المحتوى الرئيسى

القانوني والإنساني في حرب أوروبا على شبكات تهريب اللاجئين

09/03 16:23

لا ينتظر ان ينتهك الاتحاد الاوروبي "القانون الدولي" بشكل مباشر ليخوض معركته العسكريه المزمعه ضد "عصابات تهريب اللاجئين" علي قوارب الموت عبر مياه البحر الأبيض المتوسط، وقد تستعيض عن ذلك باجراءات اخري.

فمن المؤكد ان الدول الرئيسيه في الاتحاد ستبذل قصاري جهودها لممارسه نفوذها وعلاقاتها مع الدول المعنيه لتمرير قرار في مجلس الامن الدولي يبيح استخدام القوه العسكريه، وان تناقض مع نصوص ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك لانتزاع "موافقه رسميه" ليبيه علي انتهاك المجالات الاقليميه الليبيه، حتي ان كانت موافقه مشبوهه في ظل الظروف الحاليه المعروفه في ليبيا.

المخاوف من تحرك عسكري اوروبي قائمه منذ انعقاد قمه اوروبيه طارئه في ابريل/نيسان الماضي، عقب ماساه غرق ما لا يقل عن سبعمائه لاجئ قرب السواحل الاوروبيه، رفعت عدد الغرقي عام 2015 الجاري الي اكثر من 1750 حسب تقديرات المفوضيه العامه لشؤون اللاجئين.

وقد تسارعت التصريحات الرسميه الاوروبيه ذات الصبغه الانسانيه انذاك، ولكن القمه الطارئه التي خصصت للتعامل مع ماسي اللاجئين عبر مياه البحر الابيض المتوسط خيبت الامال، اذ كانت حصيلتها واضحه من حيث التركيز علي مكافحه عصابات التهريب علي زوارق تتعرض للغرق، اكثر بما لا يقاس من التركيز علي الجانب الانساني بشان استقبال اللاجئين وتوزيعهم في الدول الأوروبية.

هذا فضلا عن عدم تلبيه المطالب الصادره عن منظمات حقوق الانسان ببذل جهود سياسيه واقتصاديه اكبر لمكافحه اسباب التشريد عن الاوطان الاصليه، مع تعليل تلك المطالب بان السياسات الاوروبيه نفسها تحمل قسطا من المسؤوليه عما يسود في بلدان "المصدر" من ازمات سياسيه وامنيه واقتصاديه، كما ان سياسه بناء الاسوار حول الاتحاد الاوروبي منذ "اتفاقيه ماستريخت" عقب الحرب البارده، ساهمت في تفاقم مشكلات اللاجئين الماساويه علي الابواب الاوروبيه.

القمه الطارئه اوعزت لمفوضه الشؤون الخارجيه موغيريني باعداد خطه لمكافحه عصابات التهريب، وتزامن ذلك مع تحرك المفوضية الأوروبية لصياغه مخطط اعلنه رئيسها يونكر مؤخرا، ويتضمن العمل علي ايجاد توازن في توزيع اللاجئين علي البلدان الأوروبية، باعتماد مفتاح يراعي عددا من العوامل المتعلقه بالقدره علي الاستيعاب اقتصاديا كما يراعي عدد السكان ونسبه اللاجئين حاليا في كل بلد.

دول اوروبيه عديده عارضت هذا المخطط قبل عرضه علي القمه الاوروبيه الدوريه القادمه، علما بان التعامل مع اللاجئين لا يخضع للاجهزه الاوروبيه المركزيه بل بقي من صلاحيات الحكومات الوطنيه.

ولكن هذا الرفض الاستباقي للمخطط تزامن مع الموافقه السريعه علي خطه موغيريني في مؤتمر ضم وزراء الخارجيه والدفاع الاوروبيين، فتقرر استخدام القوه العسكريه لتدمير القوارب والسفن "المشبوهه" بتهمه التهريب في المياه الدولية وداخل المياه الاقليمية الليبيه، علاوه علي تدمير قواعد انطلاقها علي الارض الليبيه ايضا، ويراد ان يكون المقر الرئيسي لتوجيه العملية العسكرية باسم "نافور ميد" في روما بقياده الادميرال الايطالي اينريكو كريدندينو.

وفور الاعلان عن العمليه المزمعه، انطلقت الانتقادات الشديده لها، ولم تقتصر علي المنظمات غير الحكوميه، بل شملت العديد من المسؤولين السياسيين، بمن فيهم بعض من ينتمون الي احزاب حكوميه اوروبيه، وتتناول الانتقادات جدوي العمليه نفسها، علاوه علي العقبات التي تعترضها بمعايير القانون الدولي.

وكان واضحا ان وزراء الخارجيه والدفاع انفسهم غير مطمئنين الي جدوي العمليه، وظهر ذلك في تعقيب وزير الخارجيه الالماني شتاينماير علي القرار بقوله "نعلم ان هذه العمليه لا تحل مشكله اللاجئين باي شكل من الاشكال، ولكن لا بد للاتحاد الاوروبي من التعامل مع عصابات التهريب الاجراميه".

واشار هو ووزيره الدفاع الالمانيه فون دير لايين الي العقبات القانونيه الدوليه التي لا بد من تجاوزها لتنفيذ العمليه، بينما مضي اخرون -كوزير التنميه الالماني مولر- الي التاكيد ان تدمير الجنود الاوروبيين للسفن المشبوهه في ليبيا عمليه بالغه الصعوبه، ولا يكاد يمكن تطبيقها، وان الافضل التعامل بالطرق الامنيه والاستخباراتيه مع عصابات التهريب، الي جانب بذل جهود اكبر لتامين الاوضاع السياسيه والاقتصاديه في مواطن الهجره واللجوء.

وتشير انتقادات عديده الي ان استهداف ليبيا لا يحل المشكله اصلا، وان بلغت نسبه ما ينطلق منها حاليا حوالي 80% مما يوصف بقوارب الموت، اذ لا يمكن استهداف جميع المواقع المعنيه في المياه التركيه واليونانيه واللبنانيه وغيرها، وبالتالي يمكن للمهربين التحول للتركيز عليها مجددا، هذا علاوه علي ان غرق العديد من السفن والقوارب لم يوقف عمليات التهريب، ولا يبدو ان اغراقها بقوه السلاح بدلا من غرقها بقوه امواج البحر سيغير المعادله.

تشمل الخطه المقرره ثلاث مراحل، ومن المنتظر الشروع في اولاها فورا، لعدم وجود عقبات تعترضها، اذ تقتصر علي عمليات مراقبه لتقدير حجم المشكله تقديرا موضوعيا، اعتمادا علي الاقمار الصناعيه وطائرات دون طيار ووسائل اخري، بينما يراد في المرحله الثانيه الاستهداف العسكري للسفن والقوارب المعنيه في المياه الدوليه، وهذا ما يتطلب الحصول علي تفويض من مجلس الامن الدولي عبر قرار يشير الي الفصل السابع من ميثاق الامم المتحده، ولكن استخدام القوه العسكريه مشروط نصا بحاله تهديد الامن الدولي بصوره مباشره، ولا يوجد في وصول اللاجئين الي اراضي الاتحاد الاوروبي ما يهدد امن دوله الي درجه تبيح "الحرب".

اما الحجه القائله ان تهديد المهربين لحياه اللاجئين انفسهم هي صيغه من صيغ "تهديد الامن" وفق القانون الدولي، فحجه واهيه، لا سيما ان المعترضين علي الخطه العسكريه -مثل النائبه الاوروبيه من الخضر بربارا لوخبيلر- يشيرون الي وجود وسائل غير الوسيله العسكريه لوقف استغلال معاناه اللاجئين من جانب عصابات التهريب، ومنها اتخاذ اجراءات قانونيه اخري من قبيل اصدار "تاشيره سفر انسانيه"، فهذه صوره من صور تنفيذ الدول الاوروبيه التزاماتها الدوليه بشان "حق اللجوء" وهو الحق المكفول بموجب القانون الدولي، ويعتبر تنفيذه من الواجبات المعممه علي سائر الدول، وهذا ما يسري عموما علي ايجاد "طرق امنه ومشروعه" للجوء، كيلا يصبح اللاجئون فريسه استغلال المهربين.

وتبقي العقبه الكبري في مجلس الامن الدولي ماثله امام الاوروبيين في الاعتراض الروسي المتوقع، وكانت فرنسا قد اخفقت في محاوله الحصول علي موافقه موسكو مسبقا، ورغم ذلك اعلن رئيسها هولاند العزم علي التقدم بمشروع قرار للمجلس، بينما اعربت مفوضه الشؤون الخارجيه الاوروبيه موغيريني عن "تفاؤلها" بالحصول علي الموافقه الدوليه خلال فتره وجيزه.

وسبق ان عارضت موسكو قرارات تذكر التهديد باستخدام القوه بموجب الفصل السابع، وعللت ذلك بان حلف شمال الاطلسي اساء استخدام قرار دولي من هذا القبيل للتدخل العسكري في ليبيا ابان الثوره، ويصعب ان تقبل الان بالقرار المطلوب اوروبيا مع استهداف المياه والاجواء والاراضي الليبيه بالذات، لا سيما ان بعض الدول الاوروبيه تلوح بين الحين والاخر بضروره تدخل عسكري لاسباب اخري تتعلق بالصدامات الداخليه في ليبيا.

لا بد في المرحله الثالثه من الخطه الاوروبيه من الحصول علي الموافقه الرسميه الليبيه باعتبار العمليات العسكرية ستشمل مياهها واجواءها واراضيها، وهنا لا يقتصر الامر علي "صب الزيت علي النار" علي خلفيه النزاعات الجاريه، انما يبقي السؤال مفتوحا ايضا بشان الجهه الرسميه المخوله باعطاء تلك الموافقه.

ورغم وصف "حكومه طبرق" بانها هي المعترف بها دوليا، فان الدول الاوروبيه تدرك منذ انطلاق المساعي الامميه لحل الصراع القائم، ان اعتماد موافقتها "المرجوه" امر تشوبه الشبهات، سواء من حيث مشروعيته القانونيه او من حيث تاثيره السلبي الكبير علي مجري عمليه احلال السلام المتعثره علي كل حال.

وقد سارع حاتم العريبي مندوب حكومه طبرق في نيويورك الي اعلان الرفض القاطع لانتهاك السياده الليبيه عبر العمليه العسكريه الاوروبيه المزمعه، ولكن لا يبدو ان الدوائر الرسميه الاوروبيه تعتبر هذا الموقف نهائيا، وقد تعول علي تغييره عبر الاتصالات الحاليه، او المحتمله اذا ما انتهي وضع الانقسام السائد الان.

انما يعترض العديد من اعضاء المجلس النيابي الاوروبي علي استهداف الزوارق والسفن في المياه الاقليميه وعلي السواحل الليبيه من حيث الاساس، لعدم امكانيه التمييز المطلوب عسكريا بين ما يستخدم من القوارب للتهريب وما يستخدم للصيد، ناهيك عن تعريض اللاجئين انفسهم للخطر كما تقول بيرجيت سيبل، النائبه في برلين من حزب الديمقراطيين الاشتراكيين، المشارك في ائتلاف حكومه ميركل.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل