فورين بوليسي: في بيروت يصعب إخفاء القمامة

فورين بوليسي: ايمكن لازمه النفايات ببيروت ان تكون مفتاح حل الأزمة السورية؟

فورين بوليسي – كيم غطاس – ترجمه: محمد الصباغ

ما العامل المشترك بين امتلاء الشوارع اللبنانيه بالنفايات والحرب السوريه؟ انها المنافسه الجيوسياسيه بين ايران والسعوديه. لا امزح: عندما نجد حلا للمشكله الاولي، سنجد ما يكفي لبدء حوار لحل الثانيه.

لقد بدات رائحه العالم العربى كله تفوح. لا تفهموني بشكل خاطيء، احب المنطقه بكل اخطائها، وجمالها وتنوعها وجنونها لكن القمامه تملا الشوارع، وبدات تتعفن. من السعوديه الي مصر، الطريقه الشائعه للتعامل مع النفايات الصلبه، ومنها مخلفات صناعيه، هو بتفريغها في مكبات النفايات او في الصحراء. وعانت مدن مثل القاهره طويلاً في التعامل مع النفايات، بوجود ”مدن القمامه“ الناشئه في العشوائيات، والتي تملا بحوالي 15 الف طن نفايات يومياً بواسطه سكان المدينه الكبيره.

اما في لبنان الصغير، فمن الصعب اخفاء قمامتك. والان، ازمه النفايات هي مصدر رائحه كريهه بسبب الشلل السياسي، وتهدد بالتحول الي اضطرابات علي نطاق اوسع.

اقتحم الثلاثاء نشطاء تابعون لمظاهرات حركه مدنيه وزاره البيئه مطالبين باستقاله الوزير محمد المشنوق. ذلك بعد اكثر من شهر من ازمه كانت فيها القمامه متراكمه في شوارع العاصمه ويتم حرقها ودفنها بعشوائيه، وكانت مبادره الوزير الوحيده الواضحه هي باخراج نفسه من لجنه مجلس الوزراء التي تبحث عن حل للازمه.

شعار المظاهرات هو ”طلعت ريحتكم“ ورساله المواطنين الغاضبين هنا متسقه تماما مع وضع ساسه البلاد الذين فشلوا في ايصال الخدمات العامه بدايه من جمع القمامه الي المياه والكهرباء. وكانوا يلقون بفشلهم علي الاحداث الاقليميه.

تخيم الحرب الدائره في سوريا علي جارتها لبنان بشكل كبير منذ 2011، وتشل حركه الدوله نحو اتخاذ قرارات سياسيه. ويسود الصراع بين السعوديه وايران  كل الاراء السياسيه في بيروت: فنجد جماعه حزب الله الشيعيه المواليه لايران تحارب بجوار قوات الرئيس السوري بشار الاسد، بينما التحالف الذي يضم اغلبيه سنيه وسياسيين مسيحيين معارضين للاسد يصطفون بجانب المملكة السعودية او الغرب. ونتيجه لذلك فان لكل حزب او سياسي نصيب في تحديد الطريقه التي ستنتهي بها الحرب السوريه. لكن حزب الله وبفضل توسع معاركه الاقليميه الجديده من سوريا الي المشاركه المزعومه في اليمن، اصبح الطرف الاقوي (حتي من الجيش) ويمنع اي تقدم ويضيق علي مؤسسات الدوله اللبنانيه واصبحت البلاد في وضع الانتظار.

اصبح لبنان بدون رئيس منذ ابريل 2014 عقب نهايه ولايه الرئيس السابق، والفشل العجيب خلال 26 محاوله من البرلمان لانتخاب بديل للرئيس (رغم ان نفس البرلمان قام بكل سهوله بتمديد فتره ولايته الخاصه). لا تريد كل من السعوديه وايران تسليم الدوله الاخري عرش بيروت قبل اعلان الطرف المنتصر في دمشق. وبالطبع ليس لبنان الدوله التي يوجد بها حزب او سياسي لديه فكره ذكيه لتجاهل التدخلات الخارجيه وايجاد حل عملي جماعي.

تعيش الدوله في حاله تخبط وتؤجل جميع القرارات التي لا ترتبط بشيء شديد الخطوره. لكن مع البرلمان ومجلس الوزراء المفتقدين للقوه، ستتداعي المؤسسات العامه، مع تاجيل تعيينات موظفي الخدمه المدنيه والعسكريين الجدد.

ووصلت درجه التهرب من المسؤوليه من جانب السياسيين اللبنانيين، التي يحفزها الصراع السعودي الايراني في سوريا، الي ان تتراكم النفايات في شوارع بيروت. وبدا الامر حينما اغلق مكب النفايات الوحيد في البلاد في يوليو. بدا مكب نفايات “النعامه” كحل مؤقت عام 1998 وبحلول يوليو كان يحوي 13 مليون طن اكثر من قدره استيعابه. ومع عدم وجود اي مكان اخر للذهاب اليه بالقمامه، ترك جامعو النفايات القمامه لتتعفن في الشارع. وتزامن ذلك مع قرب انتهاء تعاقد شركه النفايات، بعد التجديد لمرات كثيره لعدم وجود اي عرض اخر منافس. وبطريقه ما، لم ير اي شخص في مجلس الوزراء ما كان قادماً.

لماذا يجب ان تهتم بالنفايات اللبنانيه؟ ليست فقط بسبب تشويهها للرحلات الصيفيه التي تتوجه الي هناك، بل لانها تهدد استقرار احد الدول القليله الباقيه في المنطقه التي تشهد نوعا من الاستقرار ومجتمعا مدنيا نشطا. (كتبت بالفعل عن اهميه الحفاظ علي نموذج لبنان المعتدل لمستقبل الشرق الاوسط.)

لكن في دوله فيها 18 طائفه ممثله في الحكومه، حيث القوه مقسمه بين المسيحيين والمسلمين، حتي القمامه اصبحت طائفيه. السكان غاضبون بسبب الرائحه في الجوار وقاموا بتاجير مقطورات خاصه بسائقيها لنقل القمامه خلال الليل الي مكان اخر. فنجد ان قمامه المسيحيين من الاحياء الفاخره في الاشرفيه ينتهي بها الامر الي منطقه عكار في شمال لبنان ذات الاغلبيه السنيه، وذلك بالطبع يهدد بتفاقم التوترات الطائفيه المتواجده اصلاً.

يقول انطوني حداد، الامين العام لحركه التجدد الديمقراطي ”ادي ذلك الي نقاشات في المجتمع حول من هم “سله النفايات” ومن هم منتجو النفايات (الاغنياء)“.

عندما بنيت محارق النفايات منذ سنوات، كان صناع القرار حريصين علي ضمان وجود واحده في المناطق المسيحيه،  والاخري في مناطق المسلمين. لم يرد احد ان يشير الي جماعه محدده بان مكان اقامتها هو حيث يتم تفريغ النفايات، لذا تم توزيع “العار” بشكل متساو.

بالطبع، يلعب كل من الفساد والسياسه دوراً واضحاً في طريقه اداره نفايات لبنان. يقع مكب النفايات في مكان يهيمن عليه احد السياسيين، وهو القائد الدرزي وليد جنبلاط، بينما شركه جمع القمامه ذات الارباح الكبيره (سوكلين) كانت قد مُنحت عقد النظافه اثناء رئاسه وزراء رفيق الحريري، الذي اغتيل عام 2005 وكان نجله رئيساً للوزراء مؤخراً. اما حزب الله، العضو في رئاسه الوزراء، فقد غض البصر عن التجديد المتتالي دون عروض او مناقصات تنافسيه، رغم التكلفه العاليه لخدمات شركه سوكلين بالمقارنه بالخدمه في اي مكان اخر.

يقول الناشط البيئي بول ابي راشد واحد اعضاء حمله ”طلعت ريحتكم“: ”كان لغياب جامعي القمامه ليوم واحد تاثير في حياتنا اكثر من غياب السياسيين لعام كامل“.

دائماً يحب اللبنانيون القاء اللوم علي القوي الخارجيه فيما يتعلق بالفوضي في بلادهم. لكن لو نظرت الي تاريخ التدخل، والغزو، والاحتلال بواسطه الدول القريبه والبعيده، لن تجد للعبه  اللوم تلك  ما يبررها.

ربما لمره واحده، يجب تشجيع اللبنانيين علي دعوه التدخل الخارجي. لن يسلب ذلك شيئاً من مظاهرات المجتمع المدني القويه في الشارع. يعبر المتظاهرون شديدي التنوع وغير الطائفيين ولا المسيسين عن مزيج من الغضب والياس بين الناس المدفوعين الي الهاويه ليتذكروا ما قامت بسببه انتفاضات الربيع العربي: حياه افضل، وخدمات اساسيه، وانهاء للفساد. لكن الحقيقه هو ان كل المظاهرات علي الارجح ربما تستطيع ايقاظ القاده في المنطقه ولفت انتباههم الي الحاجه الملحه للضغط علي الحلفاء المحليين من اجل الوصول لعمل جماعي سوياً.

كانت هناك سلسله من النشاط الدبلوماسي في الشرق الاوسط خلال الاسابيع القليله الاخيره. فزار وزير الخارجيه السعودي، عادل الجبير، موسكو، كما ظهر وزير الخارجيه السوري وليد المعلم في عُمان، ووصل وزير خارجيه ايران جواد ظريف الي العاصمه بيروت. يرتبط الكثير من هذه الزيارات الدبلوماسيه بالازمه السوريه وطريقه حلها، لكن لا يبدو ان اي منهم علي استعداد للتنازل عن اي شئ الي الان – وخصوصاً حول مصير الاسد، الذي اصبح نقطه محوريه في المحادثات بين ايران والسعوديه.