المحتوى الرئيسى

"دساتير" كالخشب المسندة

08/30 14:47

كل الدساتير العربيه تحرص علي ذكر المبادئ الاساسيه التي تقوم علي عاتقها الأنظمة الديمقراطية، من قبيل مبدا سياده الشعب والفصل بين السلطات الثلاث التشريعيه والتنفيذيه والقضائيه، ومن مثل سيادة القانون، والشعب مصدر السلطات، وغيرها الكثير كالمساواه بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامه، وكفاله الدوله لمبدا تكافؤ الفرص بين المواطنين.

فمثلًا: ينص الدستور السوري، في البند الثاني من الماده الثانيه منه، علي ان: السياده للشعب، وفي البند الثاني من الماده 25 ينص علي ان: سياده القانون مبدا اساسي في المجتمع والدوله، ويقر في الماده 38 منه حق كل مواطن في الاعراب عن رايه بحريه وعلانيه وبكافه وسائل التعبير، وفي الماده 39 يقر بحقه في التظاهر السلمي.

وفي الدستور اليمني، وعلي وجه الخصوص في الماده 4 منه، اعتراف بكون الشعب مالك السلطه ومصدرها ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء، كما يزاولها بطريقه غير مباشره عن طريق الهيئات التشريعيه والتنفيذيه والقضائيه. وفي الماده 5 يصرح بكون النظام السياسي في اليمن يقوم علي التعدديه السياسيه بهدف تداول السلطه سلميًا. وفي الماده 106 يضع الشروط المطلوبه لمن "ينتوي!" الترشح لمنصب رئيس الجمهوريه، ومتي ما توافرت تلك الشروط في شخص معين حق له خوض غمار الانتخابات الرئاسيه، وهي شروط معقوله.

اما في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى فحدث ولا حرج، من مثل ادعاء الدستور الليبي ان السلطه للشعب ولا سلطه لسواه، وكونه هو السيد الذي بيده السلطه وبيده الثروه وبيده السلاح.

ومثل ذلك في الدستور المصري والدستور التونسي، وغيرهما من الدساتير العربيه لا تختلف عن ذلك، وانا هنا ركزت علي دساتير الدول التي شهدت احداث الربيع العربي، لان الاحتقان فيها ظهر للعلن وتعرف عليه القاصي والداني.

ومع كل هذه النصوص البراقه التي تنافس افضل ما في الدساتير الغربيه وتتفوق عليها، لم تغنِ الشعب السوري مثلًا عن الدخول في متاهه انسداد الافق السياسي هناك، وتكريس الاستبداد وسيطره اسره قليله العدد علي كل مقدرات الوطن من ثروه وقوه حتي وصلت الي توريث الزعامه من الاب الي الابن، ووصل الحال بالشعب السوري الي رفع شعار الموت ولا المذله.

وفي اليمن، كان ابو الالف وجه يتربع علي كرسي القياده بدعوي انه وصل اليها عن طريق الاختيار الشعبي، وانه لن يغادرها حتي تنتهي مده ولايته الدستوريه، هذه المده التي تجاوزت ثلاثه عقود وكان يدعي باحقيته في استمراريتها.

وفي ليبيا، تحولت الجماهيريه العظمي الي عزبه خاصه للمفكر الثائر والقائد المعلم صاحب النظريه العالميه الثالثه وابنائه، واصبح الشعب -وهو صاحب السلطه ولا سلطه لسواه، حسب ادعاء الدستور الليبي- في نظر القائد جرذان لا يحق لها التظلم من سياسه مدعي التفويض الالهي.

والتناقض الحاصل بين ما تقره الدساتير العربيه لشعوبها من حقوق، وما ترفعه من شعارات ومبادئ ساميه، وبين الواقع المعاش وبشاعته، موجود ومتكرر علي كافه الاصعده، وفي كافه الدول يزيد وينقص هنا او هناك، ولكنه لا يغيب او يختفي عن المشهد السياسي العربي، حتي اصبحت الدساتير العربيه وما تقرره للمواطنين من حقوق ككذبه ابريل لا يصدقها الشعب ولا يغتر بها ولا يتخوف منها صاحب السلطه، ولا يلقي لها بالًا؛ فهي لا تتجاوز قيمه النكته السمجه التي فقد الجمهور حماسته لسماعها من كثره تكرارها عليه.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل