المحتوى الرئيسى

«الاقتباس» هل هو سُبّة درامية؟

09/11 01:50

نحن شعب اثبت انه يخاف من كل شيء، ان حضرت المسلسلات المكسيكيه، نخاف علي الدراما العربية، وان حضرت المسلسلات التركية، نخاف ايضاً، وكذلك عندما بدات تتراكم المسلسلات الهنديه والكوريه والايرانيه، المدبلجه للعربيه. وتكرّ سبّحه الخوف علي انجازاتنا في الدراما. ويلاحظ ان مسلسل الخوف هذا حلقاته قديمه، فكنا سابقاً نخاف من سطوه الاغاني الاجنبيه علي الاغنيه العربيه، التي كانت تبثها المحطات الاذاعيه، والتلفزيونيه الارضيه قبل عهد الفضائيات، ومما تقدّمه فرق غنائيه تاسست لتقدّم «الفرانكو اراب»، لكن تلك الفرق لم تعمّر طويلاً، وظلت الاغنيه العربيه حاضره وشامخه وتلونت بكل قوالبها والوانها في معظم الأقطار العربية. ولم يغب حتي يومنا هذا، الاقتباس في المجال الموسيقي، فالشواهد كثيره وقام بها كبار الملحنين، ولم يترك ذلك اثاراً سلبيه علي فن الموسيقا بشقه الغنائي، علي الاقل. فـ «الاقتباس» الذي بدا يفرض حضوره في السنوات الاخيره، في ما ينتج من دراما عربيه، في اي قطر عربي انتجت هذه الدراما، ندّعي ان لا ضروره لهذا الخوف من حضوره. فمساله الاقتباس قبل ان تحضر في الدراما التلفزيونية كانت ولا تزال حاضره في الدراما السينمائيه، فعشرات الافلام المصريه اقتبست من افلام شهيره، بعضها حقق رواجاً ومتابعه جماهيريه له، وبعضها الاخر اخفق في تحقيق ذلك. والحديث عن الاقتباس يفرض تناول المساله تاريخياً، فالاقتباس كان ولا يزال حاضراً في الدراما المسرحيه، دون ان يؤثر هذا في مسيره النص المسرحي، رغم دعوات الكثير من المسرحيين لتاصيل هذا الفن، بل ان كاتباً ومخرجاً وباحثاً وناقداً مثل المسرحي السوري فرحان بلبل الذي له عشرات النصوص المسرحيه، وقدّم من خلال فرقته «فرقه المسرح العمالي في حمص» عروضاً عده مقتبسه من اعمال مترجمه للعربيه، يري في مقاله له في كتابه «اوراق غير متناثره» الصادر حديثاً، تعود المقاله لعام 2008، يري الاقتباس: (اصل هام في التاليف المسرحي، لانه قاعده استند اليها عدد كبير من كبار الكتّاب في العالم سواء كان المصدر الذي يقتبس منه الكاتب مسرحيه او قصه او اسطوره. ويشير بلبل الي ان مسرحيات شكسبير واكثر مسرحيات بريخت وموليير وراسين وكورني تندرج تحت هذا الاسم. وكثير من المسرحيات العربيه التي شمخت بقوتها الدراميه استندت الي الاقتباس). وبحكم متابعه المسرحي فرحان بلبل ومشاركته في مهرجانات مسرحيه عربيه كثيره يري (ان الاقتباس صار في المرحله الاخيره من حركه المسرح العربي اساساً في اكثر العروض المسرحيه). ومن الامثال الساطعه التي يوردها بلبل علي حاله الاقتباس مسرحيه «المفتش العام» لغوغول. يقول عنها (لقد تناهبتها الفرق المسرحيه العربيه بالاقتباس والتعديل والتحوير. فكانت في كل اقتباس جيد تتحول الي نص مُغرق في محليته التي تثير ردود الافعال لدي المتفرجين ما يجعل هذا النص المدهش خاصاً بالبيئه العربيه كانه كُتب لها). لكن بلبل الذي لا يجد غضاضه في الاقتباس، يشترط ان يستند الي اصول علميه حتي يقدّم ماده دراميه صحيحه حتي لا يتحول الي تشويه للنصوص الاصليه، وبالتالي تتناسب النصوص مع الهم العربي او البيئه المحليه. ويمكننا الادّعاء ان ما اشترطه بلبل علي الاقتباس في المسرح ينطبق علي الاقتباس في الدراما التلفزيونيه، وهذا في الاعم الاغلب ما يتم الالتزام به من قبل كتّاب الدراما التلفزيونيه في ما يقتبسونه من اعمال.

والاقتباس الذي هو ليس مؤشراً علي نضوب مخيله كتابنا انواع، قد يكون عن اعمال اجنبيه، واخري عربيه، فلماذا نرفع مئذنه خوفنا اذا كان الاقتباس عن فيلم اجنبي، كما حدث مع مسلسل «تشيللو» للكاتب نجيب نصير، المقتبس عن فيلم «عرض غير لائق»، علي سبيل الحصر لا القصر، ولا يرف لنا جفن ان كان الاقتباس عن عمل عربي؟ هل لان النوع الثاني يكون صاحبه اكثر قدره علي اخفاء اقتباسه فلا يثير الخوف، ولان العمل العربي لا يكون بشهره العمل الاجنبي فلا ينكشف الاقتباس. ام ان الاقتباس عن عمل غير معروف، حلال، وعن عمل مشهور حرام ويثير الرعب فينا خوفاً علي عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا؟!

وننبه الي ان حالات الاقتباس، منها ما يكون كاملاً، ومنها ما يقتبس جزئياً، شخصيه او حدثا. وتكمن المشكله طبعاً في الحالات التي لا تتم الاشاره، حتي للاقتباس الكلي، فكيف بالجزئي. وسنورد بعض الامثله لم تتم الاشاره فيها للاقتباس، وبعض منها لم يكتب عنها في حد زعمنا احد قبلنا.

لكن في البدء ان اردنا استعراض حالات الاقتباس لا يمكننا ان نغفل عن الفنان ياسر العظمه الذي كان يوقّع لوحات مسلسله «مرايا» منذ العام 1984بـ(مما شاهدت وسمعت وقرات)، لكن عندما بدا الكتّاب السوريون يحتجّون اعلامياً ويطالبون بحقوقهم المعنويه قبل الماديه، بدا يشير الي اصحاب القصص التي ينسج لوحات «مرايا» بناءً علي حدثها الدرامي ومقولتها وشخوصها، وظلت الاقتباسات عن اعمال غير عربيه مغفله. وكذلك في بقعه ضوء ثمه حالات عده من الاقتباس، تمت الاشاره الي بعضها، وبعضها الاخر امتنع كتابها عن الاشاره الي مصدر اقتباسهم لغايه في نفس يعقوب، المتجسده بحصد الكاتب مكافاه اجزي.

ومن الشواهد علي الاقتباسات المغفله الاشاره اليها ما فعله الكاتب خالد خليفه في مسلسله «زمن الخوف» اخراج هيثم حقي بمشاركه ايناس حقي (2007) حين اقتبس شخصيه كامله من الفيلم الايطالي «تذكّرني ـ remeber me» للمخرج «غابريلي موشينو» بطوله «فابريزيو بينتفوغليو»، ومشاركه «مونيكا بيلوتشي» (2004)، وضعها في مسلسله وجسّدها الفنان سليم صبري، طبعاً مع بعض التحوير من كاتب، الي هاوٍ لفن الرسم.

وحذا حذوه الكاتب فؤاد حميره في مسلسله «ممرات ضيقه» اخرجه الراحل محمد الشيخ نجيب (2007)، اذ اقتبس حميره الشخصيه التي جسدها الفنان علاء مرسي في فيلم «85 جنايات»، تاليف شريف المنياوي، اخراج علاء كريم (1993)، بطوله «رغده وحسين فهمي»، وهي شخصيه سائق لدي ضابط في السجن عشق احدي السجينات وتزوجها بعد ان قضت محكوميتها (لم نتمكن من معرفه اسم من جسّد الشخصيه)، حورها حميره لعسكري ضمن كوادر سجن للنساء، جسّدها الفنان اندريه سكاف ولعبت الشخصيه النسائيه امامه الفنانه رنا شميس.

الاّ ان في مسيره خالد خليفه في كتابه المسلسلات اقتباسا اخر يتجسّد في مسلسله «المفتاح» المقتبس عن الفيلم المصري «العرضحالجي في قضيه نصب»، بطوله «سعيد صالح وسمير غانم»، تاليف نبيل غلام، اخراج حسن الصيفي (1987)، كتب خليفه مسلسله دون ايه اشاره للاقتباس، اخرج المسلسل هشام شربتجي (2012)، بطوله «باسم ياخور واحمد الاحمد». لكن والحق يقال ان مسلسل «المفتاح» منسوج درامياً بخيوط وبناء اعمق، سواء كان بشخصياته او باحداثه، مما هي عليه الحال في الفيلم.

وفي الاونه الاخيره، اشار رافي وهبه الي مصدر اقتباسه في العملَين الاخيرَين «سنعود بعد قليل» اخراج الليث حجو (2013)، و «العرّاب: نادي الشرق» اخراج حاتم علي (2015). لكنه تكتّم علي مصدر بعض لوحات «بقعه ضوء»، ورباعيه «تقاطع خطر» اخراج الليث حجو، التي استعادت عرضها مؤخراً «ام بي سي دراما» منتجه الرباعيه، والتي اقتبسها عن مسرحيه الكاتب اللبناني الفرانكوفوني جورج شحاده «مهاجر بريسبان»، اقتبس منها الخيوط الدراميه والشخصيات والحبكه وطبيعه ومحددات الصراع والفضاء المكاني للحدث ورساله العمل الفني. وكنا قد كتبنا عنها في زمن عرضها الاول في صفحه (صوت وصوره في السفير في تاريخ 30/9/2010).

ولم يبق الاقتباس وقفاً علي الكتّاب السوريين عن الاعمال المصريه بل قام بها ايضاً من ينتمون للدراما الاقدم في مجال الكتابه للتلفزيون، بدورهم اقتبسوا عن الاعمال السوريه، فالمسلسل الذي قامت ببطولته الفنانه هند صبري «عايزه اتجوّز» كتابه غاده عبد العال واخراج رامي امام، (2010) عمل مقتبس من المسلسل السوري «عرسان اخر زمن» كتبه وانتجه الراحل داوود شيخاني، اخراج ايمن داوود شيخاني، قامت ببطولته «فرح بسيسو» (2002)، واشرنا للاقتباس في مقاله لنا في صفحه (صوت وصوره في السفير في تاريخ 26/8/2010).

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل