المحتوى الرئيسى

الإعلام الجديد، يكذّب نبوءات مدرسة فرانكفورت الفلسفية!

08/30 14:47

تاريخ الفلسفه تاريخ حافل بالرؤي الفكريه والفلسفيه حول مال الانسانيه والحقيقه والوجود والزمان، لا يهم ما ان كانت هذه الرؤي نابعه من حتميه تاريخيه او فكريه، ولكن ما يهم من هذه الرؤي هو كيف تناولت قَدَرِيّهَ الحقيقه والوجود والمعرفه والوضع البشري. فبدايات القرن ١٩ ونهاياته حملت سلسله من الاحداث التي اهتز فيها عرش العلوم الحقه، بما فيها الفيزياء والرياضيات والطبيعه والميكانيكا، وكما يعلم كل باحث في شان الفلسفة المعاصرة ان كل المدارس الفلسفيه علي اختلاف جذورها التاريخيه السابقه واللاحقه عن القرن ١٩ قدمت رؤي للعالم المعاصر الذي صار يتحدث لغه النسبيه والاكسيوماتيك والنسبيه، ولقد قدمت جميع المدارس الفلسفيه الالمانيه المعاصره (ق 19) نفسها كاتجاه نقدي في الفلسفه علي اختلاف قضاياها، والحديث في هذه التدوينه سيدور بشكل استقرائي حول مدرسة فرانكفورت الالمانيه النقديه بامتياز التي اندغمت فيها اقلام فلسفيه المانيه وازنه من مرحله التاسيس والحرب والمنفي واعاده التاسيس، مثل هوركهايمر، وهيربرت ماركوز، وثيودور ادورنو، ويورغن هابرماس الذي جسد رؤي نقديه قاطعه مع التقنيه التي اعتبر من خلالها العقل التقني العلمي عقلًا ايديولوجيًّا غائيًّا، مثلما نَحا نَحْوَ الفيلسوف الوجودي مارتن هايدجر الرافض للروح التقنويه التي استبدت بالانسان عبر مراحل تاريخيه متعاقبه قلبت موازين سيطره الانسان علي الطبيعه الي استلاب تقني يتحول العلم في مستواه التقني الي سيطره علي الوجود البشري.

اذا كان هذا الرفض للتقنيه في القرن ١٩ نابعًا من المدرسه الالمانيه النقديه بوعي منها بحتميات التقنيه علي الوضع البشري والحقيقه والطبيعه والحق والاخلاق والجمال والوجود اجمالًا، فان مرد هذا الرفض نسقيًّا في تاريخ الفلسفه يرجع الي اللحظه الديكارتيه في نهايات القرن ١٦ وبدايات القرن ١٧ حيث ساد الفكر الديكارتي التقني، او ما سمي بالفلسفه العمليه التي جاءت كرده فعل علي انتشار الفكر الفلسفي المدرسي السكولائي المسيحي الذي ظل فكرًا فلسفيًّا نظريًّا حافلًا بالتصورات السببيه الارسطيه، ردود الفعل هذه تبناها رسميًّا رونيه ديكارت في كتابه مقاله في المنهج، والذي يدعو فيه جهارًا الي ان ينخرط الانسان في السيطره علي الطبيعه وريضنتها وتنصيب ذاته سيدًا عليها ومالكًا لها ومتحكمًا فيها.

منذ ذاك الحين تطور الفكر التقني والميكانيكا بشكل صار يهدد الانسان والطبيعه علي حد سواء، وهو ما تم تجسيده من طرف الالمان، سواء من داخل الاطار الفلسفي السوسيولوجي لمدرسه فرانكفورت او من خارجه خصوصًا مع مارتن هايدجر واوسولد شبنجلر الذي اعتبر التقنيه بشكل قاطع روحًا تتحدي الانسان وتمحو عنه انسانيته!

ومع نهايات في القرن ٢٠ وبدايه القرن ٢١، ومع تغير الباراديجمات العلميه والتكنولوجيه، اصبح من الصعب علي العقل الفلسفي ان يقبل المحاسبه من ذات المنطق الذي حاسب به العقل التقني علي مالات الحقيقه والعلم والتاريخ والانسان، بل فوق هذا لا يمكن للمتامل فلسفيًّا في مالات التقنيه الا ان يقف علي ازدواجيه المنطق عند العقل، فهو العقل نفسه يشرع الانخراط في المكننه والتحكم في الطبيعه، ثم هو هو العقل ذاته ينقلب علي شعار التحكم في الطبيعه بشعار الحد من التحكم في التحكم، اعتبار من ان التحكم الاول من الانسان في الطبيعه ينتج حتمًا تحكمًا مضادًا من الطبيعه في الوجود اجمالًا وضمنه الوجود الانساني الذي يصبح تحت رحمه الطبيعه وتهديدها الذي هو من جنس تهديده لها. واذا سلمنا جدلًا بان التحول التقني فتح الوجود الانساني علي انكاشافات في مدارات الحقيقه واتساعًا ملحوظًا في مداراتها، فاننا نلحظ كيف ان اثار التقنيه صارت تظهر في كل مناحي الحياه، في السياسه كما الاقتصاد والثقافه والتواصل والاعلام، وما دمنا بصدد الاعلام فاننا ننوه بان رؤيه الفلسفه للاعلام لا تقف عند الوجه الالي للتقنيه بقدر ما نشير لتاثير الاعلام التقليدي المحدود مقابل ما احدثه الإعلام الجديد "النيوميديا" من تغييرات جذريه في بنيه النظريات الموجهه للسلوكات البشريه وانماط الوعي والتواصل.

ومع وعينا بانه خلف كل نظريه ما او فعل بشري ما، قصديهٌ بالمعني الظاهراتي، فلا غروَ ان نعلن هنا بان الخطوط العاموديه التي اطّرت الاعلام التقليدي عبر تاريخه والبرامج المبثوثه بُثّتْ واُطِّرتْ بما يشبه قسريه اليه علي العقل البشري وبمنطق معرفي ينتهج اسلوب التدفق الاعلامي في اتجاه واحد من اعلي الي اسفل2، وهو ما خلف تاثيرًا علي الجمهور بما يثبت نبوءه العالم روبرت كوكس عن "ذاتيه النظريات" وعدم قابليتها للمَوْضَعهِ OBJECTIVATION ما دامت تتغيا التاثير السلوكي، الا ان تطور الويب 2.0 والشبكات الاجتماعيه ومعها الطرائق واللغات البرمجيه كال HTML و PYTHON و PHP سيعلن بدء انثار وتراجع مجموعه من التصورات والنظريات الكلاسيكيه علميًّا وعمليًّا، خصوصًا مع اعلام اول عقود القرن 21 الذي حول "المجتمعات المتشكله افتراضيًّا" الي طبقات واعيه بموقعيتها من الانتاج التواصلي وهامشيتها ضمن "حركيه المعلومات"، وهو تحول تراه الابستيمولوجيا الفلسفه مساله حتميه لازمه تتسق مع نبوءه وتصور توماس كوهن حول العمر الافتراضي للباراديجمات العلميه، هذا فضلًا عن كارل بوبر في نظريته الموسومه في حقل الابستيمولوجيا المعاصره بنظريه القابليه للتكذيب3، والتي تري بحتميه انهيار النظريات اللاتجريبيه او تلك التي لا تقبل التكذيب من خلال انساقها، ثم بروز نظريات اخري علي انقاضها كفيله بان تفسر روح العصر في سياق زمني محدد قبل ان تاتي من تلقاء نفسها بالتكذيب الذي يهز اسسها النظريه ويغيرها مع تغير مسارات العلم، وهو ما حصل في التحول من الاعلام التقليدي الي استمراره مع ظهور اعلام جديد، فتح زوايا جديده للحقيقه وكشف الابعاد والخطوط المحرمه في الاعلام التقليدي.

ومن هنا نود ان نشير الي انه ووفقًا لتاريخ الفلسفه، لو كان مقدرًا لمدرسه فرانكفورت ان تستمر في نقدها للتقنيه حتي اللحظه الراهنه التي نعيشها في القرن ٢١ بين الحروب والكوارث الطبيعيه والتحولات المناخيه الكبري، لكانت هذه المدرسه تخلت حقًّا عن موقفها الرافض للتقنيه روحًا والهً.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل