المحتوى الرئيسى

فينيسيا 72 وأزمة الحضور السينمائي العربي في المهرجانات العالمية - BBC Arabic

09/10 20:05

يعكس الحضور العربي في المهرجانات السينمائيه الدوليه الكبري، امثال كان وفينيسيا، ازمه واضحه في صناعه السينما في البلدان العربية، وتراجعا واضحا في المنجز الابداعي لهذه الصناعات التي ما زالت ناشئه في العديد من هذه البلدان او وئدت وهي في مهدها.

فمنذ سنوات نادرا ما نري في مثل هذه المهرجانات انتاجا سينمائيا يمثل هذه الدول العربية. ويقتصر الحضور في الغالب علي افلام الانتاج المشترك المنفذه من قبل مخرجين عرب وتدور احداثها في بلدان عربيه او شرق اوسطيه وبتمويل شركات اجنبيه (فرنسيه في الغالب) وبكادر تقني اجنبي في الغالب.

واختفي عنوان تقليدي كان النقاد العرب يكتبونه في تغطياتهم في كل مهرجان وهو الحضور العربي، او المشاركه العربيه في المهرجان الفلاني.

في العام الماضين علي سبيل المثال لا الحصر احترنا في تصنيف فيلم تمبكتو لعبد الرحمن سيسكو (بعيدا عن اللافتات الرسميه التي قدم تحتها)، فهو انتاج فرنسي ومخرجه فرانكوفوني يعيش في فرنسا ومن اصول ماليه وتربي في موريتانيا، وترافق انتاجه مع التدخل العسكري الفرنسي ضد الجماعات الاسلاميه المتطرفه في مالي، هل هو فيلم فرنسي ام افريقي (مالي) (كما يؤكد موضوعه) ام موريتاني (حيث صور لظروف انتاجيه) ووضعه البعض تحت تلك اللافته العريضه الفضفاضه التي اسمها السينما العربية؟

ولا شك ان ذلك لم يجر بمعزل عن الازمه المستحكمه في واقع الدول الوطنيه في المنطقة العربية وانحدارها من دول حداثه ناشئه، كانت محمله بالوعود والطموحات في اعقاب المرحله الاستعماريه، الي نظم قمعيه مستحكمه، وبني اجتماعيه مازومه، ارتد كثير منها الي بني ماقبل الدوله.

كما ترافق ذلك مع نمو مشوه فرضه تدفق البترودولار، خلق مراكز قوي جديده في المنطقه تقودها دول تحكمها تركيبات عشائريه وعائليه.

ويخفي واقع تدفق الثروه البترودولاريه تناقضاتها الصارخه (بعضها ما زال اسم الدوله مشتقا من العائله فيها)، فملات الفراغ الذي خلفه تراجع الدول (الوطنيه)، التي نشات في احضان مشروع الحداثه الغربيه او كرد فعل له، بعد فشلها في تحقيق حكم رشيد يحافظ علي بني الحداثه فيها ويدفع بها الي الامام.

لناخذ السينما المصريه، فهي الصناعه السينمائه الابرز في المنطقه، وكيف ادت هيمنه الراسمال البترودولاري الي تدمير كامل للنظام القيمي فيها وسياده نمط افلام المقاولات، لا سيما في ثمانينيات القرن الماضي.

حدثني المخرج الكبير يوسف شاهين بمراره عن كيفيه اضرار البترودولار بالنظام القيمي الذي قامت عليه السينما المصريه، كيف اضطر المنتجون الي فرض اعراف رقابيه غير رسميه قائمه علي القيم البدويه والدينيه السائده في مجتمعات التمويل، فكانت المشروبات الكحوليه تحول الي عصير في المشاهد المصوره، ولك ان تتخيل ما يطال المشاهد العاطفيه، بل ان احد ابرز الكتاب الدراميين في مصر كان اسمه يغير في التايتل الاعمال الدراميه والافلام من لينين الرملي الي (ل الرملي) خشيه الرقابه في هذه الدول.

والمثير للمفارقه هنا ان هذه الدول لم تكن تمتلك صالات سينما، فانعكس ذلك في ولاده نمط مشوه من المشاهده والتلقي السينمائي قائم علي الفيديو، وترافق ذلك بالتاكيد مع عامل تقني ايضا، هو تطور وسهوله هذا النمط من التلقي.

بيد ان العقد الاخير، انتج ظاهره جديده، تمثلت في ان تكون لدول الفائض النفطي (والغازي) مؤسساتها السينمائيه ومهرجاناتها، من دون ان تتوفر فيها بني الصناعه السينمائيه (من كوادر بشريه واستوديوهات وفنانين.. الخ)، لذا انصب جهدها علي الانتاج السينمائي وتقديم منح ماليه للانتاج السينمائي في بلدان اخري.

وفي ظل تراجع الانتاج السينمائي وتعثره في الدول العربيه الاخري، بات هذا الدعم الانتاجي المقدم من الدول الخليجيه تحديدا، عاملا بارزا في الانتاج السينمائي في المنطقه، و يسعي اليه الكثير من مخرجيها، لا سيما الشباب منهم.

فشاهدنا هذا العام ورود اسم قطر كاحدي الدول المساهمه في دوره هذا العام في الكتاب التعريفي لمهرجان فينيسيا، لكنها منتجه لفيلم المخرج التركي امين البير "ابلوكا" او "نوبه جنون".

اقتصرت المشاركه العربيه في الدوره 72 لمهرجان فينيسيا السينمائي هذا العام علي فيلم في تظاهره افاق (اورزنتي) الموازيه للمسابقه الرسميه، وهو فيلم المخرج الجزائري مرزاق علواش "مدام كوراج" (سبق ان تناولناه بالتحليل في هذا الموقع)، وقدم كانتاج مشترك فرنسي جزائري مشترك.

وكان هناك فيلم اخر للتونسيه ليلي بوزيد (ابنه المخرج المعروف نوري بو زيد) حمل عنوان "علي حله عيني" شارك في تظاهره ايام فينيسيا علي هامش المهرجان، وكان انتاجا فرنسيا تونسيا بلجيكيا مشتركا، وهو فيلم غنائي يتناول اوضاع شريحه من الشباب التونسي قبيل الانتفاضه ضد حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وقد وضع الحان واغانيه وموسيقاه التصويريه الموسيقي العراقي الشاب خيام اللامي.

وكلا الفيلمين قد حصل علي دعم صندوق الانتاج السينمائي في مهرجان ابو ظبي (سند).

والظاهره اللافته للنظر مقابل هذا الغياب في تظاهرات المهرجان الرسميه، نجدها في وجود مشاركه عربيه كثيفه في ورشات انتاجيه لتطوير الافلام، للحصول علي تمويل او دعم ترويجي من شركات الصناعه السينمائيه اوالدعايه للافلام وبيع حقوق توزيع هذه الافلام لشركات التوزيع والتلفزيونات مقابل المساهمه في انتاجها.

فالافلام القادمه من بلدان عربيه هي الاغزر في مثل هذا الورشات، كما هي الحال في الورشه التي تحمل عنوان "فاينل كت" والتي تعني بالافلام التي في مراحل انتاجها النهائيه.

وواقع الحال ان المحرك الاساس لهذه الورشات التي تعقد علي هامش مهرجاني كان وفينيسيا، هو تقديم منحه سند (التي يقدم صندوق دعم الانتاج السينمائي في ابو ظبي، والذي سعي الي عقد شراكه مع هذه المهرجانات لتقديم منحته عبر هذه الورشات.

وقد شارك في ورشه هذا العام فيلم "طريق الجنه" لعطيه الدراجي من العراق، وفيلم "علي معزه وابراهيم" لشريف البنداري من مصر، "بيت في الحقول" لتالا حديد المخرجه المغربيه العراقيه الاصل، "طلاق" للمخرج الكردي العراقي هكار عبد القادر، "ديك بيروت" للسوري زياد كلثوم، وفيلم "زينب تكره الثلج" للتونسيه كوثر بن هنيه (هذا فيلمها الثاني بعد "شلاط تونس".

وقد اسفرت نتائج الورشه عن حصول فيلم "زينب تكره الثلج" علي منحه 10 الاف يورو من صندوق ابو ظبي لدعم الانتاج السينمائي (سند)، ومبلغ 6 الاف يورو تقدم في صيغه تغطيه تكاليف ترجمه الفيلم الي الايطاليه والانجليزيه من شركه "سب تاي ليتد" في لندن، فضلا عن مبلغ 5 الاف يورو من تلفزيون راي الايطالي مقابل حقوق بث الفيلم لعامين، ومشاركه مهرجاني اميان (فرنسا) وفرايبورغ (المانيا) في تكاليف انتاج النسخ الرقميه من الفيلم (Digital Cinema Package - DCP).

وحصل فيلم "علي معزه وابراهيم" علي الدعم التالي : مبلغ 10 الاف يورو من المركز الوطني لسينما الصور المتحركه في باريس علي ان تصرف علي تكاليف ما بعد الانتاج في فرنسا، و10 الاف يورو اخري لعمل المؤثرات البصريه والمؤثرات الخاصه من شركه "نايتسوورك". و10 الاف يورو من تلفزيون "تيترا" في باريس لانجاز تصحيح الالوان وانتاج النسخ الرقميه النهائيه بترجمه انجليزيه وفرنسيه.

وحصل فيلم تالا حديد "بيت في الحقول" علي دعم بـ 15 الف يورو من "ليزر فيلم" الايطاليه لتغطيه 50 ساعه عمل في تصحيح الوان الفيلم. فضلا عن تخفيض بقيمه 15 الف يورو من شركه "ماكتاري للهندسه الصوتيه " لمزج الاصوات في الفيلم (ساوند ميكسنغ).

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل