المحتوى الرئيسى

كيف صنعت الولايات المتحدة «الجهاد» و«تجارة المخدرات» في أفغانستان؟ - ساسة بوست

09/07 16:49

منذ 1 دقيقه، 7 سبتمبر,2015

انا اعني.. دعونا نتذكر هنا ان اولئك الذين نقاتلهم اليوم نحن من قمنا بدعمهم يومًا ما قبل 20 عامًا. فعلنا ذلك لاننا كنا عالقين في صراع مع الاتحاد السوفيتي، ولم يكن بامكاننا ان نسمح لهم بالسيطره علي اسيا الوسطي.

هذا المقطع ليس جزءًا من قطع المذكرات المختلقه لـ«هيلاري كلينتون» لكنه مقطع فيديو منقول عن شبكه «سي ان ان» الاخباريه الامريكيه. تضيف «كلينتون»: «بمباركه الرئيس ريجان وبموافقه الكونغرس بقياده الحزب الديموقراطي قمنا بالتعامل مع المخابرات الباكستانيه ودعمنا تجنيد هؤلاء المجاهدين من السعوديه واماكن اخري.. استوردنا العلامه الوهابيه للاسلام حتي نستطيع الاجهاز علي الاتحاد السوفيتي».

وتؤكد «كلينتون»: «في النهايه انسحب السوفييت.. لم يكن استثمارًا سيئًا فقد اسقطنا الاتحاد السوفيتي ولكن علينا ان نوقن ان ما نزرعه فسوف نحصده».

لان الولايات المتحده نفسها لديها سجل طويل في دعم الارهابيين واستخدام التكتيكات الارهابيه، فان استخدامها لشعارات الحرب علي الارهاب اليوم يجعلها تبدو منافقه في نظر العالم.

«وليام اودوم» – مدير وكاله الامن القومي في عهد الرئيس «رونالد ريجان».

يضيف «اودوم» ايضًا قوله: «تستخدم الولايات المتحده الارهاب منذ فتره ليست بالقصيره. في 1978-1979 كان مجلس الشيوخ يحاول تمرير قانون لمكافحه الارهاب الدولي – لكن كل النسخ التي قدموها كانت تدين الولايات المتحده بالارهاب، حسبما علق المحامون».

(1) بدايه.. التعريف بمهندس العمليه: من يكون «زبغينيو بريجينكسي»؟

احد قدامي عرابي السياسه الخارجيه الامريكيه، والمستشار الامني السابق للرئيس الامريكي «جيمي كارتر» ما بين عامي 1977 و1981. يبلغ من العمر الان 86 عامًا، ويعمل كباحث في مركز الدراسات الاستراتيجيه والدوليه، واستاذًا لماده السياسه الخارجيه الامريكيه في كليه بول نيتز للدراسات الدوليه المتقدمه بجامعه جون هوبكنز في واشنطن. ينتمي «بريجينسكي» الي ما يعرف بالمدرسه الواقعيه في اداره السياسات الخارجيه.

ينظر الي «بريجينسكي» في السياسه الخارجيه الامريكيه علي انه المعادل الديموقراطي لوزير الخارجيه الجمهوري الاشهر «هنري كسنجر». كان «بريجنسكي» من اشد منتقدي سياسه «الانفراج» التي اتبعها «نيكسون- كيسنجر» في مواجهه الاتحاد السوفيتي واكد علي تفعيل اتفاقيه هلسنكي (ويكيبديا: اتفاق بين الكتل الشرقيه والغربيه في اوروبا يؤسس لاحترام سياده الدول وحصانه حدودها ووحده اراضيها وسلامتها، وحل الخلافات بالطرق السلميه وعدم استخدام القوه، وعدم التدخل في الشؤون الداخليه للدول، واحترام حقوق الانسان والحريات الاساسيه بما فيها حريه التفكير والمعتقدات، والمساواه بين الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وترسيخ مظاهر التعاون بين الدول وتنفيذ الالتزامات والتعهدات الدوليه).

يعتبر «بريجينسكي» ايضًا ابرز رواد الدعوه الي التقارب ما بين الصين والولايات المتحدة الإمريكية، وكان معجبًا بالزعيم الصيني «دنغ شياو بينغ» (1904- 1997) مهندس سياسات الاصلاح الصينيه، ويصف «بريغينسكي» التغييرات التي حدثت في الصين خلال الـ30 عامًا الاخيره بانها اكثر نجاحًا وسرعه من التغييرات التي حدثت في اي مكان اخر في البشريه. وساعد «بريجينسكي» في دفع الولايات المتحده الي اقرار تحالف استراتيجي مع الصين في ذروه الحرب البارده.

يعرف «بريجنسكي» علي انه من ابرز المعارضين لحرب العراق، واشد المنتقدين لسياسات الرئيس الأمريكي الاسبق «جورج بوش الابن»، ومن معارضي الحرب علي الارهاب، ربما لا يكون هذا مستعجبًا اذا علمنا انه راعي البذور الاولي للجماعات الاسلاميه المسلحه، وكان من اوائل الاكاديميين الامريكيين الذي سارعوا الي تاييد انقلاب 3 يوليو/ تموز في مصر حيث صرح بالقول: (ليس كل انقلاب عسكري شريرًا بطبعه)، كما طالب الولايات المتحده بتبني سياسه اكثر هدوءًا تجاه «الاسد» باعتبار ان ما يحدث في سوريا هو نوع من الفوضي الشامله وان معارضي «الاسد» ليسوا جميعًا من ذلك النوع الديموقراطي، كما جاء في مقال له نشرته مجله «ناشيونال انترست» في يوليو/ تموز 2013.

(2) كيف دعم «بريجينسكي» تاسيس البذور الاولي للجماعات الجهاديه؟

لدينا فكره عن ايمانكم العظيم بالله.. ونحن علي ثقه بانكم ستنتصرون.. تلك الارض هناك هي ارضكم سوف تعودون اليها في يوم من الايام، لان نضالكم سوف يسود، وستملكون بيوتكم ومساجدكم مره اخري.

«بريجينسكي» لبعض قاده المسلحين في الجهاد الافغاني

تبدا القصه قبل الغزو السوفيتي لافغانستان في 24 ديسمبر/كانون الاول عام 1979، بالتحديد قبل ذلك ببضعه اشهر علي الاقل حينما قام الرئيس الامريكي «جيمي كارتر» بتوقيع التوجه الاول نحو تقديم المساعدات لمعارضي النظام الشيوعي الموالي للسوفييت في كابول. يؤكد «بريجينسكي» في مقابله شهيره له مع مجله «نوفيل اوبسرفاتور» عام 1998 انه كان علي يقين بان تلك المساعدات الامريكيه سوف تحفز تدخلًا سوفيتيًّا.

يقول «بريجنكسي»: «كنا نريد ان نهدي روسيا فيتنام الخاصه بها.. استمرت الحرب ما يقرب من 10 اعوام وكانت موسكو مضطره للاستمرار في الحرب رغم عدم وجود دعم شعبي كافٍ لها وهو الصراع الذي ادي الي اضعاف معنويات واخيرًا انهيار الامبراطوريه السوفيتيه».

كما اتضح فيما بعد، تم تنفيذ الخطه الامريكيه بالتعاون مع المخابرات الباكستانيه (ISI) والمخابرات السعوديه. تم الترويج لدعوه المقاتلين من كافه انحاء العالم الاسلامي للقتال في افغانستان ضد السوفييت اعداء الاسلام. اقيمت معسكرات التدريب في باكستان، تشير بعض التقديرات الي النجاح في تدريب اكثر من 100 الف مسلح في هذه المعسكرات.

ووفقًا للسيره الذاتيه لقائد تنظيم القاعده الاسبق «اسامه بن لادن» الموجوده في وكاله الاستخبارات المركزيه الامريكيه، فقد غادر «بن لادن» السعوديه لمقاتله السوفييت في عام 1979 وخلال 5 سنوات، اسس «بن لادن» مؤسسه معروفه باسم مكتب الخدمات.. الجدير بالذكر بشان الامر هو ما تكشف لاحقًا ان مكتب الخدمات كان يرعاه جهاز الاستخبارات في باكستان، وهو الوكيل الرئيسي لجهاز المخابرات الأمريكية في الحرب ضد موسكو في ذلك التوقيت.

ما هو الاكثر اهميه في تاريخ العالم طالبان او انهيار الامبراطوريه السوفيتيه؟ بعض المسلمين الغاضبين او تحرير وسط اوروبا ونهايه الحرب البارده؟

«بريجينكسي» ردًّا علي سؤال عما اذا كان نادمًا علي دعم “الاصوليه الاسلاميه” وتقديم السلاح لمن هددوا امن الولايات المتحده الامريكيه في المستقبل.

ويبدو انه ليس «بريجنسكي» وحده هو من يستاثر بهذا الشعور المفعم بالفخر بشان ما حدث في افغانستان، حيث يبدو ان جميع المتورطين في الامر مستمرون في الدفاع عن هذا القرار ومثله في سياق الحرب البارده. ومنهم السيناتور الجمهوري «اورين هاتش» الذي اكد انه علي استعداد لان ياخذ هذا القرار مره اخري وحتي وان كان يعلم كل ما سيفعله «بن لادن» لاحقًا.

(3) الي الميدان: كيف كانت الامور تسير في افغانستان في ذلك التوقيت؟

(1) وصل رئيس الوزراء الافغاني الاسبق «محمد داوود خان» بانقلاب ابيض الي السلطه عام 1978، منهيًا بذلك عهد الملكيه الافغانيه (سبق ان تقلد منصب رئيس الوزراء ما بين عامي 1953-1963 وازداد نفوذ حزب الشعب الديموقراطي “ماركسي التوجه في عهده”) . شرع «داوود خان» في تطبيق نموذج ماركسي في الاصلاح تشير التقارير انه لم يلق القدر الكافي من القبول الشعبي ما اضطره لممارسه قدر من القمع الشعبي. اضطر الحزب في النهايه الي عزل «داوود خان» وتوليه «محمد نور تراقي» رئاسه المجلس الثوري ورئاسه الوزراء في جمهوريه افغانستان حديثه التاسيس.

اندلعت موجه ثوريه غاضبه في افغانستان وخصوصًا في المنطقه الشرقيه ضد سياسات الحزب وقتل «تاراكي» في ظروف غامضه ووصل نائبه «حفيظ الله امين» الي السلطه، قبل مقتله كان «تاراكي» قد وقع معاهده تسمح بالتدخل السوفيتي في افغانستان حال طلب الافغان ذلك.. كان السوفييت يتمتعون في ذلك التوقيت بقدر من الوجود الجيد لمستشاريهم في باكستان (حوالي 400 مستشار عسكري سوفيتي كانوا يتواجدون في باكستان قبل ان تتدخل وحدات من الجيش بناءً علي طلب افغانستان).

(2) الخطوه الاولي التي سبقت الاشاره اليها، بعكس ما هو شائع كانت امريكيه وليس روسيه، لم يكن التحرك الروسي لدعم الجهاد الافغاني مجرد رد فعل علي الغزو السوفيتي لكابل، حيث بدات خطه الامريكيين لنقل المقاتلين الي افغانستان قبل ذلك بكثير. وتكررت تحرشات المقاتلين الاسلاميين بالجيش الافغاني في الجبال، ما دفع «حفيظ الله امين» الي التوجه الي الاتحاد السوفيتي لزياده حجم الدعم. لم يكن السوفييت علي ثقه كامله في «امين» اما بسبب عدم الاطمئنان لقدرته علي اداره الامور، واما بسبب بعض تقارير الـ«كي جي بي»، المخابرات السوفيتيه، التي شككت في امكانيه وجود علاقه تربطه بالمخابرات الامريكيه.

(3) في 27 ديسمبر/كانون الاول من عام 1979، قامت القوات الخاصه الروسيه باحتلال الابنيه الحكوميه والعسكريه والاذاعيه الرئيسيه في العاصمه كابول، بما في ذلك قصر طاجبك الرئاسي، تم التخلص من «حفيظ الله امين» واعدامه علي يد اللجنه الثوريه المركزيه الافغانيه. وادعي السوفييت انهم بتدخلهم يطبقون معاهده الصداقه التي تم توقيعها قبل عام مع «تاراكي».

هنا حدث التدخل الروسي سريعًا، ربما باسرع مما توقع «بريجنسكي» وكان علي الامريكيين التحرك بسرعه.

(4) كيف كانت تحركات الامريكيين؟

لم يكن لدي الامريكيين رغبه في التدخل المباشر في افغانستان وارجع الخبراء ذلك لعده اسباب: اولها ان الولايات المتحده لم تكن لها مصلحه مباشره في افغانستان، وانما تتعلق مصالحها المباشره بالجوار في باكستان ودول الخليج، اضافه الي كونها لا تمتلك مبررًا شرعيًّا مثل اتفاق التدخل الروسي يبرر لها التدخل العسكري المباشر في كابول.

من ناحيه اخري فان الولايات المتحده كانت لديها الخطه المسبقه لاستدراج الروس الي حرب مفتوحه لا تطلق فيها الولايات المتحده رصاصه واحده.. الامر يلخصه بريجنسكي بدقه حين يقول: «خططنا لكي نجعل افغانستان فيتنام الروس وقد كان».

(1) البدايه كانت بزياره قام بها «بريجنسكي» الي القاهره حيث التقي الرئيس المصري «انور السادات» وكان المطلوب من مصر امرين محددين: اولهما مشاركه المؤسسه الدينيه المصريه في حمله الحشد للقتال ضد السوفييت ونجده المسلمين في افغانستان، الامر الاخر والاكثر اهميه هو الحصول علي الاسلحه السوفيتيه القديمه المخزنه في المخازن المصريه من اجل شحنها الي المسلحين في افغانستان. كانت الولايات المتحده ترغب بوضوح في طمس اي بصمه رسميه لها في دعم المسلحين لذلك فضلت الا تمدهم باسلحه امريكيه وانما باسلحه روسيه حتي يظهر انه تم اغتنامها من الروس انفسهم.

امر السادات بتخصيص مطار قنا العسكري ليكون مقرًا لشحن الاسلحه الي باكستان حيث توزع بمعرفه الـ«سي اي ايه» والمخابرات الباكستانيه، كما امر الرئيس المصري بجعل ميناء بورسعيد قاعده خلفيه لتخزين وشحن السلاح الي ميناء كراتشي.

(2) بعد يوم واحد من اجتماعه بالسادات في مصر توجه «بريجنسكي» الي غزه والتقي الامير «فهد» ولي العهد السعودي انذاك والامير «سلطان» وزير الدفاع. وكان علي السعوديه تحمل الشق الاكبر من نفقات العمليه اضافه لذات الدور الاعلامي لمؤسستها الدينيه في الدعوه الي الجهاد ضد السوفييت. وفي عام 1980 رحل «كارتر» و«بريجنسكي» عن البيت الابيض وجاء «رونالد ريغان» خلفًا لهما ليكمل المهمه.

(3) التحدي الاكبر الذي واجهته اداره «ريغان» كانت ان الولايات المتحده عليها ان تتحمل حصه ماليه هي الاخري في تمويل العمليه الافغانيه. وهنا ياتي الامر الاكثر طرافه في العمليه برمتها. اقترحت الاستخبارات الفرنسيه علي الرئيس الامريكي الاستفاده من شحنات المخدرات التي يصادرها مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي، وبيعها في السوق السوداء واستخدام عوائدها في تمويل العمليات الافغانيه.

لاقت الفكره فيما يبدو قبولًا امريكيًّا.. في تلك الفتره ارتفع انتاج المزارعين الافغان من الخشخاش مرات عده حتي صار مردوده المالي يقارب سته مليارات دولار سنويًّا، واصبح الافيون وتقطيره اهم صناعه وطنيه في البلاد. ووفقًا للصحفي الباكستاني «محمد رشيد»، فانه في الثمانينيات من القرن العشرين اقترب حجم المخدرات الافغانيه المتداوله في العالم من 70% من اجمالي الانتاج. ولقد اضطرّ بعض ضباط مكاتب مكافحه المخدرات التابعه للامم المتحده في بيشاور الي الاستقاله من وظائفهم احتجاجًا علي العراقيل التي يصنعها رجال الاستخبارات المركزيه الامريكيه والمخابرات العسكريه الباكستانيه لجهودهم.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل