المحتوى الرئيسى

روعة القمم الجليدية العملاقة في ألاسكا - BBC Arabic

09/09 03:30

يكشف التوغل في اعماق منطقه مندنهال الجليديه في ولايه الاسكا الامريكيه النقاب عن عالم خفي حافل بالدرجات السرياليه للون الازرق، والامواج المتجمده، والكهوف التي تشبه ذاك المكان الذي كان تتخذه شخصيه "سوبرمان" الخياليه مخباً لها في القصص والاعمال السينمائيه.

في هذه المنطقه، يمتد ما يُعرف بـ "حقل جونو الجليدي" علي مساحه نحو 1500 ميل مربع، وهو بذلك يعتبر سابع اكبر تكتل جليدي من نوعه في النصف الغربي من الكره الارضيه.

وفي اغلب الاحيان؛ يتجاوز ارتفاع الثلوج التي تنهمر علي هذه المنطقه سنويا المئه قدم. وخلال شهور الصيف من كل عام؛ تبقي غالبيه هذه الثلوج دون ذوبان بفعل الطقس البارد وارتفاع المكان عن سطح البحر.

لكن "نهر مندنهال الجليدي المتجمد"؛ وهو اشهر التكوينات التضاريسيه في "حقل جونو الجليدي" واكثرها يسراً فيما يتعلق بامكانيه الوصول اليه، لا يحظي بكثير من المترددين عليه في الوقت الراهن، وهو ما يرجع جزئيا الي الارتفاع المتزايد في درجه حراره تلك المنطقه خلال الصيف.

فخلال زيارتي لهذا المكان في يوليو/تموز 2013، ظلت الحراره عند مستوي 90 درجه فهرنهايت (32 درجه مئويه) واكثر لمده اسبوع، وهو طقس حار علي نحو غير معتاد بالنسبه لسواحل الاسكا.

وتنحدر الثلوج المكونه لهذا النهر من مستجمع ثلوج خاص بالحقل الجليدي؛ يقع علي ارتفاع اربعه الاف قدم.

ومنذ عام 2005، يتاكل النهر بواقع اكثر من مئه قدم سنويا، وهو ضعف المعدل المسجل في هذا الشان منذ عام 1942؛ ذلك العام الذي بدات فيه عمليات الرصد والتسجيل لتلك المعدلات من قبل ما يُعرف ببرنامج البحث الخاص بحقل جونو الجليدي.

عندما رايت منطقه مندنهال للمره الاولي عام 2006؛ كان ذاك العالم الجليدي جديدا عليّ تماما. علي اي حال توقعت- مثلي مثل الكثيرين- ان تتضمن زيارتي جوله علي الاقدام امضي فيها صعودا فوق ذاك النهر الجليدي القارس البروده، يتوجب عليّ خلالها العمل علي تجنب الشقوق والصدوع الموجوده هناك بحذر.

كما توقعت كذلك ان ينتابني الذهول والاعجاب حيال تلك المساحه من الجليد الصافي الناصع البياض الممتد لمسافه نحو 12 ميلا باتجاه الجبال البعيده. لكن ما ادهشني حقا هو ان ما رايته علي حافه الجليد بدا مثيرا للاهتمام اكثر من ذاك الذي كان بوسعي رؤيته علي سطحه.

فمن علي الجانب الغربي لـ"نهر مندنهال الجليدي"، كان بمقدوري رؤيه شريط منساب من المياه الناتجه عن ذوبان الثلوج، وقد احدثت حفره في جانب النهر الجليدي، لينجم عن ذلك فراغ جلي ورائع. وهكذا تتدفق السيول الناجمه عن ذوبان الثلوج خلال الصيف لتتلاشي بداخل ظلام ذلك الثقب، بما يروي ظما هذا العملاق الجليدي.

ويكشف تتبع المرء لمسار هذه المياه الي داخل الجليد عن عالم غير متوقع علي الاطلاق؛ يعج بدرجات ذات طابع سريالي وغريب من اللون الازرق.

فالمياه تتدفق الي الداخل، متساقطه نقطه اثر اخري، لتتجمع بداخل ما يبدو وانها حجره او خزانه جليديه يبلغ طولها نحو 300 قدم وارتفاعها 15 قدما وعرضها 20 قدما.

وهنا يمثل الماء القوه الفاعله وراء تكوين غالبيه الكهوف الجليديه؛ فاذا ما تتبعت مسار اي تيار مائي يتدفق نحو اي كتله جليديه فستجد في الغالب تكوينا جليديا يشابه كثيرا ما نتصور عليه مخبا سوبرمان.

ويمكنني القول ان اول كهف رايته في هذه المنطقه غيّر لي حياتي؛ سواء فيما يتعلق بعملي في التصوير، او القاء محاضرات بشان علوم الجليد حاليا. فقد غمرني تالق ولمعان اللون الازرق وظلاله المختلفه، وتعين عليّ ان اعمل جاهدا علي ضبط المشهد لتبدو ملامح الاشياء واضحه في اي صوره التقطها في الداخل.

لكن المشكله هنا تتمثل في انه لم يكن بوسعي ان اوضح في صوري الحجم الهائل للكهف، وذلك في ظل عدم وجود اي شخص اخر او اي شيء؛ يمكن من خلال اظهاره في الصوره توضيح الابعاد والمسافات.

ولذا اخترت ان التقط لنفسي صوره ذاتيه، وهو ما تطلب ضبط جهاز التوقيت الذاتي في اله التصوير الخاصه بي، وهي من طراز نيكون مركبه علي قاعده، علي وضع التقاط الصوره بعد 20 ثانيه، وان اهرول عبر الارضيه الزلقه غير المستويه للكهف، لامكث في الوضع ثابتا طيله ما يُعرف بفتره التعريض، والتي استمرت ثلاث ثوانٍ.

وفي ذلك الوقت لم تكن لديّ ادني فكره عن انني ساعود الي هذا المكان عاما تلو الاخر لالتقط صورا لهذه الكهوف التي لا تكف تضاريسها عن التغير.

يختلف الكهف الجليدي عن نظيره الثلجي في امر شديد الاهميه، الا وهو تكوين كل منهما. فالكهف الثلجي يتالف من صخور صلبه؛ بالاحري جدران فاصله تسمح لتلك الكهوف بتجميع قطع الثلوج بداخلها علي مدار العام.

اما الكهف الجليدي، فعلي النقيض من ذلك؛ اذ انه يتشكل عبر تدفق المياه التي تتحول الي جليد صلب، مثل تلك المياه الذائبه التي كانت تمضي في المجري الذي تتبعت مساره لاصل الي داخل هذا الكهف.

ونتيجه لذلك، فان تضاريس الكهف الجليدي اكثر قابليه للتغير بل والزوال بكثير من نظيرتها في الكهف الثلجي، وهو ما يؤدي الي تغير شكل وحجم الكهوف الجليديه شهرا بعد الاخر بفعل تذبذب وتيره تدفق المياه الذائبه.

ويؤدي ذلك التغير الي ان يتوافر للمصورين امثالي مناظر طبيعيه متبدله باستمرار، تتالف عناصرها من الظلال والالوان والتكوينات التضاريسيه، وهو ما يجعل كل لقطه مختلفه تماما عن سواها.

لاحظت خلال زيارتي في يوليو/تموز 2013 الي منطقه مندنهال شيئا لم يكن قد سبق لي رؤيته في ايٍ من رحلاتي الخمس السابقه الي هذا المكان؛ الا وهو عشرات من الحشرات الصغيره ذات الاجنحه، وهي تلتصق بالجدران ذات لون الزبرجد.

وكانت علي اجساد هذه الحشرات قطرات من الندي المتجمد، وهو احد نتائج الحياه في بيئه مثل هذه مشبعه بالمياه الي حد هائل. ولم يتجاوز طول اي من هذه الكائنات، التي تنتمي الي عائله الحشرات البدائيه المجنحه ذات الجسم المفلطح، بوصه واحده.

وبدت تلك الحشرات كما لو كانت مجمده في مكانها، وادت درجات الحراره المتدنيه للغايه القريبه من درجه التجمد الي اعاقه عمليات الايض الخاصه بها.

ولا يتوافر الكثير من المعلومات عن الحشرات التي تتخذ الكهوف الجليديه مسكنا لها، ولكنني اعتقد – بناء علي مشاهداتي لانواع مشابهه من الكائنات الحيه في ثلاث دول مختلفه منذ عام2013 - ان تلك الحشرات تتكاثر بداخل مثل هذه الكهوف خلال شهور الصيف، لتتجنب ربما التعرض للافتراس من قبل الطيور.

خلال شهور الصيف التي يسودها طقس اكثر دفئا، يتحول سطح نهر مندنهال الجليدي الي فسيفساء من برك المياه الذائبه التي يمتزج فيها اللون الازرق ذو الطابع الذي يُذّكِر بمنطقة الكاريبي، باللون الابيض المبهر للاعين الذي يصطبغ به ما يُعرف بالثلج الجليدي او الثلج الحبيبي، حديث الانهمار. ويتفاوت حجم برك المياه هذه علي نحو كبير بين فتره واخري خلال العام.

ومع تغير الظروف المحيطه بالنهر الجليدي او المؤثره فيه؛ يشهد هذا النهر علي نحو مستمر نشوء والتئام صدوع وشقوق في جنباته وانحائه، نظرا لانه ليس الا كتله من الجليد تتحرك الي اسفل تحت تاثير قوه الجاذبيه.

ومن ثم فان انغلاق منفذ للماء الذائب، من شانه ان يؤدي لامتلاء احد الصدوع او الشقوق في غضون ساعات قليله، مما يقود الي حدوث تغير ما في المشهد، اذ تتجه المياه الي اسفل لتسقط في اعماق النهر الجليدي، بسرعه تفوق حتي تلك التي يمتلئ بها الشق او الصدع.

يمكن ان يؤدي الماء الذائب – بحسب المسار الذي يتخذه - اما الي اذابه احد جوانب النهر الجليدي، او قد ينحدر الي الاعماق. ومع توالي عمليات تصريف المياه، فانها تتحول في غالب الاحيان الي ثلوج او جليد، ما يؤدي الي تشكّل تكوينات تضاريسيه تاخذ شكل اعمده راسيه تحتوي عليها الأنهار الجليدية.

وتساعد هذه التكوينات علي جعل المنحدرات الموجوده في تلك الانهار زلقه، كما انها تسهل من تحركات مثل هذه المنحدرات. بجانب ذلك، تسهم تلك التكوينات التضاريسيه، وهي عباره عن اعمده راسيه من المياه، في تحديد شكل وحجم الكهوف الجليديه.

كما تلعب تلك التكوينات، والتي يُطلق عليها باللغه الانجليزيه اسم "مولن" المشتق من لفظه فرنسيه تعني "طاحونه الهواء"، دورا شديد الاهميه في منظومه تصريف المياه الخاصه بالنهر الجليدي.

ويحجب سطح النهر رؤيه تلك التكوينات، ولكن بمقدور المرء رؤيتها اذا ما غاص في اعماق الكتل المؤلفه للنهر الجليدي، كما حدث عندما التقطت احدي الصور المرفقه بهذا الموضوع.

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل