المحتوى الرئيسى

هل تجر تركيا الولايات المتحدة في حربها ضد الأكراد؟

09/07 23:16

ان افضل استعاره ممكنه تفشل في وصف جنون الهجوم التركي علي الجماعه الكرديه المسلحه، حزب العمال الكردستاني، جنبًا الي جنب مع تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش). ومنذ عام 1984 حتي عام 2013، خاضت الدوله التركيه صراعًا غير محسوم مع حزب العمال الكردستاني اودي بحياه اربعين الف شخص. وعلي الرغم من ان الدوره الجديده من العنف تكرر نفس الصراع الغبي، فان تركيا، فيما يشبه الي حد كبير تعريف ألبرت اينشتاين، تتوقع نتائج مختلفه.

لا تُعدّ محاربه حزب العمال الكردستاني في نفس الوقت مع تنظيم الدوله الاسلاميه شيئًا جنونيًا فقط، وانما تضر ايضًا  بمصالح تركيا والولايات المتحده.

بدا يظهر عرض تركيا المرعب يوم 20 يوليو عندما قتل انتحاري تابع لتنظيم الدوله الاسلاميه 32 ناشطًا شابًا وجرح 104 اخرين في بلده سروج التركيه. وكانت هذه المجموعات الشبابيه قد توجهت الي بلده كوباني الكرديه السوريه من اجل القيام باعمال اغاثيه. واتهم حزب العمال الكردستاني الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، ورئيس الوزراء التركي، احمد داوود اوغلو، وحزب العدالة والتنمية، بتعاطفات ايوائيه مع تنظيم الدوله الاسلاميه، وشرع في الهجوم علي قوات الجيش والشرطه التركيه.

وفي الوقت نفسه، تلقف تنظيم الدوله الاسلاميه وتيره الاحداث. ففي 23 يوليو، قام مقاتلو الخلافه المزعومه بقتل جندي تركي علي الحدود السوريه. واطلقت انقره ضرباتها الجويه ضد كل من تنظيم الدوله الاسلاميه وحزب العمال الكردستاني، وفتحت قواعدها للولايات المتحده في دعم لعمليات مكافحه تنظيم الدوله.

وعلي نفس المستوي، ليس الهجوم التركي المتزامن ضد المجموعتين امرًا مستغربًا. فقد ذكر اردوغان وداوود اوغلو مرارًا ان حزب العمال الكردستاني ونظام الاسد، وليس تنظيم الدوله الاسلاميه او غيره من الجماعات المتطرفه، اكبر خطر علي بلدهم. وفي بعض الاحيان، قعَّد مسؤولون اتراك لتكافؤ اخلاقي بين حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدوله. وحتي الشهر الماضي، رفضت تركيا المشاركه في العمليات التي تقودها الولايات المتحده ضد تنظيم الدوله الاسلاميه لعدم استهداف هذه العمليات لقوات الاسد.

لكن الجمع بين حزب العمال الكردستاني (وكذلك المجموعه السوريه التابعه لهم، حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه المسلح، ووحدات الحمايه الشعبيه) ومتطرفين دينيين من قبيل تنظيم الدوله الاسلاميه سياتي بنتائج عكسيه للاتراك وحلفائهم الامريكيين.

ليس ذلك لان تنظيم الدوله الاسلاميه يطرح باعتباره خطرًا كبيرًا علي انقره مماثلًا لحزب العمال الكردستاني. بل علي النقيض تمامًا: مع بعض الوقت والجهد، وسفك الدماء، ستتمكن تركيا من تحقيق الاستقرار علي الحدود السوريه ومن تعقب وتحييد خلايا تنظيم الدوله الاسلاميه داخل حدودها. وبعد كل شيء، تركيا هي ثاني اكبر قوه عسكريه في حلف شمال الاطلسي.

لكن نادرًا ما يضمن الافراد والقوه العسكريه النجاح.

العنصر الاكثر اثاره للقلق في الحرب التركيه ضد حزب العمال الكردستاني هو انها تفتقر الي المباديء الاساسيه للتفكير الاستراتيجي. بغض النظر عن صن تزو واهميه الذهاب الي الحرب  بعد تهيئه ظروف تحقيق النصر. ناهيك عن كلاوزفيتز وكون الحرب ممارسه عقلانيه لتنظيم الفرصه والعنف لتحقيق اهداف سياسيه ملموسه وقابله للتحقيق. وفضلًا عن بسمارك وتحذيراته بشان خوض حروب علي جبهتين.

تتجاهل (اعاده) عسكره انقره لمشكلتها مع حزب العمال الكردستاني حقيقه بسيطه: حزب العمال الكردستاني هو احد امتدادات المساله الكرديه، والتي هي في الاساس مساله سياسيه واجتماعيه وقانونيه. ولفتره كبيره من القرن العشرين، حُرِم الاكراد الاتراك من حقوقهم الثقافيه والاجتماعيه. وقد صعد حزب العمال الكردستاني كنتيجه للنظام العسكري القمعي في تركيا من عام 1980 الي عام 1983.

وفي اغلب الفتره الممتده من عام 1984 حتي منتصف الالفيه، اتبعت الدوله التركيه منطقًا شبيهًا لـ "مقاييس" وزير الدفاع الامريكي، روبرت ماكنمارا، (اقرا: احصاء الجثث) خلال حرب فيتنام. دون اي اعتبار للجوانب النوعيه للحرب، افترض ماكنمارا انه بمجرد ان تصل خسائر الفيتناميين الشماليين والفيتكونغ الي النقطه التي لا يمكنهم عندها تجديد مواردهم، ستكون الغلبه للولايات المتحده وفيتنام الجنوبيه.

وبالمثل، ركز الجيش التركي والقاده المدنيون علي عدد مسلحي حزب العمال الكردستاني الذين قتلوا (غالبيه الاربعين الف قتيل) في ذروه الصراع في التسعينيات، لكنهم لم يتمكنوا ابدًا من تفسير سبب عدم انتهاء الصراع.

يشبه الاشتعال الحالي بشكل مخيف ما حصل في التسعينيات. فاليوم، كما في الماضي، تضرب القوات التركيه مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين يهاجمون الموظفين الاتراك ومن ثم يقوم الحزب باعاده عملياته التفجيريه. وبالتالي تجعل هذه الحلقه المفرغه الحل السياسي للمساله الكرديه - الطريقه الوحيده التي يمكن من خلالها حل هذا الصراع - اقل احتمالًا.

حتي من وجهه نظر عسكريه بحته، يمكن للضربات الجويه التركيه ضد حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدوله الاسلاميه ان تثبت عدم فعاليتها. في مقابله له مع كاتب هذه السطور، جادل الدكتور هنري باركي بان الضربات الجويه التركيه "لن تكون بتلك الفعاليه لانه من غير الممكن ان تقوم باي شيء جدي دون وجود مكون علي الارض".

"يفتقر سلاح الجو التركي الي حنكه وقدرات سلاح الجو الامريكي"، حذر باركي، وهو خبير في الشؤون الكرديه ومدير برنامج الشرق الاوسط في مركز وودرو ويلسون في واشنطن. "وحتي الولايات المتحده، علي الرغم من قواتها الجويه، تعتمد علي القوات البريه الكرديه للتعامل مع تنظيم الدوله".

يمكن لاي زياده في مستويات القوات التركيه ان تجعل الفتره الاكثر كثافه في القتال في التسعينيات تبدو كحلم جميل. هناك جيل جديد من الاطفال الاتراك والاكراد الذين هم اصغر من ان يتذكروا كيف فاقم العنف من كل شيء، ويمكنهم (حرفيًا) اضافه الوقود لاطلاق النار.

وهذه الديناميه جاريه بالفعل. منذ عام 2013، اشتبكت مجموعه تطلق علي نفسها اسم الحركه الوطنيه الثوريه للشباب، وهي منظمه شبابيه تابعه لحزب العمال الكردستاني، مع قوات الامن التركيه. وفي مقابله له مع هذا الكاتب، اشار اليزا ماركوس، وهو خبير في شؤون حزب العمال الكردستاني، ومؤلف كتاب "الدم والايمان: حزب العمال الكردستاني والكفاح الكردي من اجل الاستقلال"، الي ان "بعض الهجمات الاخيره ضد الشرطه التركه قد تكون من عمل الحركه الوطنيه الثوريه للشباب. ويقول ماركوس انه "يمكن للعمل العسكري التركي ان يلعب لقوه حزب العمال الكردستاني. ودعم حزب العمال الكردستاني بين الشباب الكردي قوي وما يحدثه العمل العسكري التركي يعزز ذلك الدعم".

وبعباره اخري، ان الاساليب الخرقاء تساعد فقط جهود التجنيد لحزب العمال الكردستاني داخل الوطن في تركيا وتكثف من الصراع.

ان الماساه الحقيقيه تكمن في ان تركيا يمكن لها ان تتجنب هذه المعضله. منذ عام 2009 وحتي اوائل عام 2015، تعهدت حكومه حزب العداله والتنميه بـ "الانفتاح الكردي" واجرت محادثات سلام سريه مع حزب العمال الكردستاني. ومنذ اوائل عام 2013، دخل وقف اطلاق النار في حيز التنفيذ. وفي حين تم تناول المشاكل الاجتماعيه والثقافيه للاكراد، فان الحقوق السياسيه وتلك المتعلقه بالعداله الانتقاليه، - كيفيه التعامل مع الحكم الذاتي الاقليمي الكردي ومصير مقاتلي حزب العمال الكردستاني (وخصوصًا زعيم التنظيم المسجون، عبد الله اوجلان) - ظلت دون حل.

ونتيجه لقلقه من فقدان الاصوات، وذهابها الي الاحزاب القوميه، في حال اتخذ قرارات غير شعبيه، توقف حزب العداله والتنميه عن الاستمرار. وقد تبع فوز اردوغان بالرئاسه في اغسطس 2014 بنسبه 52 في المئه من اصوات الناخبين، فقد حزبه لـ 11 نقطه في الانتخابات البرلمانيه التي جرت في شهر يونيو من هذا العام. ومن المفارقات، خساره حزب العداله والتنميه للاصوات مقابل حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للاكراد، لفشله في حل المساله الكرديه، وحزب العمل القومي المتطرف لشجاعته الماضيه في التعاطي مع حقوق الاكراد.

يشكل العمل علي حل المساله الكرديه في الوقت المناسب وبشكل مشرف قبل بضع سنوات ظلالًا علي ضروره قصف حزب العمال الكردستاني اليوم. وفي الواقع، يمكن ان يتحالف مسلحي حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا والعراق مع تركيا ضد تنظيم الدوله الاسلاميه والاسد. ويمكن للرئيس اردوغان ان يكون بطلًا للجميع في الداخل والخارج.

بدلًا من ذلك، حوَّل اردوغان وداود اوغلو بلدهم نحو "طريق الجهاد في سوريا". ويكمن جزء كبير من المشكله في ان اردوغان استراتيجي سيء ورجل دوله اسوا. كما يعرقل الرئيس التركي رئيس وزرائه بشان تشكيل حكومه ائتلافيه، علي امل ان يستخدم الصراع مع حزب العمال الكردستاني في الدعوه الي انتخابات مبكره وبالتالي تعويض الخسائر الانتخابيه.

لا تؤذي تركيا نفسها فقط: فافعالها تقوض ايضًا مصالح الولايات المتحده في الحرب الاهليه السوريه والشرق الاوسط.

استيقظت اداره اوباما من احلامها بشان الربيع العربي التي طرحت تركيا بوصفها عامل "استقرار" في المنطقه. لكن تصاعد الصراع التركي الكردي قد يحول حليف الناتو من شيء ثمين الي مسؤوليه خطيره بالنسبه الي الولايات المتحده. ويمتلك حزب العمال الكردستاني مصدرًا جاهزًا من الشباب الكردي الساخط في العديد من المدن التركيه، والذين يمكن ان يشنوا هجمات علي نطاق واسع في جميع انحاء البلاد.

وكما اظهرت الاحداث الاخيره، قد لا تنفصل المواقع الدبلوماسيه والعسكريه الامريكيه في تركيا عن ذلك كله. فالولايات المتحده تعترف بحزب العمال الكردستاني باعتباره "منظمه ارهابيه"، وتدعم الغارات الجويه التركيه الاخيره ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.و بينما لم يظهر التمركز الاساسي للتنظيم في شمال العراق اي مصلحه في مهاجمه اهداف امريكيه في تركيا، فان حوادث فرديه من قِبل مسلحين اكراد يمكن ان تفعل ذلك.

كما قد تقوض العمليات التركيه ضد حزب العمال الكردستاني من جهود الولايات المتحده في سوريا ايضًا. وان صوره "امريكا تبيع الاكراد" لسيئه بما فيه الكفايه. لكن الامور قد تزداد سوءً اذا هاجمت انقره قوات حزب الاتحاد الديمقراطي، التي تقاتل تنظيم الدوله الاسلاميه مع دعم جوي امريكي منذ خريف عام 2014.

بالنسبه الي اليزا ماركوس، هذه مشكله خطيره. "اعتقد واشنطن قصيره النظر جدًا ولا تدرك ان المعركه ضد تنظيم الدوله الاسلاميه قد تتقوض اذا استمر النزاع بين حزب العمال الكردستاني وانقره. ويجب علي واشنطن النظر في التوسط بين حزب العمال الكردستاني وانقره للوصول الي وقف اطلاق النار مره اخري وتامين دور حزب الاتحاد الديمقراطي في مكافحه تنظيم الدوله".

"كسب تركيا في مكافحه تنظيم الدوله الاسلاميه امر مهم جدًا ولكن ستضيع الكثير من المكاسب اذا تم الاضرار بحزب الاتحاد الديمقراطي او تمت خسارته"، اضاف ماركوس.

يوافق هنري باركي علي ذلك. "ان الولايات المتحده لا تمانع بشان عمليه تركيه في [شمال العراق]. ولكن اذا ضربت [تركيا] ايضًا [حزب الاتحاد الديمقراطي]، ستسير الامور خارج القضبان ".

"اذا كان هناك خطًا احمر للولايات المتحده"، يضيف، "فانه حزب الاتحاد".

واخيرًا، هناك فرصه جيده لنشوء دوله كرديه مستقله في العراق وسوريا في السنوات القليله المقبله. وقد قاومت انقره وواشنطن لسنوات فكره دوله كردستان المستقله. ولكن اذا لم يمرر الاستقلال الكردي، فانه لن يكون من مصلحه تركيا او الولايات المتحده تمريضه من خلال قتل المزيد من الاكراد.

المصدر | نشر في 12 اغسطس 2015

فورن افيرز: التنامي الكردي، مراكمه القوه في صندوق الاقتراع وعلي ساحه المعركه

تاثير حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات التركيه

فورين افيرز: هل يتحالف الاكراد والايرانيون؟

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل