المحتوى الرئيسى

يومان هما مدة الرحلة التي استغرقت للوصول إلى إسطنبول من مطار الجزائر

09/11 18:19

كان يوما صيفيا رائعا، الشمس مشرقه والجو هادئ، الساعه تشير الي الثالثه زوالا، حملت حقائبي وتوجهت مع ابي وامي الي مطار ميصالي الحاج الواقع في ولايه تلمسان اقصي غرب الجزائر علي بعد كيلومترات قليله من مدينتي، كنت سعيده كثيرا في هذا اليوم فانها رحلتي الاولي الي تركيا. لطالما تمنيت ان ازور هذا البلد وها قد تحقق حلمي مع هذا التدريب المجاني الذي حصلت عليه والذي كان بمثابه الهديه والجرح الشافي لرغبتي الكبيره في زياره هذا البلد.

وصلنا الي المطار واكملت المعاملات وودعت والدي اللذين رافقاني حتي اخر خطوه، دخلت قاعه الانتظار والسعاده تغمرني انتظر الطائره التي ستقلني الي العاصمه ومن ثم الي تركيا. اذ لا وجود لطائره مباشره من تلمسان الي تركيا علي الخطوط الجويه الجزائريه. بعد ساعه كامله من الطيران نزلنا في مطار العاصمه وكانت الساعه حينها تشير الي السادسه مساءً، المطار مكتظ بالمسافرين كل منهم منهمك في اموره.

انهيت جل المعاملات الروتينيه واتخذت لي مكانا خاصا في قاعه الركوب منتظره وقت طائرتي المزمع اقلاعها الساعه التاسعه والنصف ليلا، غصت في احلام شبه حقيقيه اتخيل نفسي بين احضان شوارع اسطنبول التي كنت قد رايت صورا لها علي الانترنت. فطوال الفتره السابقه وانا اقرا واشاهد صورا عن هذه المدينه التي تاسرني بجمالها الاخاذ.

الساعه تشير الي العاشره والنصف ليلا، ولم يظهر للطائره اثر بعد، لا احد من المسافرين احتج او تساءل عن هذا التاخير، فالامر معهود من الخطوط الجويه الجزائريه، التاخر لمده ساعه او ساعتين من دون اعتذار ولا اعلان اصبح امرا عاديا عند المسافرين الجزائريين غير كونه امر لا يحتمل من طرف المسافرين الاخرين من اتراك وافارقه، الذين كانوا علي نفس الرحله وبداوا بالتساؤل دون جدوي.

مرت الساعات الواحده تلو الاخري ولم يتغير شيء، كنت اراقب المسافرين علي الخطوط الجويه الاخري واقول في نفسي "يا لحظهم، لماذا تقلع خطوطهم بالوقت المحدد ونحن لا، لم علينا ان ننتظر وننتظر في كل مره" حتي صرنا نتفاجا لو تقلع الخطوط الجزائريه بالوقت المحدد لها.

كما قد حصل معي يوما لما كنت في طريقي الي البيت علي الخطوط الجويه الجزائريه التي جاءت بالوقت المحدد لها، غير انها عادت الي المطار بعد ربع ساعه من التحليق بالسماء من دون الافصاح عن السبب، وبقينا علي متنها ثلاث ساعات اخري متواصله حتي صحح الخطا لتقلع مجددا دون ذكر السبب.

"خلاص، بزاف وين راهم هادوو" يقول احد المسافرين بنبره حاده وقد استشاط غضبا وقرر اخيرا الانتفاض بعد مرور ساعتين اخريين، حينها قام الكثيرون وبداوا بالسؤال عن سبب التاخر الفظيع للطائره وهم في اوج غضبهم. حينها اتي احد العاملين التابعين الي الشركه "متتقلقوش كاين برك مشكل ثقني نعدلوه و نروحو".

لبثنا علي هذا الحال لساعات اخري حتي اقترب شروق الشمس، ونحن نتمتم فيما بيننا ونلعن هذا الحظ التعيس الذي نحن فيه، " لكان حسابني لكان رحت في التيركيش ارلانز" يقول احد المسافرين بغضب. في هذه الاثناء، يعود نفس الشخص السابق من الخطوط الجزائريه مع ثلاثه رجال اخرين من عمال المطار، فرحت كثيرا لما رايتهم يمشون متوجهين نحو باب الركوبـ وقلت في نفسي انها ساعه الخلاص، سنقلع اخيرا الي تركيا.

"اسمحونا خاوتي، الله غالب الطياره متروحش اليوم، غدوه ان شاء الله نديوكم علي 2 بعد الظهر" يقول عامل الخطوط الجويه بدم بارد من غير خجل، هذه الكلمات كانت كالصفعه علي وجهي، قلت في نفسي: كيف واين سامضي ما بقي من هذه الليله ما هذا الحظ السيء الذي انا به؟

في الخطوط الجويه الجزائريه، الغاء الرحلات وتاجيلها صار امرا طبيعيا جدا، لا يتم الاعلان عنه ولا اعلام الركاب بالتاخير ابدا.

احتج كل المسافرين علي الغاء الرحله وتاجيلها الي الساعه الثانيه زوالا من اليوم الموالي طالبين من المسؤولين تعويض تذاكرهم او المجيء بطائره اخري لتعويض التاخير. "انا عندي محاضره القيها غدا بالجامعه، لماذا اذهب اصلا ان كنت ساصل بعد ان ينتهي دور مداخلتي" يقول احد المسافرين وهو يحمل صفه استاذ جامعي بعباره شديده اللهجه. فيما يصرخ شخص اخر "انا دفعت نقود هذه الليله للمبيت في فندق في اسطنبول، يجب عليكم تعويضها"

استمرت هذه الحاله ولم نجد عند المسؤولين اذانا صاغيه، ولا اكتراثا بهذا الوضع الماساوي الذي نحن فيه، كل ما حصدناه هو تنزيلنا من قاعه الركوب مع ارجاع كل امتعتنا المسجله الينا وكانه لم يحصل شيء.

جلست مع كافه الركاب وكنا في حاله استنفار وغضب وتعب نفسي كبير. حينها، بدات احلامي في رؤيه اسطنبول بالتبخر، والسعاده التي كانت تغمرني صباح اليوم تحولت الي تعاسه فظيعه غير محتمله. بعد مده طلبوا منا الخروج عند باب المطار بحجه انهم سيحضرون لنا حافله تاخذنا الي فندق قريب لاكمال ما بقي من هذه الليله الماساويه.

بعد انتظارنا لحوالي نصف ساعه اتت حافلتان لا تكفيان حتي لحمل ربع ركاب الطائره، تمكن البعض من الركوب وطلب منا السائق ترك النساء والاطفال اولا، لم يكن الحظ من نصيبي ولم استطع الركوب معهم للذهاب والاستراحه بالفندق لان الحافله لم تعد مجددا فالامكنه لا تكفي للجميع حتي لبقيه النساء والفتيات مثلي.

في كل بلدان العالم والخطوط الجويه المحترمه يتم اخذ جميع المسافرين دون استثناء الي فندق قريب نتيجه تاخر او الغاء الرحله، الا ان هذا الخطوط الجزائريه خرجت عن هذه القاعده فلا احترام ولا اهتمام بهؤلاء الركاب الذين راحوا ضحيه.

بقيت لاكمل الليله علي حظي التعيس داخل المطار، كل المحلات مغلقه والمطار خال من الركاب عدانا نحن، جلست في كرسي حديدي انتظر الوقت الموعود علي احر من الجمر ادعو ان يمر الوقت بسرعه فليس ببالي الا ان استقل الطائره واتوجه لاسطنبول. جاء الصباح وجاء الوقت المتفق عليه واكملنا جميع المراحل من تسجيل للحقائب وختم للجوازات من جديد وانا اتمني ان يتم حل المشكل ويتم اخذنا بالوقت المتفق عليه لنضع حدا لهذه المعاناه التي لا نستحقها. الا ان الامر لم يكن بحجم التوقعات والتمنيات.

جاء وقت الرحله ولم تحرك الشركه ساكنا، كل الركاب الاخرين يركبون عدانا نحن، انتظرنا لبضع ساعات اخري طامعين ان تتم مناداتنا ولكن الوضع استمر علي حاله وكاننا غير موجودين، الساعه تشير الي الرابعه مساء، وقد استشطنا غضبا وجوعا ايضا فلم تقدم لنا الشركه غير قنينه مياه من اليوم السابق وسندويشات قالت انها مخصصه للاطفال.

« On veut débarquer » "نريد الاقلاع" هتف جميع المسافرين مرارا وتكرارا، بصوت عال وانتشرت الفوضي في المطار، فالوضع لم يعد قابلا للاحتمال ولا مزيد من الصبر. تركنا علي هذه الحال من دون اعارتنا ولا ادني اهتمام، بدا الركاب بغلق ابواب الركوب الاخري المتوجهه الي اماكن ثانيه قائلين "لماذا تقلع كل الطائرات دوننا؟ لم تركتمونا هنا الي حد الساعه...؟؟" وغيرها من العبارات الاخري.

بعد انتشار الفوضي في المطار وبعد ان صرنا اضحوكه علي لسان كل من كان بالمطار ذلك اليوم، جاءت مسؤوله من الخطوط الجزائريه وقالت "اعدكم ان يتم نقلكم وستقلع الطائره علي السادسه ".

فاجابها احد الركاب وهو يستشيط غضبا حتي لم يمكن لنا ان نفهم ما تفوه به من كلمات "لا نصدقكم، سبق ووعدتمونا ان يتم اخذنا علي الثانيه زوالا وها نحن مازلنا هنا، متي سنذهب هااااا"، فيما يكمل اخر بذات الغضب ضاربا بيده علي مكتب قريب منه "لن اسافر معكم مجددا، هذه اخر مره" وتتابع اخري بنبره حاده "لم اجد ما اطعم طفلي، انتهي حليبه وليس عندي نقود كافيه لشراء المزيد له مع غلاوه الاسعار داخل المطار" تقول امراه وهي في حاله يرثي لها من عدم النوم وهي تحمل طفلها الذي لم يتجاوز السنه من العمر وهو يبكي.

هذه الشكاوي لم تجد ردا شافيا منهم غير ان الاصوات تعالت واكد الركاب انهم لن يسكتوا ان لم يتم اخذنا الي اسطنبول علي الساعه السادسه. في هذه الاثناء تقول ذات المسؤوله "اذهبوا واصطفوا هناك في باب رقم 17" وتتابع، "سوف ناخذكم الي الطائره الان" وهي تعتذر علي هذا التاخير غير العادي. توجهنا الي الباب املين ان نبيت هذه الليله في اسطنبول وبالفعل اخيرا تم اركابنا في الطائره.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل