المحتوى الرئيسى

"ريحتنا" التي طلعت في أزمة اللاجئين

09/08 15:57

طفل واحد هز الضمير الاوروبي، كم طفلا ينبغي ان يموت لكي يستيقظ الضمير العربي؟

صوره ايلان الكردي ابن السنوات الثلاث اطلقت الجرس الذي لا يزال رنينه يدوي في ارجاء الكون، بجسمه الصغير الذي لفظه البحر علي شاطئ مدينه بودروم التركيه، فان جثته فتحت الاعين علي بشاعه الجريمه الكبري التي ترتكب بحق الشعب السوري منذ اكثر من اربع سنوات.

عبقريه الصوره اوصلت للكافه ما لم توصله نشرات الاخبار التي تحدثت عن قتل اكثر من ربع مليون سوري وتشريد ١٢ مليونا، سجلت دفاتر مفوضية اللاجئين منهم اربعه ملايين، واصداء الصدمه تجاوزت ما جري حين قتل الاسرائيليون الطفل محمد الدرة وهو في "حضن ابيه عام ٢٠٠٠".

ورغم بشاعه الجريمه، فان الاله الاعلاميه للقاتل الاسرائيلي سارعت الي احتواء الموضوع وامتصاص صداه مستثمره ضعف ذاكره العرب ووهن انظمتهم. وهو ما حدث ايضا بعد احراق المستوطنين جثه الطفل علي دوابشه بدايه شهر اغسطس/اب الماضي (امه ماتت هذا الاسبوع متاثره بالحريق وابوه سبقها)، وشاء القدر ان يحترق الطفل الفلسطيني تحت جنح الظلام فلم تلتقط له صور.

ذلك ايضا حظ اطفال اليمن الذين اصبحوا يقتلون كل يوم ويدفنون تحت الانقاض ويتحولون الي اشلاء وجثث مشوهه من ذلك القبيل الذي اعتادت اعيننا رؤيته في العراق وغيرها من مناطق الصراعات التي باتت توزع الموت علي فضاءات العرب بغير استثناء.

لو ان جثه الطفل كانت علي شاطئ غزه لاختلف الامر، ولما احدثت الصدي الذي روّع الاوروبيين واستنفرهم. وهو ما حدث اثناء احدي غارات اسرائيل التي شنتها علي القطاع صيف ٢٠١٤، فقتلت اربعه اطفال وليس طفلا واحدا، كانوا يلعبون علي الشاطئ، ولم يتحرك شيء في العالم الغربي ولا العربي.

الفزع الاوروبي ادهشنا، نحن الذين الفنا الموت وتكيفنا مع القتل حتي غدت الجنازات طقسا شبه يومي في عواصمنا، وكان مثيرا للانتباه ان اعلامنا اهتم برد الفعل الاوروبي اكثر من اهتمامه بالفعل والجريمه الاصليه، فتابع الضحايا ومعاناتهم في حين نسي القاتل الذي لا يزال يمطر الضحايا بالبراميل المتفجره. وكانت النتيجه اننا شغلنا بالهم الاوروبي باكثر مما شغلنا بهمنا القومي سواء كان انهيارا كارثيا للنظام العربي، او دما يسيل في اليمن، او دوله تتحلل في ليبيا، او وطنا يبتلع في فلسطين... الخ.

استغربت عنوانا نشرته احدي الصحف المصريه علي صفحتها الاولي يقول "صوره الطفل السوري الغريق تحرج اوروبا"، وشعرت بالخزي حين قرات ان زعيم المعارضه الاسرائيليه اسحاق هيرتروج دعا حكومه بلاده الي فتح حدودها امام اللاجئين السوريين، وانتابني الشعور بالخجل حين وجدت ان بابا الفاتيكان فرنسيس دعا اديره اوروبا لفتح ابوابها لاستضافه اللاجئين.

وظل الخجل يلاحقني حين قرات قائمه النجوم والمشاهير الغربيين الذين اعلنوا تضامنهم مع اللاجئين، من المغني الفرنسي شارل ازنافور الذي دعا الي نقل جماعات المضطهدين في الشرق الاوسط الي القري الفرنسيه المهجوره، الي ليونيل ميسي نجم المنتخب الارجنتيني ونادي برشلونه الذي استهجن المشهد واعلن دعم مؤسسته الخيريه للمهاجرين، الي جي كي رولينج مؤلفه روايات هاري بوتر التي رددت دعوه التضامن مع المهاجرين، وجون جرين الكاتب والروائي الاميركي الذي تبرع بعشرين الف دولار لصندوق اغاثه الطفوله البريطانيه لاغاثه اللاجئين، وجمع نصف مليون جنيه استرليني خلال ٢٤ ساعه.

وصولا الي نادي بايرن ميونيخ الذي تبرع بمليون يورو لاقامه منتجعات لايواء اللاجئين، واللجنه الدوليه الاوليمبيه التي تبرعت بمليوني دولار، ونادي ريال مدريد الذي تبرع بمليون يورو، وغيرهم.

في هلسنكي عرض رئيس وزراء فنلندا جوها سبيلا منزله الخاص في شمال بلاده لايواء طالبي اللجوء، ودعا مواطنيه لان يحذوا حذوه ويفتحوا بيوتهم للباحثين عن ماوي، وفي لندن هوجم رئيس الوزراء ديفد كاميرون حين صرح بانه لن يسمح لجحافل اللاجئين بدخول انجلترا، ووصفت منظمه العفو الدوليه كلامه بانه "مشين"، وقالت صحيفه "الجارديان" ان موقفه لم يكن خطا فحسب لكنه بمثابه عار علي بريطانيا وكل البريطانيين.

وفي هذه الاجواء، برز موقف المستشاره الالمانيه انجيلا ميركل التي قادت الدعوه الي احتضان اللاجئين واتفقت مع النمسا علي ان يفتح البلدان حدودهما لاستقبال اعدادهم المتزايده، كما قادت مع الرئيس الفرنسي هولاند الدعوه الي وضع خطه للتعامل مع قضيه اللاجئين بنزاهه ومسؤوليه، بحيث يتم توزيعهم علي دول الاتحاد الاوروبي وفقا لحصص الزاميه... الخ.

هذه الاخبار وامثالها ابرزتها صحفنا التي تعاملت مع الموضوع باعتباره مشكله اوروبيه سببتها جحافل غريبه قادمه من كوكب اخر.

الارقام مخيفه وصاعقه. حسب مفوضيه اللاجئين التابعه للامم المتحده، فان اكثر من ثلاثمئه الف شخص عبروا البحر المتوسط هذا العام، وان ما بين ٢٥٠٠ و٣٥٠٠ غرقوا في البحر قبل ان يصلوا الي الشاطئ الاخر.

وعن السوريين المسجلين، قالت المفوضيه ان العدد الاكبر من لاجئيهم اتجه الي لبنان (اكثر من مليون) تليها تركيا (ثمانمئه الف) ثم الاردن (ثلاثمئه الف) وبعدها العراق (٢٥٠ الفا) ثم مصر (١٣٢ الفا).

واضاف بيان المفوضيه انها وشركاءها طالبوا بتوفير ٥.٥ مليارات دولار لاغاثتهم، وحتي اخر شهر يونيو/حزيران الماضي تم توفير ربع المبلغ المطلوب، وهو ما يعني استقطاع الدعم الغذائي للاجئين وصعوبه توفير الخدمات الانسانيه المقدمه اليهم او ارسال اطفالهم الي المدارس. اما احوال اللاجئين فهي تندرج في مستوي التعاسه التي تبلغ ذروتها في بعض البلدان وتخف في بلدان اخري.

صحيح ان اللاجئين ليسوا كلهم سوريين، ولكن لان الكارثه الاكبر هناك، فقد اصبحت سوريا المصدر الاكبر للاجئين، الي جانب ان هناك اعدادا متفاوته من السودانيين والفلسطينيين والعراقيين وابناء دول الشمال الافريقي، واذا كانت الاغلبيه من ضحايا صراعات المنطقه العربيه، فان هناك اخرين من ابناء المنطقه يقصدون دول الشاطئ الاوروبي المقابل بسبب الظروف الاقتصاديه الطارده في بلدانهم الاصليه.

في مواجهه زحف اللاجئين نحو اوروبا تحركت المفوضية الاوروبية واقترحت توزيع اعدادهم علي الدول الاوروبيه، خاصه ان ايطاليا واليونان المطلتين علي البحر الابيض طالبتا بان تقاسمهما الدول الاوروبيه اعباء اللاجئين، لكن دول الشمال -ما خلا السويد والمانيا- دعت الي الابقاء علي اللاجئين حيث حطوا رحالهم، وان يمنحوا اللجوء هناك، ورفض التشيكيون والسلوفاكيون استقبال اللاجئين.

وامرت حكومه المجر ببناء جدار بارتفاع اربعه امتار علي طول الحدود مع صربيا (١٧٥ كيلومترا) للحيلوله دون دخول اللاجئين الي اراضيها. واعلنت بولندا انها سوف تستقبل فقط المسيحيين دون غيرهم من بين اللاجئين القادمين من الشرق الاوسط.

وقد اشرت الي ان الحكومه الالمانيه كانت اكثر شجاعه حين فتحت مع النمسا حدودهما امام المهاجرين، ولجات بون الي تعليق العمل باتفاقيه "دبلن" التي نصت علي توحيد اجراءات الهجره بين الدول الاوروبيه، كما نصت علي اعاده المهاجرين الي الدول التي جاؤوا منها، الا ان تفاهمات السياسيين علي اهميتها ليست العنصر الوحيد المؤثر في الموضوع، لان المشكله لها اصداؤها التي لا تنكر في التعامل مع الملف. 

فالي جانب الاصوات التي تضامنت مع مظلوميه اللاجئين، فان الاحزاب اليمينيه وجدت المشكله فرصه وحجه قويه استندت اليها في تاجيج المشاعر وتعبئه الراي العام ضد ما سمي "الغزاه الجدد" حينا ومحاولات "اسلمه" اوروبا حينا اخر.

في هذا السياق، ذكرت التقارير الصحفيه ان شعبيه السيده ميركل تراجعت بسبب تعاطفها مع اللاجئين، في حين هاجم بعض المتطرفين من الشباب الالماني بعض مراكز تجمع اللاجئين وحاولوا اشعال النيران فيها، وفي الانتخابات الاقليميه والبلديه في ايطاليا دعت "رابطه الشمال" الي اعتقال المهاجرين واعادتهم الي حيث اتوا.

وفي الانتخابات التشريعيه في الدانمارك حاز حزب الشعب ٢١٪ من الاصوات، وتضاعفت نسبته من الاصوات مرتين قياسا علي انتخابات عام ٢٠١٠، خاصه انه دعا الي تشديد قوانين الهجره للحد منها، وتتحدث التقارير الصحفيه عن صعود محتمل للتيارات السياسيه والشعبويه في كل من المانيا وانجلترا وفرنسا، بعدما تعالت الاصوات المحذره من ارهاب الوافدين و"اسلمه" القاره وتهديدات الوحده الاوروبيه.

الغائب الاكبر عن المشهد هو العالم العربي، والراسب الاكبر في الاختبار هو الجامعه العربيه التي غدت نموذجا يجسد انهيار النظام العربي وافلاسه. ذلك اننا اذا اعتبرنا ان ازمات المنطقه حاضره في قلب ملف المهاجرين، فسوف يلفت انظارنا ان الامم المتحده هي التي حاولت حل تلك الازمات، وان الجامعه العربيه خارج الصوره تماما.

فمبعوثو الامين العام هم الذين يحاولون التوسط في البحث عن حلول في سوريا وليبيا واليمن. وقبل ذلك نفض النظام العربي يده من القضيه الفلسطينيه وترك ملفها للجهود الدوليه ومفاوضات القاتل مع القتيل، وهو ما اعطي انطباعا قويا بان مستقبل العالم العربي اصبح خارج اهتمامات الجامعه العربيه او حتي الحكومات العربيه.

الذي لا يقل ادهاشا عما سبق ان المجتمع المدني العربي والنخبه بمختلف توجهاتها كانوا ضمن الغائبين، وحين نشرت صحفنا اسماء المشاهير الذين اعربوا عن تضامنهم او اسهموا بتبرعاتهم الرمزيه لصالح اغاثه اللاجئين، فاننا لم نجد بينهم اسما عربيا واحدا.

استثني من ذلك النادي الاهلي المصري الذي وافق علي اقامه مباراه في كره القدم مع نادي بايرن ميونيخ يخصص عائدها لصالح اللاجئين، وكذلك دعوه لاعب الاهلي وليد سليمان الي التضامن معهم وتبرعه بمبلغ خمسين الف جنيه لافتتاح الحمله، واعلان رجل الاعمال نجيب ساويرس عن رغبته في شراء جزيره في البحر الابيض لاسكان اللاجئين فيها. ولم يُعرف ما اذا كان المشروع استثماريا او انسانيا.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل