المحتوى الرئيسى

انتخابات المغرب.. بوصلة الإصلاح

08/30 21:41

يعيش المغرب هذه الايام علي وقع موسم انتخابي ساخن، اذ يشهد اجراء ثاني تجربه انتخابيه في البلاد بعد نوفمبر/تشرين الثاني 2011، تتعلق بالانتخابات الجماعيه (محليه) والجهويه (محافظات) في 4 سبتمبر/ايلول المقبل، حيث لاول مره سيدعي الناخبون الي التصويت مرتين في اليوم نفسه وبالبطاقه نفسها.

بلغه الارقام، يتباري في هذا الموعد الانتخابي حوالي 36 حزبا سياسيا علي 27 الف مقعد، في مجموع دوائر انتخابيه يصل عددها الي ما يربو علي الف ومئتي دائرة انتخابية.

اما الكتله الناخبه فتحدد في قرابه 15 مليون مغربي ممن سجلوا في اللوائح الانتخابيه، من اصل 26 مليونا بلغوا السن القانونيه للتصويت، ما يعني -ومنذ البدء- ان العمليه سوف تتم بغياب اصوات 12 مليون مواطن ممن لم يروا ضروره للتقييد في هذه اللوائح.

ياتي هذا الاستحقاق الانتخابي في سياق استثنائي، فهو اكبر من مجرد اقتراع ذي طابع محلي، علي غرار ما عهده المغاربه في السابق. اذ تدخل فيه عوامل داخليه واخري اقليميه تجعل كل اوراق اللعب علي الطاوله، وتضع مقوله "الاستثناء المغربي" امام محك الاختبار، ومعها اوليات التمرين الديمقراطي المغربي بعد الحراك في مرمي سهام الاستبداد.

تفرض هذه المحطه الانتخابيه علي التجربه المغربيه -التي تسوق في المنطقه كنموذج للتغيير الناعم والتدريجي- اختبارات جمه علي مختلف القوي السياسيه الفاعليه (الملكيه، الحكومه، المعارضه، الاحزاب..) التي بها ستؤكد صدقيه المسار الاصلاحي الذي دُشن جوابا علي اسئله الربيع المغربي في 20 فبراير/شباط سنه 2011.

اثارت بعض الوقائع في مرحله التحضير للانتخابات الشكوك، والتخوف بعوده الدوله العميقه الي سالف عهدها، والرده علي مكتسبات ما بعد دستور 2011، خصوصا ان الفاعل الاساسي في هذه الاحداث هو وزاره الداخليه ذات التاريخ العميق في ذاكره المغاربه.

اولي المؤشرات التراجع عن مطلب اعتماد التصويت بالبطاقه الوطنيه، والمعارك المؤسساتيه التي خاضها نواب العداله والتنميه، خاصه علي المستوي التشريعي المرتبط بالقوانين الانتخابيه، والتي انتصرت فيها وزاره الداخليه انتصارا بائنا، حيث فرضت اعتماد لوائح قديمه/جديده، فيما كان الاسلاميون يدافعون عن اطروحه التصويت بواسطه البطاقه الوطنيه فقط.

ومعلوم كيف كانت هذه الوزاره تستعمل اللوائح للتحكم وتوجيه النتائج وضبطها، باعتماد اسلوب التقطيع الانتخابي لصالح احزاب، والشطب من القوائم ضد اخري، وتحريك اعوان السلطه لخدمه لوبيات محليه، هذا وليس انتهاء بالتصرف عند الضروره في النتائج.

ثاني المؤشرات، التخلي عن مطلب الارتقاء بالمستوي التعليمي للنخب المحليه والجهويه. فقد طالب نواب العداله والتنميه بفرض شهاده دراسيه علي المنتخبين، غير ان احزابا بعينها (الحركه الشعبيه، التجمع الوطني للاحرار..) ضمن الاغلبيه الحكوميه رفضت المقترح، بل وثارت ضده معتبره نفسها احد المستهدفين وهو الموقف ذاته الذي لم تحد عنه بعض الاحزاب في المعارضه.

امر وضع مشروع تاهيل اطر الاداره المحليه والجهويه، الذي كانت العداله والتنميه تحمل لواءه، في خبر كان بعدما رضخ الحزب لمطالب هذه الاحزاب. وتخلي عن مقترح كان من المتوقع ان يحدث ثوره في الاداره والحكامه المحليتين، بفرض نخب متعلمه قادره علي استيعاب الخطط والبرامج التنمويه، وتنزيل المشاريع الكبري والمخططات القطاعيه التي انخرطت فيها البلاد.

هذه التراجعات الي جانب اخري، تعيد الذاكره الي مغرب ما قبل الحراك، مع مشروع التحكم الشامل، خصوصا وان الاشراف التقني علي الانتخابات سيبقي بايدي وزاره الداخليه التي قال عنها رئيس الحكومه يوما "وزاره الداخليه هي الداخليه عينها" تلميحا منه لوضعيتها في داخل النظام المؤسساتي، وقدرتها التحكميه بتسخير العمال والولاه والقياد واعوان السلطه.

لكن اخوان العداله والتنميه يبررون تنازلاتهم بكون هذه الاستحقاقات الانتخابيه ستجري، ولاول مره تحت الاشراف المباشر لرئيس الحكومه. ما جعلهم يستسيغون القوانين التي وضعتها تلك الوزاره التي يفترض نظريا علي الاقل انها خاضعه لرئاسه الحكومه، ومجرد اداه اداريه لتنفيذ برنامج الائتلاف الحكومي. مع التنبيه هنا الي ان حقيبتها حاليا في يد تكنوقراط من رجالات المخزن، بعدما كانت في النسخه الحكوميه الاولي بيد رجل حزبي.

لكن هذا الاسناد للاشراف ولد شعورا بالاطمئنان لدي انصار الحزب الاسلامي، ما جعله يعلن التعبئه العامه، من اجل خوض غمار هذه المنافسه، التي تضعه ومعه التجربه المغربيه ككل امام جمله من الاختبارات، فهي التجربه الوحيده التي بقيت صامده ضمن تجارب المنطقه.

تضع هذه الانتخابات الفاعلين في المشهد المغربي، وتجربه الاستثناء المغربي امام عده اختبارات، بتجاوزها سوف يثبت بانه علي اهبه الالتحاق بنادي الديمقراطيات، منها:

- اختبار قوه الاسلاميين وشعبيتهم:

تعد هذه فرصه مختلف الفرقاء لقياس شعبيه الاسلاميين بعد زهاء اربع سنوات من الاداء الحكومي بما حملته من قرارات جريئه ولا شعبيه احيانا لانقاذ البلد. وعليه فالتحدي الاكبر لديهم الان هو اثبات استمرار الشعبيه التي بواتهم الصداره في تشريعيات 2011. امر جسده الحزب عمليا في حجم الترشيحات التي تضاعفت مقارنه مع استحقاقات 2009، اذ انتقلت من تسعه الاف مرشح الي ازيد من 16 الفا الان.

وفي الوجه الاخر تعد فرصه للتعبير عن مدي استيعاب اخوان المغرب للدرس، وقياس منسوب الوعي بان السياسه فن التكيف مع العصر، والقدره علي استشراف المستقبل، ومهاره تجنب الدخول الي العواصف.

تضع هذه الاستحقاقات الاسلاميين اذن بين المطرقه والسندان ولسان حالهم يردد "المشاركه لا المغالبه" فالاكتساح سيعيد الي الواجهه شعارات الاخونه والاسلمه والهيمنه، وان كان الامر عصيا بالنظر لطريقه تقسيم الدوائر الانتخابيه، ما يجعل حلم تحقيق الاغلبيه المطلقه مستحيلا لاي حزب.

وعلي النقيض فانحصار النتائج وتواضع الحصيله سوف يكون بمثابه بدايه نهايه الاسلاميين علي غرار باقي الدول الاقليميه، وبشري لخصومهم في الاحزاب والدوله العميقه التي استساغت بعضا من قراراتهم بشق الانفس، للعوده بقوه في الانتخابات البرلمانيه المقبله، فالاسلاميون من منظور هؤلاء قد طال عليهم الامد في المغرب مقارنه بدول مجاوره.

النظر للصوره العامه للفوضي التي تضرب المنطقه العربيه يظهر المغرب جزيره معزوله في بحر ظلمات العرب، والتامل في مالات الاحداث في اكثر من قطب عربي، يجعل البعض يعتقد بان المغرب يعيش اخر ايام ربيعه، وهذه الاستحقاقات هي بدايه الانقلاب الناعم عليه علي غرار منهج الاصلاح في ما بعد 20 فبراير/شباط.

يقدم اصحاب هذا الراي حججا من تاريخ المغرب منها تجربه التناوب التوافقي التي تم قبرها سنه 2002، بالانقلاب علي المنهجيه الديمقراطيه وتعيين رجل من التكنوقراط وزيرا اول، بدلا من اختياره من الحزب الفائز. وكذا من واقع الحال اليوم، فليس اطلاق يد وزاره الداخليه في الاعداد للمحفل الانتخابي، ونتائج الانتخابات المهنيه شهر اغسطس/اب التي بوات حزب الاصاله والمعاصره (حزب الدوله) المرتبه الاولي بوادر العوده للسلطويه، والهجره الجماعيه لاعيان حزب التجمع الوطني للاحرار الي حزب الاصاله والمعاصره سوي حصه تدريبيه استعدادا لهذه الانتخابات التي ستكون بدورها مقدمه لانتخابات 2016، حيث ستتم المراسيم النهائيه لمشروع الطلاق البائن بين الدوله والاسلاميين. فالسياسه كما قال احدهم ذات يوم لعبه بلا ضمانات، وصراع دون عقود تامين.

تعد هذه المحطه تنزيلا لمشروع الجهويه المتقدمه الذي يعد احدي ركائز الاصلاح في المسار المغربي، بيد انها في الان ذاته اختبار له. فالعوده الي التحكم والتلاعب في تكوين مجالس الجماعات والجهات سيفرغ هذا المشروع من اي مضمون، ويجعل خطب التنميه المحليه وشعارات الحكامه الرشيده والديمقراطيه التشاركيه مجرد لغو سياسي وكلام للاستهلاك الداخلي والتسويق الخارجي.

لا محيد اذن امام السلطه عن احترام خيارات المواطنين وقراراتهم في صناديق الاقتراع، وفرض ذات المسافه مع كل الاحزاب، تزكيه للحياد والمؤسساتيه في العمل اولا، وضمانا لنخب فاعله ومؤثره في صناعه القرار وتدبير الشان المحلي، خاصه في ظل ما يخوله الدستور من اختصاصات واسعه لمجالس الجهات والجماعات، بعدما فشل رجالات السلطه في تحقيق التنميه المنشوده.

ذات الامر اكد عليه عاهل البلاد بشكل صريح في خطابه بمناسبه ثوره الملك والشعب الاخير، الذي كانت الانتخابات موضوعه الابرز، حيث قال: "يتعلق الامر بتطبيق الجهويه المتقدمه، التي نريدها عماد مغرب الوحده الوطنيه والترابيه، والتضامن بين الفئات، والتكامل والتوازن بين الجهات. واذا كان لكل مرحله رجالها ونساؤها، فان الثوره التي نحن مقبلون عليها لن تكون الا بمنتخبين صادقين، همهم الاول هو خدمه بلدهم، والمواطنين الذين صوتوا عليهم".

اعاد الحراك الثوري الفعل السياسي الي صلب اهتمامات المواطن، وجعل تتبع الشان العام في دائره انشغالاته. وزكت التجربه الحكوميه الامر من خلال تبسيط الخطاب السياسي للمواطن العادي، باللغه التي يفهمها -الي درجه اتهامها بـ"الشعبويه"- والحرص علي التواصل معه بمختلف الاساليب والوسائل (المساءله الشهريه، البرامج الحواريه، اللقاءات الداخليه، التجمعات الخطابيه في المدن والقري... الخ).

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل