المحتوى الرئيسى

قراءة أخرى للأزمة في ليبيا

09/02 11:17

ليبيا في الاعلام العربي غيرها علي ارض الواقع، حتي يبدو كان الاول بلد مختلف عن الثاني. هذه محاوله لقراءه الحاله الليبيه من خارج الصورة النمطية.

هي في الاعلام ساحه يتمدد فيها الارهاب ويتوحش بدرجه اصبحت تقلق الجيران وتهدد الأمن القومي المصري، ولكن الجيش الوطني يحاول جاهدا وقف ذلك التمدد وافشال مخططاته، الا ان جهوده لا تزال قاصره لانه بحاجه الي سلاح يؤدي به واجبه ويده مغلوله في ذلك بسب الحظر الدولي.

تلك هي الصوره النمطيه الرائجه في وسائل الاعلام العربيه عاليه الصوت التي تعبر عن عواصم الاقليم ذات الصله بالوضع الليبي. احدث ما وقعت عليه في هذا الصدد خبر ابرزته جريده الوطن المصريه علي صفحتها الاولي في (22/8)، حيث ذكر ما يلي:

عقد داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) اجتماعا في نهاية الأسبوع الماضي حضره ممثلون عن جهاز مخابرات اجنبي باحدي المناطق الحدوديه الليبيه، واشترك فيه ثلاثون عنصرا من الجانبين، واتفق الجانبان علي وضع مخطط جديد للنيل من الامن القومي المصري عبر تحرك داعش تجاه الحدود مع مصر، واقامه معسكرات تدريبيه لاعداد عناصر مسلحه لخلق توترات علي الحدود المصريه، وقد تعهد جهاز المخابرات (المشارك) بتوفير احدث الاسلحه والمعدات والاتصالات اللازمه لتنفيذ ذلك.

موقف الاعلام العربي عاكس لمواقف دوله الشريكه في الصراع الدائر علي الارض، اذ لم يعد سرا ان مصر والامارات تساندان عمليه الكرامه في الشرق، بينما قطر وتركيا تساندان فجر ليبيا في الغرب، كما بات معلوما ورائجا ان جماعه الكرامه المتمركزه في طبرق القريبه من الحدود المصريه تري خصومها المتحصنين في طرابلس ارهابيين.

اما جماعه فجر ليبيا فانها تصنف مجموعه الكرامه علي انها تمثل الثوره المضاده، التي تسعي لاجهاض ثوره فبراير التي اطاحت بالرئيس السابق معمر القذافي، وكل منهما يطعن في شرعيه الاخر، ويري نفسه ممثلا للشعب الليبي. وهذه معلومات صحيحه لكنها منقوصه، وان شئت فقل ان تلك قراءه تختزل المشهد وتتعامل معه بتبسيط شديد ومخل، لانه مسكون بقدر هائل من التفاصيل، التي منها ما يلي:

- ان تنظيم داعش لا يمثل خطرا علي ليبيا، وابعد من ذلك بكثير ان يهدد امن مصر، كما يقول الصحفي الليبي هشام الشلوي. هو مشكله في ليبيا، صحيح، لكن يصعب تصنيفه خطرا، اذ للتنظيم وجوده في درنه التي تبعد عن مقر البرلمان في طبرق مسافه 175 كيلومترا، مع ذلك فان عناصر المقاومه الشعبيه طردتهم من هناك في ساعات محدوده، واصبح لهم وجود في بؤره محدوده علي بعد اربعين كيلومترا منها.

لهم ايضا بؤره ثانيه في بنغازي، حيث انضم اليهم بعض اعضاء جماعه انصار الشريعه، وهذه تبعد 1200 كيلومتر عن مقر السلطه في طرابلس، ولهم بؤره ثالثه او قاعده في سرت التي تمددوا فيها مؤخرا بعد اشتباكات بولغ في حجمها كثيرا، في حين ان الذين قتلوا فيها لم يتجاوزوا ثلاثين شخصا. لكن هذه المدينه التي كانت اثيره لدي القذافي، تبعد مسافه اربعمئه كيلومتر عن طرابلس. وهي خلفيه تسوغ لنا ان نقول ان وجودهم الذي لا يتجاوز المئات لا يهدد معاقل السلطه.

- ان داعش لا تحارب وحدها بليبيا، ولكنها مؤيده من عناصر النظام السابق ومن قبيله القذاذفه التي ينتمي اليها معمر القذافي. ولا ينسي في هذه الصوره ان احمد قذاف الدم، منسق العلاقات الخارجيه في عهده، امتدح داعش في حوار بثته احدي القنوات الخاصه المصريه يوم 17 يناير/كانون الثاني الماضي، وقال انهم لم يجدوا احدا يدافع عن كرامه الامه فلجؤوا الي الهروب الي الله. ونشر كلامه بصحيفه القدس العربي اللندنيه الصادره في 18 يناير/كانون الثاني الماضي تحت عنوان نسب الي احمد قذاف الدم قوله: انا مع داعش وهم شباب انقياء.

- ان ما يوصف بالجيش الوطني الليبي وجوده في وسائل الاعلام اكبر منه علي الارض، ذلك ان القذافي كان قد الغي الجيش وحوّله الي مجموعه من الكتائب التي وزعها علي اولاده، والعنوان الذي يجري تسويقه الان ينصرف الي مجموعه من العسكريين الذين يلتفون حول اللواء خليفه حفتر لاسباب قبليه او علاقات ومصالح خاصه، ومعهم بعض المليشيات المحليه التي لها مصالحها المشروعه وغير المشروعه.

وهؤلاء لم يحققوا انجازا عسكريا يذكر علي الارض طوال 18 شهرا، لا في بنغازي التي هي في المنطقه الشرقيه ولا في المنطقه الغربيه، ولولا الدعم العسكري الخارجي والدعايه الاعلاميه التي تقوم بها المنابر المواليه لهم لاندثر الجيش منذ شهور.

هناك اعتبار مهم يتعذر تجاهله في هذا السياق، وهو ان قياده اللواء حفتر "للجيش" محل خلاف بين العسكريين، وقد ظهر هذا الخلاف علي السطح بعدما قرر حفتر نقل مقر مدرسه الصاعقه التي تخرج القوات الخاصه من مكانها في بنغازي الي مدينه المرج الواقعه في الشرق من بنغازي، والتي تعد معقلا لمجموعه الكرامه، لكي يضمن ولاء خريجيها له.

العامل الاكثر اهميه وحسما في المشهد الليبي ان الخريطه السياسيه طرا عليها تغيير بمضي الوقت، فلم تعد الصوره مقصوره علي جبهه في الشرق علي راسها اللواء حفتر وخاضعه لنفوذ مجموعه الكرامه ومجلس النواب وحكومه عبد الله الثني، واخري في الغرب خاضعه لنفوذ فجر ليبيا والمؤتمر الوطني وحكومه خليفه الغويل. ذلك ان الحوارات التي تمت في الاشهر الاخيره، خاصه التي جرت في الصخيرات بالمغرب، افرزت وضعا جديدا غيّر معالم الاستقطاب القائم.

وعلي حد تعبير احد وثيقي الصله بالمشهد، فان التباين والانقسام ازاء الحلول السياسيه او الحسم العسكري شملا الجميع، بحيث لم يعد هناك مكون سياسي او بلدي او اجتماعي في الشرق والغرب الا وانقسم اعضاؤه وتوزعوا علي معسكرين: احدهما يؤيد الاتفاق السياسي ويحبذ الوفاق الوطني، ويري ان ذلك هو المخرج الوحيد للازمه، والثاني لا يحدد بديلا عن الحسم العسكري لاستئصال الارهاب في جانب وما يراه ثوره في الجانب الاخر.

في هذا الصدد، ذكر الباحث الليبي اسماعيل القريتلي انه في المنطقه الغربيه اتضح تاثير حوار الصخيرات علي خارطه التحالفات الجهويه والسياسيه، فنشا تيار يقوده اعيان ورجال اعمال وقاده سياسيون من مصراته، وكان محسوبا علي النظام السابق في بدايه الثوره، ولكنه شارك في دعمها بحيث اصبح له تاثير علي تشكيلات عسكريه كبري في المدينه.

هذا التيار استطاع ان يعيد علاقه مصراته مع المناطق التي تناهضها مجموعات في فجر ليبيا، فعقد ممثلوه مصالحات ولقاءات في ورشفانه والزنتان ومناطق اخري في باطن الجبل، ودعم العديد من محاولات الصلح بين ورشفانه والزواليه ومناطق عده في الجنوب الغربي.

هذا التيار عارض التوقيع علي مشروع الحل الذي قدمه المبعوث الدولي برناردينو ليون في مواجهه تيار اخر في المؤتمر الوطني ايده. وذلك لا يختلف كثيرا عن الحاصل في معسكر الكرامه المقابل، حيث الانقسام ظاهر في مجلس النواب بطبرق.

وبالاطلاع علي ما يدونه بعض اعضائه يتضح ان هناك اعاده تشكيل في تحالفاتهم، فهناك انقسام داخل الكتله المؤيده لتحالف القوى الوطنية، وخلاف واضح بين وفد الحوار (الذي شارك في مؤتمر الصخيرات) ولجنه المستشارين التي تم حلها من قبل رئيس مجلس النواب الذي ايد فكره التوقيع علي مشروع المبعوث الدولي.

علي صعيد اخر، فان الفيدراليين في مجلس النواب (الذين يدعون الي حكم ذاتي في برقه) يحاولون اعاده تنظيم صفوفهم، ويسعون لطرح رؤيه يصل التصعيد فيها الي حد تشكيل حكومه لاقليم برقه، واعاده ترتيب موارده وقواته العسكريه والامنيه.

التباين الاخطر والاقوي تاثيرا حاصل في مواقف الخارج وليس الداخل؛ ذلك ان دول الاقليم المحيطه منقسمه بدورها بين طرف يدعو الي الحل السياسي الذي تشترك فيه كل الاطراف تقوده قطر وتركيا ومعهما الجزائر والمغرب والسودان، ودول اخري تنحاز الي طرف واحد يتمثل في معسكر الكرامه الذي يقوده اللواء حفتر وتقوده مصر والامارات. وكل طرف يستخدم اوراق الضغط الدبلوماسي وغير الدبلوماسي لتعزيز موقفه، فالطرف الاول يري التوافق الوطني المتكافئ هو الحل، والاخر يشدد علي ان مكافحه الارهاب تمثل اولويه قصوي.

خبراء الشان الليبي الذين تحدثت اليهم يلفتون النظر في هذا السياق الي الملاحظات التاليه:

- ان حاله التفكك الحاصله في البلاد لم تمكن تنظيم داعش من التمدد علي الارض فحسب، ولكنها اتاحت الفرصه لانصار النظام السابق لكي يرفعوا اصواتهم في عده مناطق (طبرق وبنغازي في مقدمتها) مطالبين باطلاق سراح نجل القذافي سيف الاسلام وتمكينه من حكم ليبيا، كما طالبوا باطلاق سراح رموز نظام القذافي الذين يحاكمون في غرب ليبيا بدعوي انهم من الشخصيات الوطنيه، ولم تقابل تلك الدعوات باي اعتراض.

- ان الصراع السياسي يستاثر بالاهتمام الذي صرف الانتباه الي العنف العرقي الحاصل في منطقه الكُفره، او الخلاف الحاصل بين شيوخ قبائل المنطقه الشرقيه حول مناطق نفوذها، او الوقيعه بين الشرق والغرب والادعاء بان بعض سكان الغرب من اصول تركيه وليسوا مواطنين اصلاء.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل