المحتوى الرئيسى

كيف كانت بريطانيا تعتزم غزو الفضاء بصاروخ نازي؟ - BBC Arabic

09/02 04:13

خلال السنوات التي اعقبت الحرب العالميه الثانيه، كان يفترض ان تعتمد بريطانيا علي خطه جريئه لاستخدام صواريخ النازيين في ارسال بريطاني الي الفضاء.

وفي صيف عام 1945 بعد انتهاء الحرب في اوروبا، سارعت قوات الحلفاء الي كشف اسرار قذائف فاوـ2 الصاروخيه للقوات النازيه. لم يكن لهذه الاسلحه المرعبه، التي صنعت بسواعد العبيد، وقع مؤثر علي نتيجه الحرب ـ غير انها حملت معها امكانيه تغيير العالم.

يقول جون بيكليك، الرئيس السابق لقسم الهندسه بمتحف العلوم في لندن: "حدث تدافع مشين للحصول علي تقنيه قذائف فاوـ2 الصاروخيه. الامريكيون والروس والفرنسيون ونحن."

وفي مايو/ ايار عام 1945، استسلم رئيس مشروع "سلاح الانتقام" النازي، فيرنر فون براون، للقوات الامريكيه وهرّب خفيه الي الولايات المتحده. وفي نفس الشهر، استولي الروس علي ابحاث ومنشات اختبار فون براون بمنطقه بينيموند علي ساحل بحر البلطيق.

وفي هذه الاثناء، استقطب الفرنسيون ما يقرب من 40 عالم ومهندس الماني في مجال الصواريخ، وكذلك جمع البريطانيون صواريخا لاختبارها في سلسله من الرحلات التجريبيه.

اطلق علي برنامج تجارب البريطانيين اسم "عمليه النتائج العكسيه". وتضمنت هذه العمليه اطلاق صواريخ فاوـ2 من هولندا الي حافه الغلاف الجوي للكره الارضيه قبل ان تسقط في بحر الشمال. نجحت التجربه، واشارت تقارير الي ان الصواريخ سقطت علي بعد ثلاثه اميال فقط من اهدافها ـ اكثر دقه مما قام به الالمان خلال الحرب.

ادرك المهندسون المشرفون علي التجارب ان فون براون قد توصل الي حل لمعضلات جوهريه في علم الصواريخ، فقد صمم محركاً كبيراً ومضخه متطوره لضخ كميات من الوقود بسرعه كافيه ونظام توجيه متقدم.

يقول بيكليك، الذي ساهم فيما بعد في اعاده صاروخ فاو-2 للعرض في المتحف": "كانت القذيفه الصاروخيه من عالم اخر، بكل ما تحمل الكلمه من معني."

راي مهندسون في جمعيه الكواكب البريطانيه بلندن ان هذه التقنيه قد تساعدهم في تحقيق حلمهم ببناء مركبه فضائيه، وهو الحلم الذي كان يُعتبر ضرباً من الخيال قبل خمس سنوات فقط من ذلك التاريخ. وفي عام 1946، قدم عضو الجمعيه، المهندس والفنان رالف سميث، مقترحاً مفصلاً لتطوير قذيفه فاوـ2 الصاروخيه الي "صاروخ يحمل رجلاً".

تضمن تصميم "ميغاروك" الذي قدمه سميث توسيع وتقويه هيكل فاوـ2 وزياده كميه الوقود واستبدال الراس الحربي الذي يزن طنا واحدا بكبسوله تحمل رجلاً. لم يكن الصاروخ قوياً بما يكفي لحمل شخصاً في مدار حول الارض. وبدلاً من ذلك، كان يفترض ان ينطلق رجل الفضاء (رجل واحد فقط) في مسارٍ مكافيء بارتفاع 300 الف متر عن سطح الكره الارضيه.

وما ان ينطلق الصاروخ بزاويه درجتين نحو السماء حتي يسقط الصاروخ بعيداً ويُزال غطاء الجزء المخروطي للمقدمه ليكشف عن الكبسوله. وضع سميث في تصميمه نافذتين علي الكبسوله، علي ان يرتدي رائد الفضاء بدله طيران خاصه بالارتفاعات الشاهقه.

اقترح سميث ان يستفيد رائد الفضاء من الدقائق القليله التي يقضيها في الفضاء ليسجل ملاحظاته ومشاهداته عن الارض والغلاف الجوي والشمس. ولما كان الغرب في مواجهه مع الاتحاد السوفيتي، كان يمكن لصاروخ "ميغاروك" ان يكون مثالياً للتجسس علي اراضي العدو.

وبعد نحو خمس دقائق من انعدام الوزن، تسقط الكبسوله باتجاه الارض ويقوم درعها الواقي من الحراره بحمايه رجل الفضاء من اي اذي. ثم تفتح المظلات وتهبط ببطء علي سطح الارض. وكان هناك مظله منفصله للصاروخ بغيه الاستفاده من اعاده استعمال الصاروخ مره اخري.

درس سميث كل شيء بدقه ـ بدءا من الابعاد الدقيقه للصاروخ وحتي قوه دفع المحرك وقوي التسارع التي سيواجهها رائد الفضاء.

قال مؤرخ الاحداث الفضائيه ومحرر مجله "رحله الفضاء"، ديفيد بيكر، الذي درس تصاميم ميغاروك: "كان التصميم عملياً للغايه. توفرت جميع التقنيات اللازمه وكان يمكن انجازها في فتره تترواح بين ثلاث وخمس سنوات."

تدرب بيكر علي تقنيه قذائف فاوـ2 في الولايات المتحده وقضي معظم حياته المهنيه كاحد مهندسي وكاله ناسا الفضائيه عاملاً علي برنامج "مكوك الفضاء". يقول بيكر ان ميغاروك كان سابقاً لعصره بعشر سنوات، مضيفا: "كان يمكن للبريطانيين، بحلول عام 1951، ان يطلقوا اناساً الي الفضاء بشكل روتيني."

تقدم سميث بتصميم مركبه الفضاء الي الحكومه البريطانيه في ديسمبر/كانون الاول عام 1946، لكنه رفض بعد اشهر قليله. تخلي سميث عن المشروع، وانتقل الي تصميم طائرات الفضاء ومحطات فضائيه عملاقه تدور في مدار حول الارض.

وبالرغم من السبق الذي اجرته في "عمليه النتائج العكسيه"، قررت بريطانيا التخلي عن تقنيه قذائف فاوـ2 والتركيز علي مواردها المحدوده في الابحاث، بدلاً من تقنيات الطيران والتكنولوجيا النوويه.

يقول بيكليك: "انفقت بريطانيا جلّ اموالها علي انقاذ العالم الحر. كنا مفلسين."

يتفق بيكر مع هذا الراي قائلاً: "جاء المقترح في اسوا الاوقات التي تمر بها البلاد علي الاطلاق. في عامي 1946 و 1947، لم تكن البلاد في وضع يمكنها من القيام باي شيء."

وعلي الجانب الاخر من المحيط الاطلسي، كان الوضع مختلفا تماماً. قدم الجيش الامريكي لفون براون كل ما يحتاجه من موارد ليطور قذائف فاوـ2 الصاروخيه لصنع الجيل التالي من الصواريخ، وكانت النتيجه صناعه مركبه "ميركوري ـريدستون" التي نقلت اول رائد فضاء امريكي، الان شيبارد، الي الفضاء عام 1961.

وكانت اول مركبه فضاء امريكيه ماهوله مشابهه بشكل ملفت للنظر لتصميم سميث. يقول بيكليك: "كانت ريدستون امتداداً لقذيفه فاوـ2 الصاروخيه. لم تشمل ايه تقنيات حقيقيه جديده، لكنها اوصلت الان شيبارد الي الفضاء."

وفي مقابل هذه الحقيقه، لو كانت الحكومه البريطانيه قد وافقت علي المشروع لكان اول رائد فضاء في العالم بريطانياً.

يقول بيكر: "سبقت بريطانيا الامريكيين بعشر سنوات. لم تكن ميغاروك اساساً الا مركبه ’ميركوري ـريدستون‘".

ويضيف: "انه لشيء محبطٍ للغايه، لكن من الرائع ان نبين ان البلاد ربما لم تكن في مستويات عاليه من الناحيه الاجتماعيه والماليه والمعيشيه، لكننا امتلكنا تلك التقنيه."

لم تكن هذه الا مجرد حكايه اخري لامكانيات مضت وجري وضعها علي الارفف المتكدسه لارشيف جمعيه الكواكب البريطانيه. ولا يمكن مقارنه تلك القصه بالعصر الجديد الذي نمر به الان من صواريخ الشركات الخاصه والممتلكات الشخصيه من الاقمار الصناعيه وطائرات الفضاء المبتكره.

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل