هل سيواصل "الموساد" عمليات التصفية؟

في اول ظهور اعلامي له بُعيد تواتر الشبهات حول مسؤوليه جهازه عن تصفيه القيادي في الذراع العسكريه لحركه حماس محمود المبحوح في دبي، بدا رئيس الموساد مئير دغان مزهواً بينما كان احد الصحفيين الاسرائيليين يذكره بمقال في احد الصحف المصرية يصفه بانه "سوبرمان اسرائيل".

فرغم تعمد اسرائيل الرسميه عدم تبني او نفي المسؤوليه عن عمليه الاغتيال فان كلاً من النخب السياسيه والاعلاميه في تل أبيب خرجت عن طورها في كيل المديح والثناء علي الموساد ومن يقف علي راسه، بوصفه الجهاز الذي "اعاد لاسرائيل تاج العزه"، كما قال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي ايلي يشاي. لكن ما ان مر بعض الوقت حتي استحال الثناء الي نقد لاذع، والاكبار الذي حظي به دغان الي تشكيك في قدراته، بعد ان تبين ان "الانجاز" المتمثل في التخلص من المبحوح قد تحول الي عبء وضرر بمقاييس تكتيكيه واستراتيجيه.

فكلاً من المستوي السياسي والامني اللذين اصدرا التعليمات بتصفيه المبحوح ارادا ان تكون العمليه –وفق قاموس الموساد– "نظيفه" لا تترك اثراً يقود الي اسرائيل، فقد ادرك صانع القرار الاسرائيلي حجم الاخطار الناجمه عن ربط الموساد بعمليه تصفيه تتم علي ارض احدي الدول العربيه "المعتدله"، علاوه علي ادراك الاسرائيليين ان الدول الاوروبيه التي استخدم اعضاء الخلايا التي شاركت في التصفيه جوازات سفرها ستتعرض لحرج شديد، لا سيما ان الحديث يدور عن عمليه تتم علي ارض دوله ترتبط بعلاقات اقتصاديه وتجاريه بهذه الدول.

ومن هنا حاول الموساد عدم ترك اثر عبر استخدام عدد كبير من عناصر وحده "كيدون"، فرقه الموت التابعه له والمتخصصه في تنفيذ عمليات التصفيه، فلم يحدث في تاريخ عمليات التصفيه التي نفذتها الاجهزه الاستخباريه ان شارك هذا العدد الكبير في عمليه تصفيه شخص واحد، فضلاً عن استخدام عمليات تمويه معقده، وتوظيف تقنيات متقدمه في تنفيذ عمليه التصفيه ذاتها.

وقع الموساد ضحيه عدد من الافتراضات الخاطئه، تمثلت في عدم احاطته بحجم وتطور التقنيات الامنيه المستخدمه في اماره دبي

ومع كل ذلك فقد وقع الموساد ضحيه عدد من الافتراضات الخاطئه، تمثلت في عدم احاطته بحجم وتطور التقنيات الامنيه المستخدمه في اماره دبي، فعلي ما يبدو نجح عملاء الموساد في معالجه كاميرات التصوير في الممر الذي كانت تتواجد فيه الغرفه التي نزل فيها المبحوح، لكنهم لم يعوا ان كاميرات التصوير تنتشر في معظم ارجاء المدينه، وبالتالي تم توثيق تحركات العملاء منذ وصولهم المدينه وحتي مغادرتهم لها.

والاهم من كل ذلك ان مخططي عمليه التصفيه لم ياخذوا بعين الاعتبار كفاءه وجداره محققي شرطه دبي الذين تمكنوا ليس فقط من جمع خيوط الجريمه، بل ورسم صوره شامله ومنطقيه ومقنعه دفعت الاجهزه الامنيه الاوروبيه للتعامل معها باحترام، وقد عبر الكثير من المعلقين الاسرائيليين عن تقديرهم واعجابهم الشديد بشرطه دبي، لدرجه ان اكثر من صحيفه اسرائيليه تمنت لو كانت قدرات دغان بنفس قدرات قائد شرطه دبي ضاحي خلفان.

جاء الكشف عن دور الموساد في العمليه واستخدامه جوازات سفر اوروبيه في تنفيذها في وقت بالغ الصعوبه لاسرائيل، فقد كان اخر ما تتمناه تل ابيب ان يطفو علي الاجنده العالميه حديث غير الجدل حول البرنامج النووي الايراني، لا سيما ان اسرائيل كانت في غمره جهودها لاقناع العالم بضروره فرض عقوبات مؤثره علي ايران لاجبارها علي وقف برنامجها النووي، فلم يجد وزير الخارجيه الاسرائيلي افيغدور ليبرمان بدا من المثول امام وزراء خارجيه الاتحاد الاوروبي الذين طالبوا اسرائيل بتقديم تفسيرات حول ما جري، دون ان يحصلوا علي مثل هذه التفسيرات.

وقد ادي الضغط الذي مارسته وسائل الاعلام والراي العام في اوروبا –ولو بشكل مؤقت– الي توتير العلاقات مع تل ابيب، فالي جانب تهديد بعض الدول بوقف تعاونها الاستخباري مع اسرائيل، اوعز معظم الدول التي استخدم المشاركون في عمليه التصفيه جوازات سفرها الي سفرائها في تل ابيب بمقاطعه الاحتفالات التي تنظمها الحكومه والكنيست، وهذا ما كان بالفعل.

مثـّل الكشف عن اساليب عمل الموساد بهذا الوضوح مساً بهيبه الموساد ومكانته ليس فقط في العالم، بل في اسرائيل نفسها

"ومثـّل الكشف عن اساليب عمل الموساد بهذا الوضوح مساً بهيبه الموساد ومكانته ليس فقط في العالم، بل في اسرائيل نفسها، حيث زخرت الصحف الاسرائيليه بالرسوم الكاريكاتيريه الساخره من الموساد ومن يقف علي راسه. وان كانت الحكومة الإسرائيلية قد فوضت دغان المسؤوليه عن قياده جهود اسرائيل لاحباط المشروع النووي الايراني، والزمت بقيه الاجهزه الاستخباريه بالتعاون معه، فان الكثيرين في اسرائيل باتوا يتساءلون عن اهليه دغان للقيام بهذه المهمه، وتساءل احد المعلقين الاسرائيليين قائلاً "اذا كان دغان غير قادر علي التخلص من المبحوح بالشكل المطلوب، فكيف يمكن الرهان عليه في مواجهه تهديد اخطر بكثير يتمثل في البرنامج النووي الايراني؟".

وتكتسب دلالات هذه التعليقات اهميه، لا سيما عندما يخرج المزيد من الجنرالات المتقاعدين الاسرائيليين الذين يؤكدون ان اسرائيل غير قادره علي احباط المشروع النووي الايراني، كما ورد علي لسان رئيس هيئه الاركان وقائد سلاح الجو الاسبق دان حالوتس.

ومما لا شك فيه ان استباحه الموساد سياده دوله عربيه "معتدله" مثلت ضربه لما يعرف بـ"محور الاعتدال العربي"، لا سيما ان التصفيه تزامنت مع حضور وزير البنيه التحتيه الاسرائيلي المتطرف عوزي لانداو مؤتمرا للطاقه في ابو ظبي. فقد مثلت عمليه التصفيه دليلاً اخر علي نفاق بعض الانظمه العربيه التي تناصب حركات المقاومه العداء وتتهمها بتهديد امنها القومي، في الوقت الذي تلوذ هذه الانظمه بالصمت الفاضح حيال استباحه سياده دوله عربيه من قبل الموساد.

فشل دول الممانعه وحركات المقاومه في ارساء ميزان ردع يقنع اسرائيل بعدم مواصله عمليات الاغتيال، يمثل اغراءً له بمواصله ذلك

علي الرغم من مظاهر التورط الواضحه في عمليه تصفيه المبحوح، فان الموساد سيواصل تنفيذ عمليات التصفيه، ففشل دول الممانعه وحركات المقاومه في ارساء ميزان ردع يقنع اسرائيل بعدم مواصله عمليات الاغتيال، يمثل اغراءً له بمواصله ذلك. فباستثناء تصفيه الوزير الاسرائيلي رحبعام زئيفي انتقاماً لاغتيال الامين العام للجبهه الشعبيه السابق ابو علي مصطفي، لم تنجح دول الممانعه او حركات المقاومه في الرد علي عمليات الاغتيال التي تنفذها اسرائيل ضد القيادات العربيه والفلسطينيه بعمليات في وزن العمليات التي تنفذها اسرائيل، بحيث يتم لسع وعي صناع القرار في تل ابيب، وزجرهم عن مواصله عمليات الاغتيال.

وفي حال لم يتم قهر الاراده الاسرائيليه ويتم تحطيم الدافعيه لمواصله مثل هذا النوع من العمليات العدائيه، فانه لا يوجد سبب يقنع اسرائيل بوقف استخدام هذا الاسلوب، فكما يقول رئيس الكنيست الاسبق ابراهام بورغ فان اسرائيل لا تفهم الا لغه القوه والقوه فقط.

ان غياب رده فعل عربيه حقيقيه وجاده علي ما جري في دبي وغيرها من المدن العربيه لهو احد مصادر تشجيع الموساد علي مواصله هذا السلوك، فلو كان كانت هناك وقفه عربيه رسميه جاده لكان بالامكان تخيير الدول الاوروبيه التي استخدم الموساد جوازات سفرها بين اتخاذها خطوات عقابيه رادعه ضد اسرائيل وبين عدم اعتراف الدول العربيه بهذه الجوازات.

فمن المؤكد ان الدول الاوروبيه التي تعنيها مصالحها ومصالح رعاياها في الدول العربيه ستسارع لمعاقبه اسرائيل بشكل صارم ورادع، لكن لا يوجد عربي يمكن ان يصل سقف توقعاته الي هذا الحد في ظل كيل المسؤولين الاسرائيليين المديح لعدد من الدول العربيه، لان اجهزتها الامنيه والاستخباريه تحافظ علي درجه كبيره من التعاون مع الموساد تحديداً.

الم تكشف احدي محاولات التصفيه التي نفذها الموساد في السابق ان بعض العواصم العربيه سمحت بوجود مكتب رسمي للموساد، للاسف الشديد ان الكثير من الانظمه العربيه تري في اسرائيل والموساد حليفاً في حربها ضد المقاومه والحركات الاسلاميه، وبالتالي تشارك هذه الانظمه في الحرب علي المقاومه والمقاومين عن طيب خاطر.

ما الذي يدفع نشطاء المقاومه لدخول العواصم العربيه متخفين دون حمايه؟ اليس هو واقع العداء الذي يواجهونه في هذه العواصم؟

"ما الذي يدفع نشطاء المقاومه لدخول العواصم العربيه متخفين دون حمايه؟ اليس هو واقع العداء الذي يواجهونه في هذه العواصم؟ ماذا كان سيحدث لو كشف المقاومون عن هوياتهم عندما يزورون العواصم العربيه؟ لا مجال للخيال للرد علي هذا السؤال، ففي هذه الاثناء هناك عدد من نشطاء المقاومه الفلسطينيه وتحديداً من حركه حماس يتعرضون للتعذيب الشديد في سجون احدي الدول العربيه، الم يلق احد هؤلاء حتفه مؤخراً من شده التعذيب في سجون نفس الدوله؟.

مما لا شك فيه ان التقدم التكنلوجي في دبي اسهم في الكشف عن خلايا الموساد وتعريتها وان كان بعد تنفيذ الجريمه، لكن لا يمكن لمس اثر هذا التقدم في بعض العواصم والمدن العربيه التي تمثل اهدافاً للموساد، وتحديداً في الدول التي تنتمي الي محور "الممانعه"، مما لا شك فيه ان الموساد لن يقدم علي تنفيذ مثل هذه العمليات في مدينه مثل دبي او مدن في مستواها التقني، لكن للاسف لقد نجح الموساد في تنفيذ عمليات تصفيه في بعض العواصم العربيه بوسائل وطرق اكثر بدائيه من تلك التي نفذها في دبي، دون ان تنجح الاجهزه الامنيه في هذه الدوله في الكشف عن خيوط هذه العمليات، عوضاً عن احباطها.

علي الرغم من رده الفعل الاوروبيه الغاضبه علي استخدام منفذي التصفيه جوازات سفر اوروبيه فانه من غير المتوقع ان تتحرك اوروبا بشكل جدي ضد اسرائيل في ظل الموقف العربي الرسمي، واغلب الظن ان الحكومات الاوروبيه ستطوي هذه الصفحه لصالح التعاون الكبير مع اسرائيل واجهزتها الامنيه، فقد سبق الكشف في الماضي عن استخدام عملاء الموساد لجوازات سفر اوروبيه في انشطتهم المختلفه، دون ان يؤثر ذلك علي اصرار الموساد علي استخدام نفس الاسلوب في تحركات عملائه، وهذا يشي بهشاشه جديه التحرك الاوروبي.

وهناك حديث عن ان الموساد قد توصل منذ زمن بعيد الي صفقه مع الاجهزه الاستخباريه البريطانيه يقوم الموساد بموجبها بالتجسس علي الجاليات الاسلاميه في بريطانيا لصالح الاستخبارات البريطانيه، مقابل تقديم الحكومه البريطانيه تسهيلات للموساد للعمل علي الاراضي البريطانيه.