل مضيق البوسفور، والقوا علي هذه الالواح الخشبيه الدهون والشحوم, واخذوا يزلقون السفن الحربيه علي الالواح الخشبيه من مضيق البوسفور الي القرن الذهبي, ثم اخذت المدافع العثمانيه تدك أسوار القسطنطينية من جميع الجهات.

لم تستطع المدينه ان تصمد امامهم، فدخلوها دخول الابطال المنتصرين في فجر يوم 15 من جمادي الاولي عام 857هـ، وقتل امبراطورها في المعركه، وسيطر العثمانيون علي المدينه سيطره كامله، وامر السلطان محمد الفاتح ان يؤذن في كنيسه ايا صوفيا ايذانًا بتحويلها الي مسجد.

بعد ان تم فتح القسطنطينيه وترميم اسوارها التي هدمت اثناء الفتح، تقدم السلطان محمد الفاتح ليستكمل فتوحاته، فلم تكن القسطنطينيه اخر الحلم، بل اوله فقط.

فقد سيطر علي الصرب الا مدينه بلجراد ، وتمكن السلطان محمد الفاتح من فتح بلاد موره عام 863هـ، وتمكن ايضًا من فتح معظم الجزر في بحر ايجه، وفتح بلاد البوسنه والبانيا وكرواتيا و لم يغب عن ذهن السلطان محمد فتح ايطاليا ورفع لواء الاسلام علي روميه بعد ان فتح القسطنطينيه، يحركه في ذلك يقينه بالله وبشاره الرسول  بفتح روميه، حتي انه اقسم بان يربط حصانه في كنيسه القديس بطرس (الفاتيكان).

وراي ان يمهد لذلك بان يفتح جزيره رودس التي يسيطر عليها فرسان القديس يوحنا، ولكن الأسطول العثماني فشل في فتحها وابرم صلحًا معهم عام 885هـ، ثم عاد فاتجه لفتح ايطاليا، فنزل الجيش العثماني بسواحل ايطاليا واستطاع فتح مدينه اوترانت عام 885هـ.

لم تكن ميادين الجهاد والحرب التي خاضها محمد الفاتح خلال مدَّه حكمه -التي بلغت ثلاثين عامًا- هي ابرز انجازاته؛ حيث اتسعت الدوله العثمانيه اتساعًا عظيمًا لم تشهده من قبل، وانما كان محمد الفاتح رجل دولة من طراز رفيع، فقد استطاع بالتعاون مع الصدر الاعظم قره مانلي محمد باشا، وكاتبه ليث زاده محمد جلبي وضع الدستور المسمَّي باسمه، وقد بقيت مبادئه الاساسيه ساريه المفعول في الدوله العثمانيه حتي عام (1255هـ= 1839م).

واشتهر محمد الفاتح بانه راعٍ للحضاره والادب، وكان شاعرًا مجيدًا له ديوان شعر، وقد نشر المستشرق الالماني «ج. جاكوب» اشعاره في برلين سنه (1322هـ= 1904م)، وكان الفاتح يُدَاوم علي المطالعه وقراءه الادب والشعر، ويُصاحب العلماء والشعراء، ويصطفي بعضهم ويُوليهم مناصب الوزاره.

ومن شغفه بالشعر عهد الي الشاعر شهدي ان يُنَظِّم ملحمه شعريه تُصَوِّر التاريخ العثماني علي غرار الشاهنامه التي نظمها الفردوسي.

واستقدم محمد الفاتح رسامين من ايطاليا الي القصر السلطاني؛ لانجاز بعض اللوحات الفنيه، وتدريب بعض العثمانيين علي هذا الفنِّ.

وعلي الرغم من انشغال الفاتح بالجهاد؛ فانه عُني بالاعمار وتشييد المباني الراقيه، فعلي عهده انشئ اكثر من ثلاثمائه مسجد؛ منها 192 مسجدًا وجامعًا في اسطنبول وحدها، بالاضافه الي 57 مدرسه ومعهدًا، و59 حمامًا.

ومن اشهر اثاره المعماريه مسجد السلطان محمد، وجامع ابي ايوب الانصاري، وقصر سراي طوب قبو.

لقد كان الفاتح مسلمًا ملتزمًا باحكام الشريعه الاسلاميه، تقيًّا ورعًا؛ وذلك بفضل النشاه التي نشاها واثَّرت فيه تاثيرًا عظيمًا، امَّا سلوكه العسكري فكان سلوكًا متحضِّرًا لم تشهده اوربا في عصورها الوسطي، ولم تعرفه شريعتها من قبلُ.

في شهر ربيع الاول من عام (886هـ= 1481م) غادر السلطان الفاتح القسطنطينيه علي راس جيش كبير، وكان السلطان محمد الفاتح قبل خروجه قد اصابته وعكه صحيَّه، الَّا انه لم يهتمّ بذلك لشدَّه حُبِّه للجهاد، وشوقه الدائم للغزو، وخرج بقياده جيشه بنفسه، وقد كان من عادته ان يجد في خوض غمار المعارك شفاءً لما يُلِمُّ به من امراض، الَّا ان المرض تضاعف عليه هذه المرَّه، وثقلت وطاته فطلب اطباءه، غير ان القضاء عاجله؛ فلم ينفع فيه تطبيب ولا دواء، ومات السلطان الفاتح وسط جيشه يوم الخميس (4 من ربيع الاول 886هـ= 3 من مايو 1481م)، وهو في الثانيه والخمسين من عمره بعد ان حكم احدي وثلاثين عامًا.

لم يكن احدٌ يعلم شيئًا عن الجهه التي كان سيذهب اليها السلطان الفاتح بجيشه، وذهبت ظنون الناس في ذلك مذاهب شتَّي؛ فهل كان يقصد رودس ليفتح هذه الجزيره التي امتنعت علي قائده مسيح باشا؟ ام كان يتاهَّب للَّحَاق بجيشه الظافر في جنوبي ايطاليا، ويزحف بنفسه بعد ذلك الي روما وشمالي ايطاليا ففرنسا واسبانيا؟

لقد ظلَّ ذلك سرًّا طواه الفاتح في صدره ولم يَبُحْ به لاحد، ثم طواه الموت بعد ذلك.

وصيه محمد الفاتح قبل وفاته

Comments

عاجل