المحتوى الرئيسى

ناشط يسارى:"طلعت ريحتكم" أشعلت "الطائفية" بلبنان

09/03 12:26

جاءت ازمه النفايات الاخيره،  تحت عنوان "طلعت ريحتكم "،والتي حولّت لبنان الاخضر برمّته الي مزبله سوداء ضخمه، والتي نشبت بسبب تنافُس قاده الطوائف علي "تناتش" ملايين الدولارات التي تدرّها هذه "الصناعه، لتكشف المدي المُذهل الذي يمكن ان يذهب اليه هؤلاء القاده في عدم مبالاتهم بارواح الناس ومصالحهم.

وازمه النفايات اضيفت الي سلسله ازمات فساد اوْقَعت لبنان بين براثن دِين قومي، تَجاوز الان عتبه السبعين مليار دولار، وحرمته نعمه الكهرباء (لا يزال التقنين الكهربائي الحاد مستمر منذ 30 سنه، علي رغم انفاق 12 مليار دولار علي الشبكه)، والماء (علي رغم غِني لبنان بموارده الماليه)، وتاكل البني التحتيه، وفوضي البناء والاملاك البحريه، واتِّساع الفجوه بين النّخبه الغنيه (الحاكمه) وبين طبقات متوسِّطه تكاد تختفي من الوجود.

ثم بعدها، جاء الاكتشاف الثاني: غالبيه كبيره من اللبنانيين لم تعُد تُتابِع الاخبار السياسيه، الا لماماً، علي رغم تسييسها الشديد، وهي اتّجهت باعداد لا سابق لها الي صيْد الطيور او مُطارده ما تبقي من حفنه اسماك في البحر المتوسط او التسبب في حوادث سير، ضربت ارقاماً قياسيه.

هذه الحاله معروفه في عِلم النفس الفردي والاجتماعي باسم "حاله الانكار"(State of denial).

 وقد عرّفها سيغموند فرويد بانها "ميكانيزم دفاعي" يقوم بموجبه الفرد الذي يواجه حقيقه مؤلمه بانكار وجودها، علي رغم الادله الكاسحه التي تؤكّدها.

وهذا يمكن ان يتخذ شكلين: اما النفْي البسيط للحقيقه غيْر الساره برمّتها، او النفي التقليصي الذي يعترف بوجود الحقيقه، لكنه ينفي خطورتها.

اللبنانيون كانوا يعيشون هذه الايام هذيْن الشكليْن معاً. فهل تشكِّل حركات الاحتجاج الشعبيه الاخيره، والتي وصلت الي ذِروتها يوم السبت الماضي، حين نزل الي وسط بيروت ما بين 100 و150 الف متظاهِر، بدايه كسْر الحلَقه المُفرَغه من الاحباط والياس التي تغشاهم؟

ناشط يساري مُخضرم، شارك طيله 40 سنه ونيف في كل الجهود لاسقاط او تعديل وتطوير النظام السياسي الطائفي اللبناني، رّد علي هذا السؤال بالقول: ربما، ولكن؟

فبالنسبه اليه، التحرُّك الشعبي الاخير يَـشي بالفعل بان قِسماً كبيراً من اللّبنانيين، علي مختلف طوائفهم ومشاربهم ومذاهبهم (18 طائفه مسيحيه واسلاميه في لبنان)، يبدو مستعداً للمره الاولي لتغليب ما هو مطلبي واجتماعي واقتصادي، علي ما هو مذهبي او طائفي. صحيح ان مثل هذا الميْل لا يعكس بالضروره مشاعِر وطنيه حقيقيه (الهويه الوطنيه اللبنانيه هشّه للغايه)، الا انه يمكن ان يسير في هذا الاتجاه، اذا ما نجحت قياده التحرّك في تحقيق مطالب مُشترَكه بين الطوائف، من حلّ مساله الكارثه البيئيه للنفايات الي اجبار النظام علي معالجه ازمات المياه والكهرباء، مروراً بوقف افلات المسؤولين الفاسدين من المساءله القانونيه.

بيْد ان الناشط اليساري يُضيف، ان قاده هذا التحرّك واهِمون اذا ما هُم اعتقدوا ان مهمّتهم، حتي ولو انحصرت في اطار مطالِب محدوده، ستمرّ من دون ردٍّ عنيف وحازِم من النظام الطائفي.

فهذا النظام، الذي يتحالف فيه امَراء الطوائف سِرّاً لتقاسم ما كان يسمّيه الرئيس الراحل ورجل الدوله فؤاد شهاب "جبنه الثروه والسلطه"، سيتحرّكون بسرعه حتْماً لاجهاض هذه الانتفاضه الشعبيه. كيف؟ ببساطه عبْر اختراقها طائفياً، ثم تدميرها من الداخل.

ويعيد الناشط الي الاذهان ما حدث العام الماضي، حين تظاهَر الاف الشباب اللّاطائفي رافعين شعار الربيع العربي: "نريد اسقاط النظام" (الطائفي)، فاذا بهم في اليوم التالي، يجدون جحافل طائفيه سُنّيه وشيعيه ودُرزيه ومارُونيه تتقدّم الصفوف وتطرح نفسها علي انها البديل الوحيد للنظام".

كما يعيد الي الاذهان الشهاده الخطيره التي ادلي بها رئيس حزب الكتائب المسيحي اللبناني كريم بقرادوني، في كتاب "الوطن الصعب والدوله المستحيله"، والتي قال فيها ان الزعيم المسيحي الراحل بيار الجمَيِّـل "قرّر اشعال الحرب الاهليه الطائفيه، حين راي الشبّان المسيحيين ينضمّون الي الشبّان المسلمين في تحرُّك مُشترك للمطالبه بتطوير النظام".

ما يقوله هذا الناشط صحيح ودقيق، خاصه حين نضع في الاعتبار ان النظام الطائفي في لبنان يُعتبَر بلا منازع، النظام السياسي الاقوي في العالم. وهذا ليس لانه، كما الدول الاخري، يستنِد الي سَطوَه الجيش والاجهزه الامنيه والاجهزه البيروقراطيه الاخري (فالدوله في لبنان اصلاً ضعيفه وحتي فاشله)، بل الي تغلغله في صفوف المجتمع المدني، وفي تحويله هذا المجتمع الي قطعان طائفيه متعصِّبه ضد بعضها البعض. وهو (النظام) يحْرص كل الحِرص الي منْع بروز مؤسسات وطنيه عامه، يمكنها ان تهدد المؤسسات الطائفيه، من الجامعات والمدارس واجهزه الاعلام وحتي للمصارف، الي الاحوال الشخصيه والمحاصصات السياسيه الطائفيه في السلطه.

لكل هذه الاسباب مُجتمعه، تبدو عمليه التغيير او التطوير في لبنان، مهمّه شاقه وصعبه. وما لم يضع الشبّان المخلصون، الذين ينزلون الان بحماسه الي الشوارع مطالِبين بمحاسبه ومساءله الطبقه السياسيه الحاكمه، هذه الحقيقه بعيْن الاعتبار، ويدركوا بالتالي، المقدره الهائله التي يمتلكها "عدوّهم"، ليَـبْنوا خططهم وبرامجهم علي اساسها، فلن يفعلوا شيئاً، سوي تِكرار ما كان يفعله اباؤهم: الحراثه في البحر الطائفي.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل