المحتوى الرئيسى

مواجهات الباسيفيك وأسئلة الصين الإجبارية بالشرق الأوسط

08/30 14:47

اكدت وزاره الدفاع الامريكيه في متن تقريرها السنوي الموجه للكونجرس حول الصين ان الدوله الصينيه ترتفع مؤشرات تطورها يومًا تلو اخر علي نحو قد يشكل في المستقبل القريب تهديدًا قويًا للولايات المتحدة؛ ليس فحسب علي هياكل السيطره القاريه علي اسيا، بل قد يتعدي ليشمل مزاحمتها علي سده العالم والاضرار بمنظومه الامن والسلم والاستقرار الدولي.

واستعرض التقرير بعض ملامح التعبئه في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي والشرقي، الي جانب محاولات الصين الحثيثه نحو تحديث قدراتها البحريه وتوسعه انشطتها الصاروخيه في بحر الصين الجنوبي والنزول جنوبًا باتجاه تايلاند لمنازعه الولايات المتحدة علي منظومه النفوذ والسيطره حول مضيق ملقا الاستراتيجي والذي يعبره قرابه ربع الاقتصاد العالمي سنويًا.

لكن الجديد في تقرير العام الحالي 2015 ان الخبراء الاستراتيجيين بمكتب وزير الدفاع الأمريكي الذين قاموا علي اعداده اعتبروا ان تدخلات الصين الناعمه خارج الباسيفيك تعد تهديدًا وتحديًا صارخًا للولايات المتحده علي نحو يستوجب تدخلاً امريكيًا حاسمًا لايقاف التمدد الصيني وتحجميه في الباسيفيك قدر المستطاع. وذكر التقرير الذي يقع في سبعه وتسعين صفحه انه تم رصد محاولات صينيه لاستعراض القوه في اعالي البحار تحت مسميات مكافحه القرصنه وحفظ السلام والمساعدات الانسانيه وخلافه في نقاط عديده حول العالم. لكن اللافت للنظر ايضًا انه تحدث بشكل مستفيض حول المحاولات الصينيه للمزاحمه علي الهيمنه بالشرق الأوسط كخطوه اولي خارج مربع الباسيفيك. وهذه النقطه تحديدًا ذات بال.

ويمثل الشرق الاوسط بالنسبه للصين، حسب الاستراتيجيه العسكريه الصينيه والمسماه بالورقه البيضاء، اهم الاولويات الصينيه بعد الباسيفيك وذلك لتداخل اكثر من عامل اهمها الارتباط الوثيق في هياكل الامن الدولي بين منظومتي الشرق الاوسط ووسط اسيا من ناحيه، والعلاقات الهيكليه التلازميه بين امن الخليج واقتصاديات شرق أسيا بشكل عام.

فيما يخص النقطه الاولي، فان عقيده الامن القومي الصينيه تقوم علي توسيع نفوذها البحري في بحر الصين الجنوبي والشرقي والسيطره علي مضيق تايوان والتعاون مع موسكو وبيونج يانج من اجل امن البحر الأصفر وتحجيم الحلف الكوري الجنوبي والياباني والامريكي في شمال الباسيفيك مع استثمار قوتها البريه القصوي في تامين ظهيرها القاري في وسط اسيا. وكما هو متضح من الورقه البيضاء، فانه بدون تامين الظهير القاري علي نحو جيد، فان خطه بكين الطموحه لتوسيع قدراتها ونفوذها البحري في الباسيفيك قد تتعرض لهزه عنيفه قد لا تقل عن هزائمها التاريخيه علي ايدي اليابانيين خلال اربعينيات القرن الماضي او عقود الاذلال في القرن التاسع عشر علي ايدي الاوروبيين.

لكن عقبه كبيره تقع عائقًا امام خطط بكين في البر والبحر ولم يعد بالامكان تجاهلها: انها الهند ذلك العملاق المرابط في الخلفيه. فبالاضافه الي القدرات البريه الفائقه والتي وضعت قوات نيودلهي البريه منذ فتره طويله علي راس قائمه الجيوش العتيده، فقد استطاعت الهند بترتيبات امريكيه التوسيع من قدراتها البحريه بالرفع من كفاءه البحريه الهنديه وزياده عدد اساطيلها وتسليحها وقواتها الي حد ان تواترت اخبار كشفت مؤخرًا عن وصول دعم فني امريكي فرنسي لنيودلهي لمساعدتها علي بناء اولي حاملات الطائرات الهنديه والمنتظر نشرها في المحيط الهندي من الارخبيل وحتي جزر شرق إفريقيا بعد عامين. بل ان محللون قالوا ان خطوه كتلك تستهدف من ورائها مساعده الولايات المتحده علي كسر جموح الصين في الباسيفيك خصوصا بعد تسليح الاخيره لجزر بحر الصين الجنوبي الاصطناعيه بمعدات دفاع جوي متطوره. لكن مساعي الصين لمواجهه الهند كانت ذا محورين:

المحور البحري: حيث ترددت اقاويل كثيره في الاوساط الاستراتيجيه هذه الايام (لاسيما مانشرته ناشيونال انترست) ان الصين تقوم بالفعل بنسخ تجربتها في الجزر الاصطناعيه في بحر الصين الجنوبي وتطبيقها في المحيط الهندي قرب سريلانكا بعد اتفاقات سريه مع الحكومه السريلانكيه. وهذا تهديد في عقر البيت الهندي لا يمكن تجاهله لكنه يبقي مجرد ورقه لا يمكن الاعتماد عليها والدفع بها كخيار استراتيجي خصوصًا مع انعدام قدره الصين علي مواجهه الهند بحريًا نظرًا لاضطرار الصين وقتئًذ لمواجهه الحلف الامريكي في الهادي والهندي مره واحده. في هذه الحاله، الحرب الشامله ستكون الخيار الاوحد.

المحور البري: وهي الخطه الاساسيه لمواجهه الهند. هنا الاجابه الصينيه علي مواجهه الهند تتاتي من خلال تقويه تحالفات الصين "المنفرده" مع باكستان ثم ايران بالاضافه لمحاولات اجبار الصين للولايات المتحده علي دخولها شريكًا للحل في افغانستان بعد انعدام القدره الغربيه علي الحل هناك.

وفي خضم الاعتبارات السياسيه والاقتصاديه والامنيه والعسكريه، يعتبر الفصل بين امن وسط اسيا وجنوب غرب أسيا امرا كارثيا. فبدايه من طرق التجاره ووصولاً الي طريق الافيون، تتقاطع وتتداخل المنظومه الاستراتيجيه العابره لجبال قنديل في الشمال حتي خليج عمان في الجنوب علي نحو يصعب جدًا الفصل بين احد مكونات هذه المنظومه. وعليه فان الصين في خضم استراتيجيتها للمستقبل يتعين عليها ايجاد حلول لبعض الاسئله الاجباريه في الشرق الاوسط حتي يتاكد لها صلابه خطتها لتامين الاعماق القاريه:

الامر الاول يتعلق بحقيقه استراتيجيه تقول بان اقوي الاطر واصلبها في تامين القوي الكبري هو استغلال نفوذها المادي في صياغه منظومه اقليميه للامن الجماعي (لا ترتيبات منفرده) تكون هي صلبها وقلبها الحصين وهذا ما تفتقره الصين. فعلي الرغم من تحالفها مع روسيا والروابط القويه التي تربطها بباكستان وايران الا انها لم تستطع تطوير اي اطار للامن الجماعي لوسط اسيا بعد. وهو امر متعلق بلا شك بعدم تجانس حلفاء الصين في تلك المنطقه. وفي حال استطاعت الصين انشاء تلك المنظومه فلاشك انه سيتم دراستها في اطار مصالحها مع دول الشرق الاوسط - (لاسيما دول الخليج وفي القلب منها السعوديه) التي تربطها روابط عداء بايران تحديدًا.

وعلي الرغم من ان المستفيد الاول دوليًا من الاتفاق الايراني مع الدول الغربيه هي الصين التي سارعت بتوقيع عقود اقتصاديه وعسكريه مع ايران لحجز حصه سوقيه جيده لها في المستقبل من طهران، الا ان هذه الخطوات يمكن ان تثير الغضب السعودي تحديدًا لاسيما بعد انطلاق جلسات الحوار الاستراتيجي السعودي الصيني منذ اشهر. خساره الصين حليفًا لها بوزن السعوديه قد يؤدي الي خسائر كبيره لها في قلب امنها القومي لاسيما بعدما تردد في اوساط سياسيه واستراتيجيه عن وجود سيطره سعوديه علي الجماعات المتطرفه في باكستان والغاضبه من ممارسات الحكومه الصينيه مع مسلمي الايجور في تركستان الشرقية.

الامر الثاني انه يتحتم علي بكين ايجاد منصه اطاريه للتفاوض الجماعي مع بلدان الشرق الاوسط عاليه التاثير وعدم الوثوق بالشريك الروسي نظرًا لكلاسيكيته المعهوده في اداره الصراعات. دفع بكين لقدراتها نحو الحلول الاقليميه سيعطي النظام الدولي حيويه ومرونه اكثر.

الامر الثالث يتعلق بتنظيم الدوله الاسلاميه. فعلي الرغم من تزايد معدلات نشاط تنظيم الدوله في ما يسمي بولايه خراسان (افغانستان وباكستان) والتي تمثل قلب استراتيجيه التامين القاري الصينيه، الا انه لا اثر لمجهود صيني ملحوظ للانخراط في مواجهه من اي نوع مع تنظيم الدوله في اي من الاقاليم التي يسيطر عليها. ومع انه من الواضح والمعلوم ان الصين تري في مواجهات تنظيم الدوله حربا امريكيه محضه لما تسميه واشنطون بالارهاب، الا ان تنظيم الدوله قد يهدد قلب الصين ان لم يتم ادراجه كاحد المخاطر التي تهدد بكين؛ لاسيما وان استراتيجيه تنظيم الدوله المنشور بعضها تحدد افق الانتشار المستقبلي للتنظيم في وسط اسيا لاستثمار الحاله الجهاديه الموجوده هناك في ضعضعه طالبان والقاعده وتهديد طهران وخلق وضع دولي جديد.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل