المحتوى الرئيسى

تظاهرة الشارع.. فولكلور الشاشات

08/31 01:11

قبل ساعتين من انطلاق تظاهره السبت المطلبيّه، استقبلت دنيز رحمه فخري في استوديو «ام تي في» رئيس شعبه التحقيق والتفتيش في المديريه العامه لقوى الامن الداخلي العميد عادل مشموشي. سالت القناه: «ماذا عن تحرّك اليوم؟ وماذا لو افسده المندسّون؟». «ام تي في» مصرّه علي حفظ الودّ بين المتظاهرين وقوي الامن. يؤكّد العميد انّ عناصره في صفّ المواطنين، ويبرّر احتجازها لبعض «المشاغبين». تثني مُحاوِرَتُه علي تفانيه، وتطمئن الخائفين من «الاندساس» الي انّ «عناصر امنيّه بملابس مدنيّه» ستكون حاضرهً في الساحه. مراسله القناه من ساحة الشهداء ندي صليبا، تتحدّث قليلاً عن المتظاهرين، وكثيراً عن التدابير الامنيّه. اطمئنوا، مشهد لبنان الحضاري لن يمسّه احد اليوم، تؤكد قناه المرّ. وللمزيد من الطمانه، تعرض تقريراً يعرّف بكلّ ناشط من ناشطي حمله «طلعت ريحتكم»، وما يحمله من شهادات وما حقّقه من انجازات. لا مشاغبين بينهم، افسحوا الطريق، او كما قالت مراسله القناه جويس عقيقي في رساله من ساحه الشهداء: «ليس هناك ايّ مشبوه ممن كنا نراهم في الايام الاولي».

قناه «ال بي سي اي»، متحمّسه، هَشتَغَت شاشتها، وبدات ببثّ الاغاني الثوريّه. لكنّها محتاره بعض الشيء. اتعرض اغنيه الفرسان الاربعه وامامهم جاط الخسّ والبندوره، ام اغنيه «كلّن يعني كلّن» لفرقه «الراحل الكبير»؟ اتبشّر بصيغه جديده تُولَد بهمّه شباب متحرِّرين من العقليّات التقليديّه، ام تعرض اعلان برنامج التبصير مع ليلي عبد اللطيف؟ يحتار المراقب في تفسير اداء المحطّه، المعروفه بامتلاك مغناطيس لا يخطئ لنسب المشاهده. ربما تحاول اجتذاب كلّ فئات المشاهدين: من يفضلون زجل الفرسان الاربعه، ومن قد تجذبهم السخريه العدميّه لفرقه «الراحل الكبير»؛ لا تناصب جمهور الاحزاب العداء، ولا تخسر في الوقت ذاته ايتام الطوائف؛ تقول للناس انتم احرار الفكر، لا اوصياء بعد اليوم علي خياراتكم، ولكن في الوقت ذاته، انتم حمقي، تثورون علي المنظومه في النهار، وتنشغلون بكشف غيب التاريخ في الليل.

بين «الجديد» و «ال بي سي اي» و «ام تي في» ابداعٌ في مسرحه الحراك: حلقات دبكه، فرق تمثيل، فنانون، حفلات توديع عزوبيّه، قمصان علي شكل جواز سفر. كلّ حركه محسوبه وعفويّه جدّاً في ان، كانّنا في احد برامج تلفزيون الواقع. بثّ مفتوح للجميع، وعلي كلّ شيء. مراسله «ال بي سي اي» رنيم بو خزام تاخذ تصريحاً من الفنانه نورهان والملحن سمير صفير المشاركَين (ايضاً) في الثوره، زميلتها راشيل كرم علي «الجديد» تحدّث احد طلّاب كليّه الفنون في الجامعه اللبنانيّه حول ازمه منع حصّه الموديل العاري في صفوف الرسم. احد المواطنين يخبر فتون رعد (lbci) بانّ «الاثيوبيات والفيليبينيات» (عاملات الخدمه المنزليّه الاجنبيّات) يحملن هواتف بطرازات حديثه، بينما اولاده لا يجدون فرص عمل. رولا، زوجه جورج الريف تقف ايضاً امام ميكروفون القناه، وتطالب بالاقتصاص من قاتل زوجها الذي ذبح بدم بارد بسبب خلاف علي احقيّه المرور. مراسله «الجديد» نانسي السبع تسال احد المنظمين من حمله «طلعت ريحتكم» عن رايه بانقطاع الكهرباء بعد ظهر امس عن المناطق كافه، فيردّ: «نور الشعب اقوي من الكهرباء». مشهدٌ متنوّع وملوّن لخّصته مذيعه «المؤسسه اللبنانيّه للارسال» ديما صادق بانّ مَن في الشارع هم «اصحاب كلّ مظلوميّه، المظلوميّات كبيره، الشعارات كثيره، وكلّ يتحدّث عن مظلوميّته الخاصّه».

كان المشهد جامعاً بين القنوات، لدرجه تخال انّك تشاهد شاشه واحده لاكثر من خمس ساعات متتاليه. ربما يعدّ ذلك «بروفا» لاقتراح بيار الضاهر باستخدام كاميرا واحده توزّع صورها علي القنوات كافه، لتغطيه الاحداث المماثله، بهدف التوفير، بحسب مقترحات الخطّه الانقاذيه التي طرحت قبل اشهر، لاخراج القنوات اللبنانيّه من ازمتها الماليّه الشرسه. الصوره واحده تقريباً، لكنّ التفاصيل تختلف. العميد مشموشي يعلّق علي فقره «كونّكتد» حول ابرز «هاشتاغات» التحرّك علي «ام تي في»، بينما تحاور دلال معوّض علي «ال بي سي اي» الناشط ايمن مروه الذي اعتقل وضرب مساء الاحد الماضي في رياض الصلح. كانت مداخله مروّه المداخله الوحيده تقريباً لممثّل عن حمله «بدنا نحاسب»، مع اهتمام «الجديد»، و «ال بي سي اي»، و «ام تي في» السبت، بابراز «قيادات» حمله «طلعت ريحتكم» الذين تصدّروا المشهد طوال النهار، وفي البرامج المسائيّه التاليه للتظاهره الي جانب النقابي حنّا غريب، والوزير السابق شربل نحّاس. «او تي في» استضافت ايضاً نحّاس، والمحامي نزار صاغيّه في فقره حواريّه صباح امس، من ساحه الشهداء التي اصبحت استوديو جديداً للقنوات كافّه. ادارت جوزفين ديب الحوار علي الشاشه البرتقاليّه امس، وكذلك التغطيه من ساحه الشهداء السبت، حيث حرصت علي طرح اسئله نقديّه علي بعض المتظاهرين، اذ سالت احدهم عن سبب اختلاف الشعارات، وعن سبب عدم اتفاق المنظّمين علي خطّه واضحه مشتركه. وبخلاف العدّادات المرتبطه بالحراك الشعبي علي شاشات اخري، ثبّتت «او تي في» عدّاداً لاحد سباقات السرعه الذي ينظّم بعد ايّام علي الزاويه اليمني من شاشتها. واشارت «او تي في» في مقدّمه نشرتها المسائيّه السبت، الي ما قالت انّه «تظاهره «بالجمله»، ومطالب «بالمفرق».

نجحت التظاهره بجمع الالاف من دون ايّ اشكال امنيّ يذكر، تحت شعارات توحّد جميع اللبنانيين، في مشهد نادر علي الساحه المحليّه. لكنّ بعض القنوات ارادت الامعان في التحذير من «مثيري الشغب». فبعدما اخّرت معظم الشاشات نشرات اخبارها المسائيّه لعدم تفويت ايّ لحظه من التظاهره، عادت وقطعت برامجها المسائيّه للتحذير من اربعه او خمسه شبّان احرقوا كراتين واكياس نايلون علي السلك الشائك علي زاويه شارع المصارف. ركّزت الكاميرا علي شبّان عراه الصدور (ما اصبح دليلاً لبعض القنوات علي انّهم «مندسّون»). وبالرغم من انّه كان واضحاً انّ ما يفعلونه لن يهزّ السلم الاهلي، ولن «يشوّه» صوره التظاهره، الّا انّ «ام تي في» و «ال بي سي اي» حرصتا علي تكرار «الاسف» لتكرار المشهد «غير الحضاري».

علي المقلب الاخر، دغدغ المشهد المهيب في الساحه مشاعر قنوات كانت الاسبوع الماضي متردّده في اعلان دعمها للمطالب الشعبيّه. انضمّت «المستقبل» و «ان بي ان» و «تلفزيون لبنان»، الي الاجماع التلفزيوني، وفتحت البثّ المباشر قبل التظاهره وخلالها وبعدها. وكزميلاتها، نقلت اصوات المتظاهرين، صوّرت شعاراتهم، واعلنت في مقدّمات نشرات اخبارها المسائيّه، دعمها لمطالبهم. قناه «ان بي ان» اشارت في نشرتها المسائيّه امس الاوّل، الي انّ «العاصمه كانت متنفّساً للمواطنين الذين خرجوا يرفعون الصوت ضدّ الاستهتار الرسميّ بمصالح الناس، وجمعت ابناءها بسلام الوحده الوطنيّه وحضاره التعبير اللبناني واحقيه المطالب الشعبيه». في حين ذكّرت «المستقبل» بقرار مجلس الأمن المركزي ووزير الداخليه نهاد المشنوق «حفظ امن التظاهره ومنع الفوضي وسلامه الممتلكات العامه والخاصه». وبدات مقدّمه اخبار «تلفزيون لبنان» كالتالي: «نجح الشعب اللبناني بالتعبير الديموقراطي وابراز حضارته. نجحت القوي الامنيه في حمايه المتظاهرين. نجحت الحكومه في اعطاء اللبنانيين الحقّ في التظاهر».

من جهتها، حافظت «المنار» علي نمط التغطيه ذاته الذي اعتمدته منذ بدايه التحرّك قبل اسبوع: دعم كامل للشعارات، واسئله عن حسابات الحملات الشعبيّه ومستقبلها. لم تفتح القناه شاشاتها للبثّ المباشر طوال النهار، بل قبل ساعه من التظاهره. وعوضاً عن فتح اربع كاميرات، فتحت اثنتين، تحدّث عبرهما المراسلان حسين حمزه وعلي عواضه مع المشاركين في التظاهره، واشادا بالمشهد الجامع. وفي مقدّمه نشره اخبارها المسائيّه، ردّت القناه بشكل غير مباشر علي السجال الدائر علي مواقع التواصل، حول وسم «كلّن يعني كلّن» الذي يضع السيد حسن نصر الله في سلّه واحده من سياسيين اخرين، فقالت: «نبض اقوي من كل الشعارات، حركته قسوه المعاناه، فجرته النفايات بعد ان ارهقته الكهرباء والماء ووعود السدود والجسور والطرقات، وجل مشاريع الفساد والسرقات. نبض لن يسرقه احد مهما حرفت اللافتات، وصوبت الهتافات والهاشتاغات، نبض اعاد الحياه لساحه الشهداء ولشهدائها الشاهدين علي زمن طويل من تزوير الهويات». استضافت القناه خلال تغطيتها النهاريّه عضو المجلس الوطني للاعلام غالب قنديل، وفي تغطيتها الليليّه نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي، اللذين اجمعا علي انّ مطالب الشارع محقّه، وانّ اطياف الطبقه السياسيّه لا تتساوي في المسؤوليه عن الفساد.

تصدّرت «ال بي سي اي» و «الجديد» المشهد الاعلامي السبت، فجمعتهما سرديّه واحده تقريباً، ضمن منافستهما الشرسه لاثبات من منهما قناه اللبنانيين الجامعه، العابره للطوائف، والانتماءات الحزبيّه. فازتا معاً بصناعه مشهد تلفزيونيّ نادر وتاريخيّ ان جاز التعبير، لناحيه الحشد لتظاهره يجتمع علي شعاراتها جميع اللبنانيين. علي مواقع التواصل، اسئله كثيره طرحت حول دور القناتين في ابراز شخصيّات بعينها من الحملات الداعيه للتحرّك، وما اذا كان ذلك تكتيكاً غير بريء، لاظهار صوره محدّده ومرسومه بدقّه عن التظاهره الخاليه من «الغوغاء»، ام محاوله لركوب الموجه، من خلال مقارنه (ساذجه بعض الشيء) بين مدوّني لبنان وناشطي ومدوّني تونس ومصر.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل